ما جرى من أحداث بعد استشهاد النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله, كان انعطافه تاريخية بشعة, وتحول مفصلي, جرى فيه الالتفاف على المبادئ السماوية الحقة, وحدث انقلاب فعلي في مسير الأمة الإسلامية الفتية.
الإمامة وقيادة الأمة, هي منصب إلهي, له ما للنبوة وعليه ما عليها, لذا فاختيار من يشغل هذا المنصب هو من اختصاص الباري عز وجل, وقد أكده النبي محمد صلى الله عليه وآله في يوم الغدير في حجة الوداع, حينما رفع كف الإمام علي عليه السلام وقال “من كنت مولاه فهذا علي مولاه, أللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه, وانصر من نصره وأخذل من خذله” وجاءه القوم وقال قائلهم “بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”.
لكن الأمة التي قالت بخ بخ لك, عادت واجتمعت في السقيفة, وانقلبت على أمر الإله ووصية النبي صلى الله وعليه وآله.
كان هاجس الانقلابين هو السيطرة على الأصوات التي لا يمكن اسكاتها, والذين هم اهل الحق, فكان تفكيرهم ينصب على اتخاذ التدابير لقمع ال بيت النبي صلى الله عليه واله, وهم اصحاب الحق الشرعيين, لذا بدأوا يخططون للفتك بالأسرة الكريمة من ال ابي طالب.
نفذوا هجومهم الغادر على بيت الزهراء عليها السلام, ففي هذه الدار كان جناحا النبوة والإمامة, فوجود علي
والزهراء وابنيهما عليهم السلام, يمثل خطر محدق بالانقلابين, فاقتحموا الدار وما راعوا للنبي حرمة, عصروا بضعة المصطفى بين الحائط والباب, ونبت المسمار في صدرها, واسقط جنينها, ولطمها اللعين بكعب رمحه, واجتازوها ليقتادوا الوصي عليه السام مكتوفا الى المسجد.
خرجت الزهراء عليها السلام -مع ما بها من الم ولوعة المصاب- خلف القوم, وهي تنادي “خلوا ابن عمي والا كشفت للدعاء رأسي” ودخلت المسجد, وافحمت القوم بحججها, وبينت للناس انحرافهم, ودعتهم الى العودة لرشدهم, فالحق لمن نصبهم الله بوحيه, لا لمن اجتمعوا في السقيفة.
فاطمة سلام الله عليها خرجت للإصلاح, وتعديل الاعوجاج في بنية الامة, وللدفاع عن امام زمانها, فلم تكن من طلّاب زخارف الدنيا, أو المناصب الدنيوية, أرادت أن تفضح الانقلابين, وأن تكشف زيفهم, لكنها لاقت الصدود ممن يدعون انتسابهم للإسلام بالاسم, فعادت الى دارها حزينة مكسورة الجناح, مسلوبة الحق, تأن من الآلام التي لحقتها من أفعال الخائنين.
بقيت سيدتنا سلام الله عليها طريحة الفراش, تندب أباها في كل حين, إلى أن فاضت روحها الطاهرة, وهي صابرة محتسبة, فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية, ورزقنا الله معرفتها وشفاعتها في الدنيا والآخرة.