اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية كأوّل محطة عربية إسلامية في سلسلة جولاته الخارجية، واختار وزير
الخارجية السعودي عادل الجبير تونس كأوّل دولة عربية يدعوها إلى القمة العربية الإسلامية الأميركية التي ستعقد في العاصمة
الرياض يومي 20 و21 مايو الجاري.
قائد الدبلوماسية السعودية عادل الجبير أورد في حديث مع وكالة الأنباء التونسية بأنّ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي هو “أوّل
رئيس يستلم دعوة حضور القمة التاريخية من بين القادة الـ17 من الدول العربية والإسلامية الذين ستتم دعوتهم للمشاركة فيها، وذلك
في إطار حرص العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز على حضور تونس في اللقاء العربي الإسلامي بالرئيس الأميركي دونالد
ترامب”.
تريد الرياض من القمة العربيـة الإسلاميـة الأميركية المرتقبة أن تؤسس لشبكة من التفاهمات الإقليمية والدولية ضمن النقاط
الإستراتيجية المشتركة، لذلك فقد اختارت لزيارة دونالد ترامب ثلاث دوائر سياسية.
الدائرة الأولى متعلقة بالعلاقات السعودية الأميركية من خلال لقاء قمة بين ترامب والعاهل السعودي.
أما الدائرة الثانية فهي مرتبطة بالعلاقات الخليجية السعودية عبر اجتماع قمة بين العواصم الخليجية الست، والرئيس الأميركي.
في حين تتمثل الدائرة الثالثة في العلاقات العربية الإسلامية الأميركية وهو الاجتماع الذي سيحضره 17 مسؤولا بارزا من بينهم الرئيس
التونسي الباجي قائد السبسي الذي أكّد حضوره القمّة.
يدرك صانعو القرار السعودي أنّ اختيار ترامب للرياض كأوّل محطة خارجية فيه الكثير من المدلولات السياسية والاستراتيجية، فالإدارة
الأميركية الجديدة تعرف أنّ السعودية تمتلك جزءا معتبرا من مقدرات التأثير في جل استحقاقات المنطقة العربية سـواء تلك المتعلقـة
بمحاربة الإرهاب، أو بتحييد إيران، أو بالملفات السورية واليمنية، وليس انتهاء بالملف الفلسطيني.
لذا فلن يستغرب المتابع أن يستمع من القادة الأميركيين والسعوديين مقولة أن سحابة جاستا- قانون تعويض أهالي ضحايا العمليات
الإرهابية- لن تفسد ربيع العلاقات الأميركية السعودية، ذلك أنّ ملفات التقارب والتشبيك أكثر من نقاط الاختلاف والتشابك.
اختار ترامب زيارة إبراهيمية وفق التمثل الأميركي، في رحلاته الدبلوماسية، السعودية حيث الحرمين الشريفين، وروما الفاتيكان (مهد
المسيحية)، وإسرائيل حيث الكيان الصهيوني المتدثّر بعناوين دينية يهوديّة.
منذ الأشهر البكر، يسعى ترامب إلى تبيان الفروق الكبيرة بينه وبين الرئيس السابق باراك أوباما، فلئن كان الأخير اجتبى في 2009
محاورة العالم الإسلامي عبر بوابتيه المتمثلتين في تركيا ومصر، فإن الرئيس الجديد يدقّ أبواب المنطقة العربية والإسلامية من بوابة
الثقل الدبلوماسي والاقتصادي والديني والوجداني.
ولئن اختار أوباما مسلكية الحرير مع تلويح بالحديد ضد إيران وسوريا وحزب الله (الأعداء الإستراتيجيين للسعودية)، فإن ترامـب
يستعمل النار والحديد ولا يفكرّ كثيرا في الحرير مع ذات المحور المقابل للرياض.
الرياض أبدت أكثر من مرة حرصها الشديد على حضور تونس صلب المشهديات الإقليمـية والدوليّة التي تكون فيها السعوديّة العقل
الإستراتيجي والخيط الناظم.
تعتبر القيادة السعودية الحالية أنّ تونـس التي تحتضن مجلـس وزراء الـداخليـة العرب وتعقد فيها كافة اجتماعات المجلس لها دور
تنفيـذي ملحـوظ في القضـايا الأمنية سيما تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب والتطرّف، المجال الذي يحبذّه كثيرا ترامب ويبني عليه كافة
إستراتيجياته وسياساته.
