23 ديسمبر، 2024 3:38 ص

تكاد تكون تجربة التغيير السياسي الذي حصل بالعراق ، هي فريدة من نوعها من حيث حجم السوء الذي أفرزته طيلة الفترة الماضية ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل كان الأمريكان ومن حالفهم قاصدين لما جرى ويجري ؟ أم أنهم ارتكبوا أخطاء تلو الأخطاء منذ البداية أوصلت الأمور إلى ما نحن فيه ؟ بالتأكيد أن الجواب واضح وجلي ، الأمريكان يخططون ويضعون أجندة محددة ، ومن ثم يقدمون على التصرف ، لأنهم لا يرغبون أن يخسرون مشاريعهم ، وهذا حجر الأساس لأي فكرة أو مشروع يقومون به .

قبل احتلال العراق بشكل عملي ، ودخول القوات العسكرية واحتلال بغداد ، كان الناس يتحدثون ، عن انجازات ستحدث بعد التغيير ، وإن تلك الانجازات ستغير لون الحياة العراقية إلى لون وردي ليس فيه إلا الرفاهية والتعويض لجميع المواطنين عما مر بهم منذ تأسيس الدولة العراقية ، وإن من سيأتي سيفرش للشعب سجادة حمراء لا تفرش إلا لأصحاب الشأن الرفيع .

نعم لا ينكر أحد أن هناك أمور ومتغيرات قد حدثت بالواقع السياسي المحلي ، فتحت الباب واسعاً لتشكيل أحزاب سياسية متعددة ، كان يفترض أن يصبح الاختلاف بالرأي بين تلك الأحزاب حالة صحية تنمي الفكر وتزيل مسببات الألم ، وترتقي بالشعب إلى ما هو أفضل .

تشكيل الهيئات التي كان من المفترض أن تكون مستقلة على غرار هيئات مشابهة بالتشكيل الحكومي الأمريكي الرسمي الحالي ، وبنفس المسميات ، مثل هيئة النزاهة، أو مكتب المفتش العام ، وهاذين العنوانين ، هما يؤديان نفس الوظيفة المطلوبة ، وكان من المفترض أن يتم اختيار أحدهما ، ولكن للضرورات السياسية العراقية الجديدة المستوردة التي ترتكز إلى أرضاء جميع الفرقاء السياسيين بمناصب يجني من ورائها الحزب الفلاني أموالاً وسلطة يتصرف بها لصالح حزبه دعت إلى زيادة عدد الوزارات ليصبح العراق البلد الأعلى بعدد الوزارات والهيئات والمؤسسات التي لا تقدم أي شيء للمواطن أو للبلد سوى هدر المال العام ، لأن تلك الوزارات أو الهيئات التي أوجدتها التوافقات وليست الضرورات الإدارية الحقيقية ، ستفرض إيجاد هياكل إدارية كبيرة تمتد من رأس الهرم لتلك الوزارة أو المؤسسة أو ما شابه إلى أصغر عامل خدمة فيها ، ناهيك عن إنشاء المقرات والفروع لها بمختلف المحافظات ، كنا وعلى الدوام قد حذرنا من مغبة التغاضي ، عن وضع الأصبع على تلك الخروقات الفاضحة بتكوين هيكلية الدولة ، لأنها ستؤذي الدولة ، وتضغط على الميزانية ، وتحول أموال الميزانيات التي يتم أقرارها لدفع الرواتب فقط ، ولا تساهم بالتنمية على الإطلاق .ولكن كان هناك تقصد واضح ، منذ البداية ، على تأسيس أركان الدولة الجديدة كما رغبوا أن يسمونها ، على أخطاء واضحة وغير مدروسة علمياً ، أدت إلى الوضع الكارثي للدولة والحكومة وما سببته من انعكاسات على

الوضع المعيشي والأمني للمواطنين ، وما كارثة ضياع الموصل وكركوك وصلاح الدين ، والوضع السيئ بألأنبار إلا نتيجة متوقعة منذ البداية .الأحلام لن تتحقق بالخيال ، بل تحتاج إلى سعي حثيث لتصبح واقعاً ، تتم الاستفادة منه ، ومسؤولية ارتقاء المناصب بالدولة ، لم تكن يوماً غنيمة لمن يحصل عليها ، بل تكليفاً ثقيلاً يحمل صاحبه مسؤولية إيجاد العدل والصدق منذ أول خطوة يقوم فيها تحت سقف المنصب الذي يعتليه ، لماذا الصورة مختلفة عندنا بالعراق ، لمن وصل ومدد رجليه من على كرسي الحكم ؟

