23 ديسمبر، 2024 5:20 م

الساحة العراقية قبل الانتخابات… هل للأتراك نفوذ أم السيطرة للفرس؟

الساحة العراقية قبل الانتخابات… هل للأتراك نفوذ أم السيطرة للفرس؟

تتأثر مجريات الأحداث في البلدان  بتقلبات السياسة  العالمية التي تترك أثارها هنا وهناك، وتؤثر تلك الأحداث والمستجدات تأثيرا كبيرا على الواقع السياسي خاصة إذا كانت متجاورة ومتداخلة في قضايا عدة ، وربما تاريخ طويل من التعامل والتماحك وربما الاحتلال لبعض أجزاء البلدان المجاورة أو كلها، وبما أن هذه النقطة بالذات تربطنا في العراق مع تركيا فيها  أحداث طويلة تمثلت بالاحتلال العثماني الطويل والذي دام ما يقرب  من 500 عام، ترك عبرها العثمانيون تبعات ثقيلة وأورثوا عبرها تقاليدهم وعاداتهم الكثير، مما جسد انطباعا راسخا في أذهان  شرائح واسعة من المجتمع العراقي إن تحدثنا عن خصوصية عراقية بعيدا عن بقية أقطار وطننا العربي الكبير والذي كان خاضعا بدوره للاحتلال العثماني الذي انتهى في  بدايات القرن المنصرم  بانتصار الحلفاء على الإمبراطورية العثمانية ( الرجل المريض) وتقسيم مستعمراته في اتفاقية (سان ريمو) .
هذا العرض البسيط لشيء من تاريخ العراق أبان العصر العثماني وبعد انتهائه، حملنا لقراءة المشهد الذي يعيشه العراق اليوم في ظل فوز السيد اردوجان وريث تلك الإمبراطورية التاريخية ، والذي يقود ( حزب العدالة والتنمية) الفائز بالانتخابات البلدية التي جرت مؤخرا في تركيا بأغلبية ساحقة رشحته لولاية جديدة في رئاسة الحكومة التركية ، وهنا جاز لنا أن نتساءل هل سيترك هذا الفوز برئاسة الوزراء التركية وتشكيل الحكومة الجديدة ظلاله على مجريات ما يعد له من انتخابات في العراق لتشكيل حكومة عراقية جديدة ، ومن أي اتجاه ستتأثر الأحداث  في العراق بالحدث التركي ،وهل له تبعات أخرى قد تغير من شكل الخارطة السياسية العراقية المقبلة.
يتعرض العراق برمته اليوم لتأثيرات متعددة ،تتمثل بالسطوة الأمريكية على مجريات تفاصيل القرار في بغداد في الشكل الظاهر، إلا أن السطوة الحقيقة والغلبة على الأرض تتمثل بالسيطرة  الفارسية التي يعد فيها اللاعب الإيراني مسيطرا على واقع الأمور وتداخلاتها عبر تحريك جهات تابعة له في مختلف مناطق العراق على اختلاف أطيافها، فحين نقول السيطرة الفارسية لا نعني أن هناك حظوة وتبني للقرار الفارسي في النجف أو كربلاء المقدستين ومدن الجنوب التي توصف بالغلبة فيها لطائفة على حساب بقية الطوائف الأخرى، فيما لا يحضى الفرس بنفس الحظوة في المناطق ذات التواجد الكثيف لطائفة غير التي في الجنوب، بل العكس صحيح إن معظم مناطق العراق تخضع للسيطرة الفارسية اليوم ولو بدرجات مختلفة، وهنا لا تختلف الأنبار عن النجف إلا بدرجات ، والحرب الدائرة اليوم في الأنبار و الفلوجة تعكس صدق ما ذهبنا إليه من تفسير ، حيث تنفذ ما تسمى بالصحوات والأفراد المشاركين في القوات التي يزج بها رئيس الوزراء نوري المالكي بحربه تلك، تنفذ أجندة فارسية بامتياز من أجل فرض السيطرة التامة للتوجهات الإيرانية الفارسية على المناطق التي بقيت عصية عليها ، والتي