والحقيقة التي تدركها الرياض جيّدا أنّ القيادة التونسية اقتربت كثيرا من المنظور السعوديّ لمقولة الإرهاب ولأشكاله التنظيميّة، فوزارة
الداخلية التونسية وافقت على وصف حزب الله اللبناني بالتنظيم الإرهابي ضمن البيان الختامي الصادر عن الدورة الـ33 لمجلس وزراء
الداخلية العرب الذي انعقد في 2 مارس 2016.
كما أنّ تونس دولة عضو في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، وهي أيضا مشاركة بقيادة جيشها ضمن
التحالف الإسلامي الموسّع لمحاربة الإرهاب.
وعلى الرغم من إبداء 3 ملاحظات عامّة وفضفاضة، كان الهدف من ورائها تسكين الرأي العام المحلي، فإنّ وزارة الخارجية التونسية
صوتت في مجلس الجامعة العربيـة وعنـد اختتام أعمـال دورته الـ145 في مارس 2016، على اعتبار حزب الله والحرس الثوري
الإيراني جماعتين إرهابيتين.
بهذا المنطق والمنطلق، تكون تونس الدولة الأقرب إلى المملكة العربية السعودية من خارج النادي الملكي، وهو قرب تدرك تونس قيمته
كثيرا وقد برهنت على حرصها التام على التمثل الإستراتيجي للعلاقات الثنائيّة عبر إقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد للوزير الأسبق
للشؤون الدينية عبدالجليل بن سالم بعد أن أورد تصريحات اعتبرت بأنّها مسيئة للعلاقة مع الرياض. والأكثر من ذلك أنّ الحكومة
التونسية راعت الخطوط السعودية والخليجية الحمراء ضدّ دمشق.
وعلى الرغم من الحملة الانتخابية للرئيس السبسي ولحزبه نداء تونس والتي بنيت في سياقها الإقليمي والدولي على مراجعة أخطاء
الرئيس السابق المنصف المرزوقي وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وإعادة الـدفء للعمق العربي بعيدا عن محـور قطـر، فإنّ
حكـومتي الحبيب الصيد ويوسـف الشاهد فضلتـا عدم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا إلا في ظلّ إجماع عربي عبر قرار من
الجامعة العربيّة.
كما أنّ الحكومة التونسية أبدت حرصها الشديد على حضور المملكة العربية السعودية في مؤتمر الاستثمار 2020، والذي تكلّل
بوعود استثمارية سعودية مشجعة تحتاجها تونس اليوم بل هي في أمس الحاجة إليها.
ومع كلّ ما سبق، يبقى الرهان السعودي على منازلة أيّ انتشار إيراني سواء مباشر أو ناعم ضمن أولويات حراك الرياض، وهو الإطار
الذي تتنزّل فيه الزيارات المتتالية للجبير إلى تونس.
ولئن كانت زيارة يناير 2016 للجبير والتي حصلت بعد أسابيع قليلة من زيارة قائد الدبلوماسية الإيرانية جواد ظريف إلى تونس في
سبتمبر 2015، كانت عنوانها المسايرة والمحايثة، فإنّ إطلالة مايو 2017 تهدف إلى التطويق والمكاسرة وتوسيع مظلة التوافق العربي
الإسلامي الأميركي ضدّ إيران.
في الطرف المقابل، تدرك تونس أنّ هامش الرمادية البورقيبية حيث الرهان على خطوط التماس والمشي الذكي فوق حقول ألغام الدول
الكبرى، لم يعد متاحا اليوم في ظلّ الأزمة المالية الحرجة التي تعرفها البلاد والضغوط الملحة في الداخل والإكراهات المادية في
الخارج.
تريد تونس أن يكون لقاء السبسي بترامب تكملة للقاء وزير الخارجية خميس الجهيناوي بنظيره الأميركي ريكس تيلرسون في واشنطن
أسابيع قليلة بعد اعتلاء ترامب عرش أميركا.
وكما كان لقاء الأمس في واشنطن سيكون لقاء الغد في الرياض، دعوة تونسية لاستحثاث الدعم العسكري الأميركي لتونس في محاربة
الإرهـاب وللاستثمار الأميركي في تونس، والأهـم من كل ما سبق الإبقاء على المساعدة المالية الأميركية لتونس في زمن استعصاء
البدائل والفرص الضائعة.
نقلا عن العرب