16 نوفمبر، 2024 1:34 ص
Search
Close this search box.

السبية قد تحررت

في غفلة من الحراس وتعاون جيرانها, هجم المتربصون على دارها واقتادوها سبية يتنازعوها بينهم, وضعوا القيود في يديها وقصوا جدائلها, وجالوا بها في البلاد يتباهون بما ملكت أيمانهم .

أيامها التي كانت ربيعا تعطره روائح الزهور, أصبحت خريفا قاسيا, وليالي شتائها صارت طويلة تكاد لا تنتهي, ويإست من رؤية الشمس تشرق عليها, فقد مرت عليها ثلاث سنين عجاف, يتلاقفها الغرباء في سوق النخاسة, يتباهون بكنزهم الثمين الذي حصلوا عليه.

ثلاث سنين مرت, وهي تنتظر سماع صوت إخوتها, القادمين لتحريرها وفك أسرها, فقد كانت متيقنة أن إخوتها, الذين يسكنون أهوار الجنوب وبيوت الصفيح وغرف الطين, لن يغمض لهم جفن وإختهم مسبية, فما عهدتهم إلا أباة للضيم وأصحاب كرامة, لا يسكتون على ذل أو إهانة .

فهب رجال كالأسود, حفاة أباة عروا صدورهم للرصاص, لا يرهبهم موت ولا يمنعهم حر لاهب أو برد قارس, ثابتون في إيمانهم راسخون في عقيدتهم, ما هانوا وما استكانوا, أطبقوا الليل بالنهار نحو وجهتم, على الرغم من قلة الناصر وتكالب الأعداء, فكانوا كالسيل الجارف, يقتلع عروش الظالمين .

فتسابق المجاهدون شيبا وشبابا, نحو طريق المجد ورفع الظلم وإعادة ما سرق, يحثون المسير بخطا ثابتة, عشقوا السواتر فاحتضنوها بصدورهم وخضبوها من دمائهم, لم يكلوا أو يملوا ولم يتملموا, يطربون لصوت الرصاص ويستأنسون بالمعارك الضارية, لم ترهبهم قوة عدوهم ولم يرهقهم بعد السفر وطول المسافة, فلم يكن لهم طلبة إلا النصر أو الشهادة .

وهكذا استمر الرجال في المسير, نحو المسبية التي تنتظرهم, فقد طال الفراق ومرت عليهم أيام وليالي, يصارعون أعتى قوة بربرية, حولت النهار الى ظلام دامس يكاد لا ينتهي, رملت النساء وسرقت البسمة من شفاه الأطفال, والأمل من قلوب شبابه, ولكن عزم الرجال لم يلن, وهمتهم لم تفتر, وكيف ينام الحر ويغمض له جفن, والسكين مغروسة في خاصرة الوطن .

وهاهم الأبطال يدخلون الموصل, فاتحين محررين الأهل والعرض والوطن, مخضبين أرضها بدمائهم, ويحتضنوها بأذرعهم السمر, ويضموها الى صدورهم التي اشتاقت إليها, لتحتضنهم وتشم رائحة عرقهم الذي لم ينشف بعد, وتسكب دموعها على أكتافهم, فقد تحررت السبية وعادت الى أهلها, مرفوعة الرأس عالية الهامة .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات