بعد مرور اكثر من عشر سنين من التحول الديمقراطي ظل العديد من ساستنا يعيشون باراجيف الماضي لا يتفاعلون مع الحاضر ولا يستشرفون افاق المستقبل بكل جوانبه ، ينظرون لمن حولهم بأفق ضيقة ويتعاملون بردود الافعال ينتابهم التذمر ويتجردون من الحكمة و الرأي الاخر والافق الواسع . بات تطبيق القوانين في خبر كان التجأوا الى الاعراف المجتمعية والتي نجد فيها الكثير من المغالطات و اقتربوا رويداً رويداً الى الفوضى العارمة كي يغطوا عن اخطاءهم . اضحت الثقة بالقضاء ومفاهيم العدالة معدومة لديهم وساد التشكيك في كل قرار يصدره القضاء لا بل اتهامه بالتبعية للسلطة التنفيذية بالرغم من استقلال القضاء في قراراته التنفيذية . وبقي معظم الساسة يعاني من الهواجس والافترءات جراء عدم امتلاكهم المعرفة التراكمية والثقافة العامة لدور القضاء في المجتمع وتمتعه بالاستقلال ولا سلطان عليه حتى من السلطة التنفيذية . نعتقد ان ما يحدث اليوم من هذا التخبط هو كثرة الاتهامات السياسية وعدم قناعتها بحكم القضاء وتجردها عن الانتماء الوطني الصميمي وتزحزح الوطنية عنها ، وحلت الحزبية والولاء للطائفة والقومية والمنافسة الفئوية بدلاً من الاحتكام بالمؤسسة القضائية. فيتزحزح الشعور والحس الوطني كلما طفت ازمة على السطح يتعالى الخطاب السياسي المشحون بالطائفية والارث المقيت والنظرة الضيقة لما يتراكم . اين اذاً الاسس والثوابت التي تحتم على السياسين التعامل مع تلك القضايا ؟. في المقابل لا ينكر للسياسة من دور في تحقيق رفاهية الشعوب اذا ما استخدمت بشكل منهجي ووطني لان التنمية الاقتصادية لا تتحقق الا اذا تحقق الاستقرار السياسي ، وبالتالي اذا نظرنا الى السياسة باعتبارها مرجعية سوف لن يكون للخطاب السياسي الطائفي دور في تحديد اطرها لانه شاذ لا يؤخذ به . اما الهجمة التي يتبناها بعض الساسة للايقاع بالقضاة تعني استهدافاً لروح العدالة وهياكلها ، لذا ان اتهام المحكمة الاتحادية بازدواجية المعايير في الرد او البت بالقوانين المتعلقة بالجانب السياسي هو تجني على الجهاز القضائى والعدلي لانها تمثل منطق العدالة والقيم والمبادئ ولا تأخذها بالحق لومة لائم ، وحتى وان اخطأت . دعوتي للساسة الى مراجعة النفس واستحضار الضمير والتريث قليلاً و انتقاء المفردات المهذبة في التعبير فأنها معيار شخصيتهم الوطنية ، لا سيما تقييم الاحداث والاصفاف مع الشعب في دحر ( داعش) لتطهير مدننا من هذا المرض الخبيث . اما اذا دأبنا في تفسير الاصفاف الوطني على انه انحياز الى جهتين الاولى يمثلها الامام الحسين والثانية الطاغية يزيد تلك مسألة يراد لها التوقف والرجوع الى الف واربعمائة الى الوراء لان صفحات التاريخ لم تنطوي بعد .