لم تعد الزيارة الأربعينية، مجرد ثورة، بل اشبه بالحروب العالمية، لأنها شملت جموع الأنماط السياسية والاجتماعية، والعقائدية والإنسانية، والأخلاقية والاصلاحية، فقد صنعها الحسين (ع) لأيام مقبلة وسنين، حتى تحييها، كما هي احتاجت لها أيامنا هذه، من صراع وجهاد، مرت بصعوبات عسيرة، بكت لها الأديان، مسيرة دموية ونهجاً حسيناً لا ينقطع.
لعل هنالك محيراً، قد اجتمعت عقولهم، واكلتهم نارهم، على ذلك السواد الحسيني، كأنهم قطيع يساس بالتجويع والإرهاب، مثل افعى تحضر سمها، كما عرفتم أن ذلك السواد، كالحجر الأسود، على الكعبة المشرفة، كما قال الامام (فزت ورب الكعبة)، لا يجب ان تحير العقول وتجهد الانفس! فالحسين مخلدا ناصراً مستنصراً.
خلال تلك المسيرة، من اول خطوة اعد لها المتطوع الحسيني، سيرا بأقدامهِ الشريفة، الى تلك الملحمة الحية، وهي تدس الأرضية، بخطواتهم المقدسة، فقد نادت؛ السلام على الحسين(ع) وعلى اهل بيتهِ، وعلى اصحابهِ، وعلى كل من زارهُ، وهي تحمل السلام معهم ارضٍ وسماءً، للمخلد العظيم.
رأينا في تلك المسيرة، صورة الإسلام الحقيقي، بحقوقهِ، وشروطه، وشعائره، مكرما لم تنجسه الجاهلية، مثل داعش ومن معهم، المدعين باسم الإسلام، فلا أجد الإسلام ونصرتهِ، الا مع الحسين، وهي تحمل الروح الإنسانية، والروح الوطنية، التي شملت صفات العقيدة، التي أوصى بها الرسول الأعظم (عليه الصلاة السلام)، فرأينا كيف ترف القلوب فرحاً، وفاجعة تلهب الروح النضالية، فهم أصبحوا عثرة لأعداه، وجعلوا امامهم، الفشل والخذلان.
اذ هناك أسمى ما مثلتهُ، الروح الإنسانية، من جانب أخلاقي، هما “الجيش البطل، والحشد الشعبي”، وباقي المكونات الشريفة، حيث اعدُ ما كان واجباً عليهم، استندوا الى أساليب بعفوية، كتحشيد مع الجماهير الزائرين، بممارساتهم وحضورهم، بالانتماء لخط الحسين، وهم يصنعون المواكب، ويطلقون الخدمات، من طعام وشراب، وجدناهم يزيلان التعب، من تحت الأقدام، ويوزعون البسمة بشفاههم، كي نقرأ عليهم، الأمان متواجد!
حتى رأيناهم يشاركون في خدمات النظافة، فقد يعتبرونها اخلاقيات من معطيات الثورة الحسينية، فضلا عن ذلك، قدموا الأمان والتضحية، الى الزائرين، حتى أصبحوا بديلا وعوضا عنهم، كشهادة، بعد أن تعرض الزائرين، لإطلاقات الصواريخ والمعدات المعدة لهم، للنيل منهم وفشل تلك المسيرة، ما وجدنا من الجيش الباسل، صنيعة في أي مكان وزمان، فهم راضين مقتنعين، من أنفسهم، ورضا البارئ عنهم، فانهم واجهٌ صعوبات، لم ترضى عنها الخلائق اجمعين، بحجة التخلص منهم، وفتح الطريق للدواعش الضالين.
كما رأينا من اهداف وشرائع الإسلام، في المسيرة الحسينية، جانب مهم حيث أوصى بها الإسلام، من بعد عصور جاهلية مرت بها، وهي “احترام المتواصل المرأة المسلمة” الذي لم يعد نراه في ايامانا هذه، حيث مرت تلك المرأة، بتمرد شديد، وفجور من الضالين المدعين باسم الإسلام، استخدموا العنف عليها، وبيعها في الرق والأسواق، كما في زمن الجاهلية.
ثورة الحسين(ع) أعطت دروسا أخلاقيا عظيما، فقد طبقت تلك الاخلاقيات، وجعلت المرء المنصف، يتوقف عندها ويتأمل فيها، كما المواقف التي مروا بها أصحاب الحسين، التي شملت الرفق والشفقة والإنسانية، درساً عملياً، تراها بعين القلب وكأنما إمام القائم متواجد من بينهم، مجسدا بالحيوية والحياة معهم، وهم يرونه مما أثر تأثيرا بالغاً على الانفس، ويصقلها صقلا أخلاقيا جميلاً، حتى أن تعلمت تلك الانفس المساواة والتواضع.