لا تمثل السيدة الزهراء عليها السلام, ابنة النبي الوحيدة فقط، إنما تمثل إضافة لذلك, إنها أحد أقطاب الرسالة الإسلامية وقادتها.
شكلت عائلة الزهراء عليها السلام, قطب الرحى, في تبيان الدين, ونشره وحمايته، فما إستقام الدين إلا بسيف زوجها, علي إبن أبي طالب عليه السلام, والذي قال في حقه الرسول الخاتم صلوات الله عليه في يوم الخندق, لما برز لعمر بن ود العامري قال “برز اﻹيمان كله إلى الشرك كله” ولعمري ما أعظم هذه الكلمة, ودلالاتها في إثبات الحقيقة, التي دارت عليها الرسالة المحمدية, وهي إن اﻹسلام تجسد قولا وفعلا في علي عليه السلام، وكذلك كان ولديها الحسنين عليهما السلام, الذين قال في حقهما جدهما “الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا” وهذا دليل آخر, على إن الرسالة لا يقوم بها إلا علي وأبناءه عليهم السلام.
أفرد الرسول اﻷكرم محمد صلى الله عليه وآله, فصولا مهمة من حياته, لتبيان جلالة وعظمة ومنزلة الزهراء عليها السلام, بعنوانها حاملة رسالة, لا إبنة فقط، وقد بين ذلك قولا وفعلا, فهو القائل “فاطمة بضعة مني, من آذاها فقد آذاني” وعلى صعيد الممارسة العملية, كان كلما جاء إلى بيت فاطمة, يطرق الباب ويقول: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرها” فتقول عليها السلام فاطمة “أبه البيت بيتك والحرة إبنتك”.
هذا السلوك والتعظيم, وبيان أحقية فاطمة وزوجها وإبنيهما عليهم السلام أجمعين, لم يراعيه من يسمون أنفسهم اصحاب النبي، فما إن فراقت روح النبي صلوات ربي عليه الدنيا, إلا وإنعقدت نية القوم على الغدر بالزهراء, وبنيها وبعلها.
إنعقدت السقيفة, وتم تنصيب الخليفة الأول, وبايع المسلمين -خوفا وطمعا- أبا بكرا، وبقي أمير المؤمنين علي عليه السلام, وسبعة من اصحابه لم يبايعوا.
عدم مبايعة الوصي الشرعي لأبي بكر, سبب حرجا في الموقف, لِمَن أدعوا بأحقيتهم بخلافة النبي, لذا قرر الإنقلابيون أخذ البيعة عنوة من علي عليه السلام, فخططوا للهجوم على دارهِ, وفعلا هجموا بأبشع صورة, وأكبر نكران لفضل النبي الأكرم صلوات ربي عليه, وإقتحموا دار الوصي, وعصروا الزهراء سلام الله عليها, خلف الباب, وأنبتوا المسمار في صدرها, وأسقطوا جنينها, ثم إقتادوا الأمير عليه السلام مكتوفا إلى المسجد.
هنا يطرح بعض الحداثويين, ودعاة الوحدة المزيفة, وبعض المرجفين, سؤالا غريبا, ينم عن عنجهية قبلية, وعدم دراية, وإطلاع على سلوك المعصومين عليهم السلام, يتسائل هؤلاء ويقولون: هل من المعقول, إن علي عليه السلام الغيور, يسمح لزوجته أن تفتح الباب, وهو موجود, ثم كيف يسمح -وهو البطل الضيغم- أن تضرب زوجته أمامه, وهو ساكت؟!.
الإجابة عن هذا السؤال, لا تحتاج إلى تعب, وتفكير طويل, فمن خلال متابعة وقراءة, واقع بيت أمير المؤمنين عليه السلام سيتضح الأمر دون عناء.
لبيت الأمير عليه السلام, كما تذكر الروايات بابان, أحدهما مفتوح على المسجد, والآخر من الجهة الخلفية القريبة من دور أهل المدينة, وكان المعتاد إن رجال المسلمين, إن أرادوا علي عليه السلام يأتون من باب المسجد, أما النسوة فكنَّ يأتينَ من الباب الخلفي, وهذا الأمر تنبه له الإنقلابيون, بقيادة عمر بن الخطاب, وداروا من باب النساء, وحينما وصلوا وطرقوا الباب, وكان المعتاد أن تفتح الزهراء الباب, ولما أحست بهم وبمكرهم, منعتهم من الدخول, فما كان منهم إلا أن يدخلوا عنوة, ولاذت الزهراء عليها السلام خلف الباب, فكان ما كان من كسر الضلع, وإسقاط الجنين, ثم إقتادوا الأمير عليه السلام –المقيد أصلا بوصية النبي صلوات ربي عليه- وخرجوا من الباب الآخر, المطل على المسجد.
رغم ما ألم بالزهراء عليها السلام من آلام, مضافة إلى فقد أبيها, إلا إنها إستجمعت قواها, حينما سمعت بإقتياد الأمير, وذهب خلف القوم لتدافع عن الوصي الشرعي, المُنَصَّبُ بأمر الإله, والذي أكد عليه النبي صلوات ربي عليه في يوم الغدير.
ذهبت سلام الله عليها, وإحتجت على القوم بحقها, وبينت فضائل المصطفى أبيها عليه السلام, وأحقية بعلها بالأمر, لكنها لم تلقَ غير الصدود والنكران, من الجماعة المنحرفة, بزعامة إبن أبي قحافة.
لم يكن خروج الزهراء عليها السلام, وهي المخدرة, ودفاعها عن زوجها, بدافع المرأة التي تدافع عن زوجها, بل بدافع العارفة ذات البصيرة, التي تعلم إنها تدافع عن إمام زمانها, المُنَصَّب بالوحي اﻹلهي, وهذا ما يفسره قولها لسلمان الفارسي رضوان الله عليه, حينما طلب منه اﻷمير أن يُرْجِعَ فاطمة, فقالت له: ” يا عم يا سلمان غصبوا حقي صبرت, أسقطوا جنيني صبرت, والآن يريدون أن ييتموا أولادي, فوالله لن أرجع حتى يرجع معي إبن عمي”.
إصرار الزهراء عليها السلام -وهي العالمة غير المعلمة- نابع من بصيرتها وعلمها, إنها تدافع عن صاحب الحق في أمر الخلافة, وهي تعلم تماما إن المنحرفين, إذا ما إنفردوا بعلي عليه السلام سيقتلونه, لأنه لن يبايع, ولن يعطي شرعية للإنقالبيين, وبمقتل علي ستنتهي الرسالة الإسلامية, فهو كما قلنا مقدما, يمثل الإيمان كله, كما قال المصطفى صلوات ربي عليه عنه يوم الخندق.