13 أبريل، 2024 10:07 م
Search
Close this search box.

الساعدي وماكريستال

Facebook
Twitter
LinkedIn

الدولة الحديثة كيان مؤسساتي، تقوم على مجموعة من الأنظمة والقوانين التي يشرعها ويقرها الشعب عبر ممثليه المنتخبين. الدولة الحديثة لا تقوم على الأشخاص. في العالم المتمدن يقاس المسؤول بمدى التزامه بتلك القوانين والأنظمة وتطبيقها بشكل فعال أو قدرته على الإبتكار والتطوير وفق مقتضيات الواقع المتغير، ضمن نفس السياقات التي اقرتها سلطة الشعب.

لم يعد هناك اعتبار لمفهوم القائد الملهم او القائد الضرورة او الزعيم الذي اذا غادر الموقع لسبب ما، انهار كل شيء. باختصار عبادة الفرد او تقديس الأشخاص شيء من الماضي ولم يعد له حضور في العالم المتحضر، لكن الوضع عندنا، للأسف، لازال اسير الماضي.

الضجة المثارة حول نقل الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب، تدخل في هذا السياق. لاحظوا ان المسألة نقل وليس اقالة او طرد.

طبعا من الصعب ان تقف في وجه سيل جارف من المواقف والشعارات والعواطف التي اعقبت نقل السيد الساعدي، فهو البطل العراقي الغيور الشجاع صاحب الصولات والجولات والنجم البارز من نجوم القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتحرير مدن وقصبات عراقية مهمة من سيطرتهم البغيضة، حسب بيان رئيس جبهة الإنقاذ والتنمية أسامة النجيفي.

وهو فخر الشعب وصانع الإنجازات الذي تشهد له سوح الوغى يستحق المكافأة والتقدير حسب تغريدة رئيس تيار الحكمة الوطني المعارض، عمار الحكيم، وكأن وزارة الدفاع التي نقل اليها الساعدي منقصة وحط من قدر الرجل.

وهو الخبير من أهل النخوة والشجاعة الذي عومل خارج حسابات العقل والمنطق حسب ائتلاف دولة القانون ممثلة بعضو البرلمان محمد السوداني.

وهو المخلص والنزيه والمضحي والكفوء الذي أسيء له وأجرم بحقه حسب تحالف سائرون، عنهم صباح الساعدي.

وهو رمز النصر الذي تعرض لسياقات ادارية عسكرية غير مدروسة نفسيا حسب تغريدة هشام الهاشمي الذي يقدم نفسه عضوا بالمجلس الإستشاري العراقي والباحث في شؤون التطرف الأصولي والإرهاب والمهتم بقضايا الأمن الإستراتيجي، وهنا أضاف بعضا من علم النفس الى مؤهلاته.

ونقله امر مخالف للقانون حسب احد جهابذته، الأستاذ، الخبير القانوني، علي التميمي، حيث قال ان قرار نقل الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي إلى وزارة الدفاع، يخالف قانون جهاز مكافحة الإرهاب 31 لسنة 2016، لاستقلالية الجهاز عن وزارة الدفاع وفات حصافته ان القائد العام للقوات المسلحة هو الذي يصادق على كافة الخطط التنظيمية والاستراتيجية للجهاز ويشرف على تنفيذها حسب الفقرتين ٣ و٦ من المادة خامسا-مهام رئيس الجهاز.