ترفض فيها العشائر العربية تلك الوصايا الفارسية ،مما حدا بها لترجمة ذلك على أرض الواقع حين رفعت السلاح ضد قوات المالكي ( الجيش والقوات الأمنية) وهذه كلها أعتمد في تشكيلها على مليشيات دربت وجهزت في إيران لتستخدم فيما بعد لضرب المناطق الرافضة للسيطرة الفارسية، وهنا نؤكد أننا لا نقدم هنا إدعاءاً فارغاً دون أدلة ، و لا نود التهجم دون دليل، ولا ندعي أن الحرب التي دفع إليها المالكي تلك القوات بدافع طائفي طبعا قد ضربت مكون دون أخر ، بكل تأكيد لا فهناك مجازر كثيرة ارتكبها المالكي وقواته في العديد من المناطق العراقية وراح ضحيتها عراقيون اصلاء لا ذنب لهم سوى معارضة التوجه الفارسي، ونذكر على سبيل المثال (مجزرة الزركة) وهي مجزرة  ارتكبت بحق (آل حاتم) وراح ضحيتها العديد من أبناء تلك القبيلة العربية الشريفة وهم في طريقهم لزيارة مرقد الإمام الحسين بن علي عليه السلام ، وكانوا آمنين مطمئنين مسالمين لا يحملون سلاحا، إلا أننا نقول إن حصة الأسد من تلك المجازر كان المالكي ومن قبله يستهدفون فيها مكوناً بعينه ، ما يعطي انطباعا  راسخاً بان ما يجري هي حرباً طائفية لا هوادة فيها بتوجيه مباشر من إيران ، وهي كما قلنا اللاعب الرئيسي في العراق مقابل صمت اللاعب الأمريكي ، الذي يخيل للجميع انه على اتفاق مسبق مع الإيرانيين يبيح من خلاله للفرس التعامل مع المشهد وفق ما ترسمه من صورة القمع والتصفيات المعروفة والجارية في العراق منذ 2003 والى يومنا هذا.
من هذا الواقع المرير نخرج بوصف حالة التأثير التركي بأنها لا تتعدى ربما مناطق بعينها يكثر فيها التواجد التركماني ، وهي تكاد أن تكون محصورة في مناطق محددة من محافظة كركوك وليس بكاملها، وهنا سيكون تأثير ما تمخضت عنه  نتائج الانتخابات في تركيا محدوداً مقارنة بالنفوذ الفارسي الذي يلقي بظلاله على مجمل الساحة العراقية.
وبوضوح اكبر لقد وفرت الإدارة الأمريكية فرصة ذهبية لإيران على حساب الحق العربي ، تفردت من خلالها للسيطرة على القرار العراقي وصولا لدعم الحكم في سوريا والتأثير على القرار اللبناني عبر حزب الله الذراع القمعي في لبنان وربما المنطقة، لتخلق عبره نموذج كانت تحلم فيه إيران الخميني ومن ورثوا تلك المبادئ التي دعا  لها لتصدير الثورة كما يسمونها، والتوجه من أجل بناء الأسس لما يسمى (بالهلال الشيعي) ، وهذه متحققة الآن في المثلث الذي تديره إيران عبر محور طهران بغداد دمشق بيروت، ناهيك عن الذراع الفارسي في اليمن والبحرين ودولا أخرى ، ما يعني أن الأردن باتت في خطر داهم وسيأتي الدور الفارسي عليها إن لم ينتبه الأردنيون وبجدية لذلك، حينها تصبح المملكة العربية السعودية تماما بين فكي الكماشة التي ستطبق على حدودها من كل الجهات بدء من البصرة والكويت مروراً على جسر الملك فهد في البحرين ، وصولا إلى جبل دخان في اليمن ، والذي كنا قد نوهنا عنه في مقال سابق حين تطاول الحوثيون بدعم فارسي على الحدود السعودية، ناهيك عن رغبتهم الواضحة بالسيطرة عبر الميليشيات التي يديرونها من خلالها القتال في سوريا على الحدود الفاصلة بينها والسعودية.
مقابل انحسار الدور التركي كلاعب مباشر في المنطقة برمتها ، وبالتحديد في العراق ، إلا من تبادلات تجارية تكاد أن تكون محدودة مقابل السطوة الفارسية وتسلطها على الاقتصاد العراقي، في حين نرى أن الدور العربي لا وجود له نهائياً ولم يلعب طيلة تلك السنين التي مرت عصيبة على العراق دوراً ملحوظاً كما كانوا دائما، بل ذهب المالكي وبدعم مباشر من إيران لاتهام السعودية وقطر دون دلائل أو براهين تؤيد إدعاءاته تلك، ما يعني أنهم  يريدون أن يحولوا أنظار الرأي العام إلى قضية هي غير موجودة  أصلا ، وتغييب الحقائق التي باتت واضحة جلية لا تحتاج إلى برهان أو دليل حول الإرهاب الذي تمارسه الزمر الفارسية بحق العراق وسوريا ولبنان ، ومحاولتها تدمير تلك البلدان واستغلال حالة الفوضى التي تخلقها مليشياتها واستثمارها لصالح مشروعهم التوسعي القمعي الإرهابي ، وما التصريح الأخير لرئيس الأركان الإيراني المدعو (غلام علي رشيد) حول ارتباط سقوط الحكم في طهران بسقوط بشار الأسد ، والذي بدوره سيوفر فرصة كبيرة لتغيير الحكم في العراق وسقوط حكومة المالكي ، ونهاية دور حزب الله وسقوطه، وهذه حقيقة ثابتة تبين حجم التدخل الفارسي في تلك البلدان ، ودليلاً واضحاً على أن كل ما يرتكب من مجازر في هذه البلدان هي بتدبير من قبل الفرس وليس غيرهم ن لمن يطالب بدليل على التدخل الفارسي المقيت في بلداننا.
خارطة المنطقة برمتها غير متكافئة، نعم هي تتعلق بمصالح خاصة تفرضها سطوة من يملك القوة، ويحدد مسارات التأثير هنا وهناك، لكن في الحقيقة إن  إيران لا تملك من القوة ما يخيف الآخرين من مواجهتها، وأن عناصر التفوق النوعي والغلبة تمتلكها الأطراف العربية ومن بينها العراق، بل في طليعتها العراق بعد تخلصه من شرذمة الفرس التي تحكم اليوم والتي سلمت مقاليد العراق لإيران، فبات رغماً عن أهله وعن أمريكا التي أعتدت وتجبرت وارتكبت الفظائع  عبر جرائمها خارج نطاق القانون وسكت المجتمع الدولي ، إلا أن التأثير على الساحة العراقية اليوم لا يخضع للتقلبات السياسية الدولية بقدر ما هو خاضع للقرار الفارسي دون عن سواه.
تلك هي حقيقة ما يحدث ، ولن يكون للتغيرات التركية أي تأثير في القرار العراقي أو تقلبات الأمور في هذا البلد، ولن تسمح طهران بفرض الإدارة التركية سيطرتها على أي جزء من أرض العراق لا الآن ولا في المستقبل القريب، لكنها لن تتمكن من فرض إرادتها على المساحات التي تمثلها المحافظات المنتفضة على الحكم الصفوي ، ومن يمثله من أدوات كالمالكي وغيره فيما يسمى بالحكومة، وهي واضحة جلية اليوم عبر المواجهات الجارية في الأنبار و الفلوجة وبقية المدن العراقية الباسلة البطلة، وإن طال الزمن سينضم الجنوب الحبيب إلى ثورة الشعب ، وسيعي الجميع أن الموضوع هو العراق ، وليس طائفة أو مذهب، وأن الجميع يراد بهم شراً مستطيراً يتربص الفرس نشره وبصورة أكثر مما هو عليه اليوم ، لكن الخلاص منه بات وشيكا بإذن الله.