آمل أن أجد فيك الوطن المفقود.. نخترق سوية الأفق المسدود.. آمل أن يلتئم الجرح المفتوح.. أن أحرر إرادتك من الظنون.. لا توهمني أن تلك الأصفاد أصبحت ملك لك.. لقد سئمت رؤية الجنود تملأ نقط العبور.. بدون إبداء أية مقاومة منا.. وعلى الساعة الثامنة ليلا.. تسقط السماء.. تعزف سينفونية العبث في الميادين.. على نغمات عجز الرأي الدولي.. وإيقاعات الضبط الاجتماعي.. تمحو ما صنعه الفشل السياسي..
بشكل غير اعتيادي.. يبدأ مسلسل حظر التجوال.. تنتهي معه دورة الحياة.. لم أعد أحتمل صمتك.. لا تكن صنما فتنكسر أرجوك.. علامة قف.. منتشرة.. هنا وهناك..
الدركي: الوطن ليس لك.. ما سبب مغادرتك للبيت؟.. أنت محاصر.. تبا لك.. من أذن لك بالخروج؟.. عد من حيث أتيت.. الخروج يحتاج لإذن مسبق.. فهل الإذن معك؟..
ثرلي: كيف أوذن يا سيدي وأنا في أرض محررة بدماء الأجداد؟..
الدركي: الحرية لمن يستحقها.. ألم تستوعب الأمر بعد؟.. عد من حيث أتيت.. الليل لم يعد لك..
ثرلي: لكن ماذا أقول للأجداد إن سألوني عن حال البلاد..؟ هل سأقول عفوا لم أكن في الميعاد؟.. أم أحكي أوطانا تباع في المزاد؟.. هل سأنسحب قبل أن تعلن الأفكار الانهزام.. وتعلن ثورة الجياع الانتصار؟..
كم كانت فرحتنا كبيرة ونحن نودع الحياة البسيطة.. مرحبين بأشياء عجيبة اعتقدناها رحيمة.. بالصحن الدوار والهاتف النقال.. ضننا أنفسنا.. كائنات تغزو الفضاء.. ذكرني حالنا.. بقصة ذلك السلطان.. الذي باع مدينتهم مقابل الحصول على دراجة هوائية.. أسرتنا شبكات الانترنيت.. والتسوق الالكتروني.. أصبح الأيفون والفضائيات مصدر سعادتنا.. معها لم يعد العجب عجبا.. ولا البعيد بعيدا.. هكذا اعتقدنا.. تباهينا بالسيارات والطائرات.. سعينا للرفاهية وسرعة القاذفات.. حتى ولو لم نكن نمتلكها.. أبهرتنا عبقرية العلماء.. وجمال سبيحة الفقهاء.. وبلاغة السفهاء.. كم صفقنا لصواريخ خرقت الفضاء.. وتغنينا بالأبراج وأضواء المدينة.. لم نكن ندرك حينها.. أننا بذلك قد ودعنا الحرية.. وسلمنا إنسانيتنا لأنظمة دجينة.. ماذا أقول لفرعون لهامون وهامان.. عن زمن تنكر للأهرام ؟.. ماذا أقول للحجاج الذي ظلمناه في المغرب قبل أن يظلم في العراق؟.. ماذا أقول لبونابرت وأدولف وإيفان الرهيب.. هؤلاء، على الأقل لم يقوموا ببتر الليل من خريطة النهار..
الدركي: بطاقة هويتك.. من انت؟.. من أين اتيت؟.. الليل لم يعد لك؟..
ثرلي: يا سيدي دعني أشرح لك.. أنا لم أرتكب جرما.. ربما وقعت ضحية تشابه الأسماء.. لا يمكن أن تكون جريمتي.. اسمي أو صمتي.. انا مغربية الأصل.. لم أتملص يوما من دفع ضرائبي.. رغم أنها كثيرة تثقل كاهلي.. جدي كان مقاوما للاستعمار.. أبي كان موظفا خدوما للشعب.. أمي وأخوتي يحبون الزهور مثلي.. فرغم قساوة الطقس.. لم أغادر البلاد خوفا من أسئلة الدركي.. من مطاردة الشرطي لي.. كاللص بين الدروب.. ليوقفني.. بل ليسألني: من أنت.. من أين أتيت؟..