وهو اخيرا حبيب أهالي المناطق المحررة والقائد الميداني العطوف الذي يحتضن الأطفال حسب العديد من القنوات الفضائية ومقاطع الفيديو المتداولة على شبكات التواصل الإجتماعي، ناهيك عن الآلاف من البوستات والتعليقات التي تمجد بالرجل وتحتفي به وتذم قرار رئيس الوزراء.
من الصعب والموقف يسير على هذا المنوال ان تقول ان عبد الوهاب عبد الزهرة زبون الساعدي، حصل على فرصة حرم منها الآلاف من الضباط الأكفاء نتيجة سياسة الإجتثاث والإعتبارات الطائفية المريضة، فهو في الأساس خريج كلية التربية ، قسم الفيزياء، جامعة الموصل، عام ١٩٧٩وكانت كلية مغلقة للحزبيين ولا تخضع لمعايير القبول العام والمعدل، يقبل فيها الرفاق الحزبيين الذين لا يؤهلهم مستواهم الدراسي ومعدلهم للدخول في أية كلية. ويبدو انه تطوع اثناء خدمة العلم خلال الحرب الايرانية العراقية كضابط قوات خاصة ليتخرج من الكلية العسكرية الأولی دورة 69 عام ١٩٨٥ ، ثم دخل كلية الأركان وكلية القيادة وكلية الحرب على التوالي في التسعينيات، وهي سيرة نخبة الضباط التي لا يحصل عليها الا المقربون من الحزب والسلطة آنذاك، ومع ذلك فهذا ليس موضوعنا الأساسي وإنما امر النقل. علما انه سبق وان تعرض للتجميد والتوقيف عن العمل خلال عهدي المالكي والعبادي.

اول ما يلفت النظر هو ان الساعدي تصرف بما لا ينسجم مع تاريخه العسكري وثقافة الضبط والربط التي يتحلى بها العسكريون المحترفون والتي بدورها تفرض قبل كل شيء الإمتثال للأوامر. الرجل دخل في موجة من الهستيريا، فقد انتقد أمر القائد العام للقوات المسلحة وطعن في قائده المباشر وأعلن عدم رغبته بالإمتثال وقال ان السجن احسن من وزارة الدفاع، ولا زال مستمرا في نشاطه الإعلامي بهذا الخصوص، وهي ظاهرة كان الساعدي لن يتجرأ عليها أبداً قبل ٢٠٠٣.

اعود وأقول انه من الصعب ان تواجه التيار الذي صاحب قضية الساعدي مهما اثير عنه من سلبيات اثناء المعارك وبعدها، خصوصا ما يتعلق بتدخل مكتبه في عمل الجهاز وشكوى المئات من الضباط والمراتب من المحسوبية والمحاباة وسوء القيادة ووصول تقارير بهذا الخصوص الى القائد العام للقوات المسلحة، ولكنني بغرض تسليط الضوء على الجانب الآخر من القضية وبيان كيف تجري الأمور في المؤسسات الرصينة والجيوش والمحترفة والدول الحديثة، اذكر مثالا بنفس المضمون.

في حزيران عام ٢٠١٠، أقال الرئيس الأمريكي باراك اوباما، الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية في افغانستان والحرب على الإرهاب في أوجها، وذلك على خلفية تصريحات أدلى بها لمجلة رولينج ستون الأمريكية انتقد فيها عدد من المسؤولين في الإدارة الأمريكية من بينهم نائب الرئيس والمبعوث الامريكي الخاص الى افغانستان وباكستان.

أقال الرئيس جنراله، اي فصله من الخدمة وطرده من الجيش ولم ينقله الى وزارة الدفاع، غير انه الجنرال ستانلي ماكريستال هو الذي اعتذر من الجميع وقال:

لقد التزمت طيلة حياتي بمبادئ الشرف والنزاهة المهنية، أنا أكن الاحترام الشديد والإعجاب بالرئيس أوباما وفريقه للأمن القومي وبكبار المسؤولين المدنيين وبالقوات التي تخوض هذه الحرب، وأظل على التزامي بضمان النصر فيها”.

فهل يرقى الساعدي الى مستوى هذا الجنرال ويعلن اعتذاره واحترامه لقادته ورؤسائه والتزامه بضمان تحقيق أهداف الوطن في اي مكان يكون فيه ويعترف بدور زملائه وقدرتهم على مواصلة الحرب على الإرهاب الى حين القضاء عليه نهائياً.؟

الجواب عند السيد الساعدي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب