من آخر نقطة حدودية نائية وأبعدها عند رأس البيشة المحاذية للمياه الإقليمية العراقية المطلة على الخليج العربي توافدت طلائع العشق والإنتماء الحسيني من جنسيات متعددة عراقية وعربية وأجنبية الموالية والمحبة لمذهب أهل البيت عليهم السلام والعاشقة لإمام الحرية وملهم الإنسانية ورافع راية الحق والصوت العاصف ومزلزل عروش الطواغيت ومحطم عنجهية الطغيان ومحامي المستضعفين وناصر الدين الإمام الحسين عليه السلام ، وضعت هذه الجموع رحالها في قضاء الفاو جنوب العراق وتهيأت نفسيآ وجسديآ وروحيآ للإنطلاق سيرآ على الأقدام نحو كعبة المجد والخلود ومنار الأحرار وروضة الجنان ، نحو المرقد المقدس لأبا الشهداء الإمام الحسين عليه السلام لإحياء ذكرى مرور أربعين يومآ على مصرعه وشهادته ، ولتجديد العهد مع أول زيارة لضريحه المخلد من قبل الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله ( ص ) عند لقاءه مع أهل بيت العصمة المحمدية القادمين من رحلة السبي عند مرقد الإمام الحسين ( ع) ليقيموا معآ اول مجلس عزاء للمصيبة الكبرى .
مع بزوغ الفجر وإطلالة نور الصباح ربطت الأحزمة وتناغمت الأدعية والإبتهالات وصدحت الحناجر بالهتافات ورفعت الرايات إيذانآ بالإنطلاق وبداية المسير لهذه الطلائع نحو كربلاء المقدسة مرورآ بالعديد من القصبات والقرى والنواحي والأقضية والمدن والمحافظات العراقية في الجنوب والوسط والفرات الأوسط فتلتحق معها جموع وأفراد وقوافل وهيئات ومواكب حسينية وعشائر ليصبح مسيرها كأنه طوفان وسيل بشري جارف يجمعهم حب وولاء وإنتماء وعشق الى حد تحدي كل الصعاب من أجل الوصول الى تلك البقعة المقدسة التي هوى فيها صريعآ أبا الشهداء ( ع ) . التحدي على كافة الأصعدة ومن جميع النواحي مهما إختلفت وتباينت تلك التحديات النفسية والخارجية البشرية والتضاريس الطبيعية كون هذه الأنفس مع خلوص مسيرها ومع خطواتها المتتابعة والمستمرة تخلق قوة باطنية وإرادة صلبة وعزيمة لاتلين وشجاعة منقطعة النظير وكلما كانت التحديات والصعاب أكثر كلما زادت وكبرت وتصلبت عزيمة السائرين ( المشاية ـ كما يطلق عليهم ) فلا يهابون أي شيء ، إبتداءآ من الأجواء الممطرة والرياح العاتية والعواصف الرعدية والبرد القارص أو الرطوبة العالية وحرارة الجو ولهيب الشمس ، هذا من جهة ومن جهة أخرى تحديات الإرهاب وما يمر به العراق من زعزعة للإستقرار وإنفلات أمني واضح ومتكرر وسقوط العديد من الضحايا نتيجة التفجيرات للعبوات والأحزمة الناسفة و الهاونات على جحافل السائرين الى كربلاء المقدسة ، ولسوء تقديرات هذه الزمر الإرهابية البائسة وضحالة تفكيرها ودناءة أفعالها لاتعي أو تفهم أو تتبصر بما تقترفه من إجرام بحق هؤلاء السائرين فهي تهدف الى منعهم وإخافتهم وإرعابهم وقتلهم للحيلولة دون إكمال مسيرهم ولكنهم لايفقهون أن مثل هذه الأفعال ماهي إلا وهم يتوهمونه وسراب يتخيلونه ونقص يتفكرونه وأمنية لايدركونها وأن هذه الأعمال لاتهبط من عزيمة هؤلاء بل تزيدهم إصرارآ وقوة وشجاعة لمواجهة الموت والتضحية بل يعتبرونها تحدي وإنتصار لهم حتى لو دفعوا أرواحهم في سبيل إحياء هذه الشعيرة المقدسة ، وما جرى أبان حكم الطغاة خير دليل على ذلك فمع مامارسته قوى الظلالة من منع وقمع وترهيب وتنكيل وإعتقال وسجن وصولآ لإعدام كل من تسول له نفسه تحدي السلطة البعثية والسير مشيآ على الأقدام للزيارة الأربعينية لأبا الأحرار الإمام الحسين ( ع ) ، إلا أن جميع هذه الأساليب والإجراءات لم تحول المحبين والعاشقين والموالين من السير والوصول الى كربلاء المقدسة رغم كل الأخطار والصعوبات متخذين الطرق الوعرة والوديان والصحاري والقفار والأراضي الزراعية والبساتين والأنهر وسائل وملاذآ ولا تتوقف خطواتهم إلا بحط الرحال في باحة مرقد الإمام الحسين عليه السلام ..
وهاهية الوقائع والشواهد حاضرة اليوم لتدون المسيرة المليونية المتجددة في كل عام ..