كل القرارات أخذوها بدلا مني.. فماذا تبقى لأسيرة مثلي؟.. ركبوا صهوة الحصان ليلا.. قهرا، أخذوا المناصب مني.. أغلقوا الحدود.. أعلنوا التطبيع.. رغم ذلك لم أنتفض ولم أبالي.. وفية أنا للجبن.. للحكومات والاستحمار.. أنا أبدا لا أبالي.. لا تخف يا سيدي.. فالموتى لا تنهض من القبور.. بكل العبارات.. بكل لغات العالم.. أرفع للدهاء قبعتي.. فيوم غادر دياس الأرض نحو الديار الهولندية.. وعانق سايلا كارلا الإسبانية.. قررت ألا أزعج أصحاب الفخامة..
يا عاشقا صامتا.. عازفا عن الكلام.. يا قصيدة ممنوعة من النشر.. دعني أدعوك لركوب الغمار.. ما فائدة الحياة إن لم تعشها مرتين؟.. أريد أن أحبك كما لم يحبك احد من قبل.. كما لم تحب عبلة عنترة بن شداد.. فدعني أسافر بك نحو الصفاء.. نحو أحاسيس ماتت بداخلنا.. نحو دروب الحي حيث رائحة المطر والتراب.. إلى كرم سفناج الحي وخبز أمي ورائحة النعناع.. إلى ألحان قهقهات براءة الأطفال.. دعنا نعود من حيث أتينا.. لمعانقة بعضنا، حيث لم تنل المساحيق بعد منا.. دعني أعود بك للزمن الجميل.. حيث لم يكن للرساميل معنى.. دعني أحبك.. دعني أقوم بمهمتي.. في تحطيم الأوهام.. دعني أحبك.. فلم أعد أحتمل الأصنام.. حتى يعود الليل كما كان.. حتى أعيد للشيب الشباب.. لا تجعل عنوانا لحياتك اسمه “الرحلة الخطأ”.. ولا تجعلهم يسألونني “السؤال الخطأ”.. أقسمت بنجوم الليل ونور النهار.. أقسمت بأشعار عنترة وقيس ونزار.. أن أقول فيك شعرا.. عجزت عنه المعلقات السبع..
في أحد أيام السكينة.. سألني شخص عزيز على قلبي.. عن حالي وعن صيامي.. وشهر رمضان على الأبواب.. نظرت إلى عينيه كأني أنظر إلى السماء.. أسافر فيهما بحثا عن الجواب.. سؤال سقط علي كالإعصار.. تمهلت قليلا.. ابتسمت ابتسامة خجولة.. حاولت من خلالها الهروب.. وجدت نفسي أقف أمام البحر.. لَم أَكُنْ أملِك فِي الأَمْر اختِيَارَا.. الغوص في السؤال.. جعلني أخجل مثل الأطفال.. فهل أستعين بذكائي للإفلات من السؤال؟.. أم أترك المجال لقناعاتي.. لست أدري.. أدركت معنى أن تقع بين أمرين أحلاهما مر.. بدأت رحلة الحيرة من أمري.. ربما فهم قصدي.. ربما صدر حكما غير عادل في حقي.. قد يبدو الجواب بسيطا.. الا ان السؤال حيرني كثيرا.. فقلت له يا عزيزي.. أما عن حالي.. فلست أحسن حال من الأحوال.. أما عن صيامي وصلاتي.. فهل يجوز صيام الجبناء مثلي.. هل يجوز صلاة من.. ترك الوطن يغرق بين يديه.. وترك الحق.. عن صاحبه يضيع.. هل يقبل الله صيام من.. داست بالنعال كرامته.. وبتر ليله من خريطة النهار؟.. الصلاة والصيام.. تناغم مع الخالق.. فريضة تفرض على العقلاء.. لقد حسم في ذلك الأمر.. يا عزيزي..