أن الشخصية العراقية شخصية صعبة ، لأنهم أصحاب رأي ، وهذه الصفة ليست حديثة أو مكتسبة اكتسابا سطحيا ، بل هي مصاحبة له وتجري في عروقه وذاكرته ، لذا فأن ما يجري في العراق لا يمكن أن يألفه العراق كأمر واقع ، ليتفاعل معه ويندمج فيه ، والدليل أن المقاومة أول صرخة حادة تؤذي آذان العملاء ، والاحتلال الذي خرج من الباب ورجع من الشباك ، وان هجرة بناة الدولة إلى العواصم العربية والعالمية هو يمثل احتجاج ضمني بعدم شرعية خدمة حكومات غير شريفة ووطنية .

أن الفساد والإفساد للدولة أصبح يسجل أرقاما مخزية يتداولها العالم للتندر على المشروع الأمريكي الفاشل في إنتاج حكومة تستطيع أن تحمي مصالحه وتدافع عنها .

المشكلة ليست بالعملاء والخونة ، بل المشكلة تكمن بالمتهمين بالوطنية ، واللذين يتزعمون أحزابا ، وكتلا تدعي الوطنية ، وتدافع عن الحرية وترفض الاحتلال ومشروعه ، لكنها شاركت في العملية السياسية بكل أخطائها وكبوتها من دون أن تحدث تغيير أو تصحيح بتواجدها هذا ، وأبنائهم في البرلمان يتبادلون القبل واللقاءات مع الشركاء الأساسين في العملية السياسية في المناسبات الوطنية والقومية ، ولن نجد تفسيرا لذلك رغم كل التبريرات التي تقال .

نعتقد كوننا مراقبين أن العراق سوف لن يخضع للمشروع الأمريكي ، ولحكومة الدمى السابقة في المنطقة الخضراء ، ونتمنى أن يحصل شيء مختلف بالحكومة الجديدة كي يثبت السيد ألعبادي أنه فعلاً مختلف عمن سبقه بكل شيء .

يجب أن تكون هناك مقامة سياسية سلمية لمشروع تقسيم العراق بحجة ما يسمى مشروع ( الفيدرالية ) ويجب إعادة النظر بهيكلية الجيش الحالي ، ومنع المشروع الأمريكي الخبيث ، من خلال تشجيع إنشاء وحدات عسكرية خاصة ببعض المحافظات ، لأن هذا المشروع هدفه واضح ، وهو إيجاد وسيلة عسكرية لكل محافظة كي تعتدي على شقيقتها المحافظة الأخرى ، خاصة وأن من سيرأس تلك التشكيلات ويتحكم بمصيرها بالتأكيد سيكونون أشخاصاً من الخلص للمشروع الأمريكي الصهيوني المشبوه ، العراق يحتاج جيشا كبيرا يحمل القضية مع الشرعية، تبرز فيه الرموز الوطنية التي تستلم علم العراق وتكون مسئولة عن سيادته وكرامته ، وسيكون

الجيش العراقي الأصيل متقدما الصفوف لطرد وتنظيف شوارع مدن العراق من الأقذار الأمريكية ونفاياته التي أزكمت رائحتها أنوف العراقيين .

من قام ويقوم بإيجاد المشاريع وافتعال الأزمات وبهذه الأفعال أشخاصاً معروفين للقاصي والداني ، وشركاء الجريمة غير خجلين أو خائفين من شيء ، لأنهم يدركون جيداً أن القضاء مسيس ويقع تحت سلطة الحاكم طيلة ثمانية سنوات عجاف مرت ، لم تكون هناك حكومة بالمعنى الحقيقي المعروف ، بل كانت هناك عصابة احتلت الكرسي ، وأصبح لها حلفاء مستفيدين من وجودها ، فقتلت وسرقت ، وجعلت من حلم ( السجادة الحمراء ) التي وعدت به الشعب ، أن يتحول إلى سجادة من دماء العراقيين على طول خارطة الوطن.