(لن أراك بعد اليوم ،نحن لا نستطيع أن نستمر لا بد أن نفترق ،هذه شراكة خاسرة لا يمكننا الاتفاق بعد اليوم ،فليذهب كل منا بطريقه ،أذن فهي الحرب ، لا فرصة للحوار مطلقا) ،أنها أختام فاقعة الألوان ،أينما يتم استعمالها تعني أننا على نهاية الطرقات والأبواب المغلقة.
هناك علاقة عكسية بين صعوبة الزمان وبين سعة خيارات أهله ،فهو الأصعب على من لا يملك خياراته المناسبة.
انطلاقا من هاتين المقاربتين : هل أن العراق الجديد في الزمن الصعب ؟وهل أن لغة النهايات آن أوانها ،ولم يعد ما يقال لحديث ما قبل النهايات؟
ركاب سفينة العراق الجديد يمكن تصنيفهم إلى مجموعات متعددة بحسب علاقاتهم بتلك السفينة ومسؤوليتهم الذاتية والموضوعية عن وصولها إلى شاطئ الأمان والسلامة .فالصنف الأول :من يعدون أنفسهم ربان تلك السفينة الشرعيين ، (والشرعية عندهم تعني حق القيادة المستمد من الأغلبية العددية ) ،والثاني :من يعدون أنفسهم عابري سبيل على سفينة تمثل فرصة للوصول إلى أهدافهم ،والصنف الثالث :زمرة لا تفرق في أي سفينة ركبت ،وإلى أي جهة أبحرت ،يتساوى لديهم الإبطاء والإسراع ،والوصول والضلال ،وبحسبهم ليس لديهم ما يخسروه أو يقلقون عليه ،أما الصنف الرابع :المتورطون برحلة تصوروا أنها قصيرة ،زهيدة الكلفة ،حسنة الثمار والمعطيات ،وصنف خامس :محشورون قهرا لا يحبون الإبحار في هذه السفينة ولا يستطيعون البقاء على الشاطئ ،ولا تقبلهم سفن أخرى ،أما الصنف الأخير : فهم أعداء هذه السفينة وركابها بكل أصنافهم ،يجدون من الضروري أن يكونوا قريبين من ساحة الحدث لكي يعيبوا ويخربوا ما يمكن أن تصل له أيديهم ،وهم يعتمدون على سماسرة البحر الذين يلوحون لهم بأيدي ملطخة بالعداوة والشر : أن تعالوا حينما تخربونها ،فنحن كفلاء وصولكم إلى بر الأمان مع كل ما تحملونه من الغنيمة .
السؤال الأكثر حساسية والذي يحتاج إلى شجاعة كبيرة : مع وعي هذه الحقيقة المريرة لسفينة عاث الزمان بجسدها كثيرا ،وعطب قسما من اجزائها ،وتحالف البحر والشاطئ وكثير من راكبي البحر على إغراقها ،هل نتوقع نجاة وسلامة وصول لسفينة العراق الجديد ؟
يمكن مقاربة إجابة هذا السؤال المصيري ،من خلال العودة إلى مدخل هذا الحديث ، فهل أن حديث النهايات هو خطاب كل الأصناف الراكبة في سفينة العراق الجديد ، أم أن بعض الأصناف منذ الوهلة الأولى هم مهيئون لحديث النهايات ؟وبتفحص المجموعات الستة ومدى صلتهم بحديث النهايات ،هل يمكننا القول بأن العراق الجديد :في الزمن الصعب؟
الخوف من الموت أكثر مرارة من الموت ،والعيش بسدور وبلاهة بعيدا عن وعي الأخطار لا يمكن تسميته قبولا بواقع الحال ، والاستبصار بعبارة :” ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور ” هو سبيل النجاة ،والذي يعني الأمل والعمل .
هل أننا بحاجة إلى (نوح جديد) لنضمن سلامة الوصول في سفينة المختلفين ، أم أن انتظار بعثة جديدة آمال موهومة ،ونحتاج إلى صياغة سلام وأمان تضبط تقاطعات الأضداد على سفينة العراق من أجل عبور الزمن الصعب ؟
بحسب قواعد (نوح) للسلامة والأمان عند الإبحار في الزمن الصعب ،ينبغي أن يعمل (الفريق الأكثر التصاقا بالسفينة وحرصا عليها ) على ترسيخ حقيقة حقة لكل المختلفين ، أن يا أيها الجمع :النجاة خير يعم الجميع ،والغرق شر لن يستثني منا أحدا.وثانيا : لا بد من تشخيص الفريق الذي ركب رغبة منه في إغراق سفينة العراق الجديد ومحاولة التخلص منهم في عرض البحر لأن بقائهم خطر محتوم على الجميع .وثالثا : من الأفضل أن نطور قناعة الفريق الذي يشعر أن وجوده في سفينة العراق الجديد من باب أهون الشرين إلى صيغة جديدة ،بحيث يمكن أن تتحول اضطرارية هذا الخيار إلى رغبة واختيار من خلال الانتماء بصدق إلى سفينة العراق ،والشعور الواقعي بأنهم جزء أصيل من هويتها .أما الغافلون الذين لا يهمهم الوصول من عدمه ،ولن يستشعروا الخطر إلا إذا لا مس أرديتهم الماء ،فهم بحاجة إلى لغة تمزج بين الرقة والغلظة ،فمن جهة يحنى عليهم لكي يبصروا حقيقة وجودهم ،ومن جهة أخرى يزجرون لسدورهم وغفلتهم عن حالهم وواقعهم.
الانتهازيون لن يفيئوا إلى المبدئية مطلقا ،ودوائهم الناجع لغة المصالح والمنافع ،لذلك لا بد أن نؤمن أن طريق الانتفاع بوجودهم يمر عبر تقديم بعض المنافع إليهم ،مع الوعي أنهم ليسوا حلفاء في الطريق الطويل.
ربما يعترض البعض قائلا :من زمن طويل وأنت تكتب في الهم العراقي محاولا المساهمة في خلق حلول وخيارات تعبر بالعراق بعيدا عن الزمن الصعب ،وبلغة صريحة وواضحة تسمي فيها الاشياء بمسمياتها ،وتضع النقاط على الحروف ،وتوجه خطاب المسؤوليات صريحا وواضحا إلى أهله ،ومع ذلك قليل من يرعوي ،وكثير من يسمع بالأذن الطرشى ، فكيف الحال وأنت اليوم تستعمل لغة الرمز وتقارب الأشياء من بعيد ؟
وجوابه : بصدق وفي خضم هذا الصراخ من الموت والوجع والمصالح والعداء والقلق لا أجد ما يليق بالحديث إلا العبارات التي تحكي النواح بلغة المرهفين .
أرجو أن يدرك الجميع أننا في الزمن الصعب ، وأن حديث النهايات لا يخلف إلا الرماد.