بدايةً لست بصدد توجيه اللوم لأي جهة سياسية عراقية و لكني بصدد طرح تقييم للتوجهات السياسية بالإضافة الى طرح بعض الحلول المتواضعة للتحديات الامنية في العراق
اولاً: الاحتواء هو الحل
العملية السياسية في العراق تقوم على ” الاستفراد” بمعنى ان جهة واحدة
( ضمن مجموعة من الجهات) هي التي تقود البلد. هذا التوجه يخلق طرف سياسي قوي و لكنه محاط بالأعداء و الناقمين. و بمرور الوقت يبدأ الطرف الوحيد القوي بالترنح امام الاعداء كما لا يمكنه قيادة البلد لوحده! ويمكن النظر لموقف اسرائيل في هذا الاطار. فرغم انها أقوى دولة عسكرية في المنطقة إلا أنها سعت جاهدة لعقد معاهدات سلام مع كل الدول المحيطة بها. فالأردن مثلا لا يمكن ان تهدد اسرائيل عسكريا او امنيا و مع ذلك حرصت اسرائيل على عقد اتفاق سلام مع الاردن كي لا تبقى اسرائيل الطرف القوي المحاط بالأعداء من كل جانب.
ثانيا: تجنب خلق الأعداء
يعمل الطرف السياسي القوي على استهداف كل الاطراف المعايدة له : اعتقالات، تسقيط سياسي، تشويه السمعة……الخ. من ناحية الطرف القوي يستشعر خطر العزلة و خطر التآمر. بالمقابل الاطراف المعايدة تسعى للحصول على الامتيازات السياسية التي يتمتع بها الطرف القوي. لذا يبدأ الطرف القوي باسقاط اعداءه ليسعى الاعداء من جانبهم الى اعتماد كل الوسائل الممكنة لاسقاط الطرف السياسي القوي.
بدلا من خلق الاعداء لابد من خلق الحلفاء : اي طرف سياسي ( مهما كان قوياً) لابد له من حلفاء حتى يعيش.
من ناحية اخرى ابعاد الاعداء يعني عدم معرفة ما يدبرون و يخططون مما يسّهل اسقاط الطرف القوي الذي يعتمد على اجهزة امنية متواضعة و سلطة ضعيفة يسهل هزها و ارباكها. فالطرف القوي يعيش في جهل مطلق و لا يعرف ماذا يخطط الاعداء ضده.
الحل هو ايجاد الحد الادنى من الارضية المشتركة و العمل من خلال بدلا من خلق اعداء كثيرين لا يمكن لدولة واحدة –مهما كانت امكانياتها—مجابهتهم مجتمعين.
وهنا أذّكر بموقف المرحوم ” رفيق الحريري” فقد ورّث بلدا مزقته الحرب الاهلية بين الطوائف المتناحرة. فالحرب الاهلية اللبنانية و التي استمرت ثلاثة عشر عاما تركت لبنان يسبح في بركة دماء من اجل لا شيئ. لبنان بلد يعتمد على السياحة و التجارة كاساس للدخل القومي مما يعني ان الاقتصاد اللبناني عانى الامرين خلال الحرب. ولكن “رفيق الحريري” نجح بلم شمل الفرقاء حول ” القاسم المشترك الادني” تجنب حرب اهلية ثانية. كل الاطراف السياسية اللبنانية اشتركت في جرائم الحرب الاهلية و غاصت في دماء ” اللبنانيين من الطائفة الاخرى ” حتى الركب باعتبارهم اعداء الله و الوطن. و لكن “رفيق الحريري” نجح في لمّ شمل الفرقاء في برلمان سياسي فاعل و حكومة سياسية فاعلة. بل عمل “رفيق الحريري” على اعادة اعمار لبنان كمركز تجاري وسياحي. و أبسط زيارة لوسط بيروت قبل و بعد “رفيق الحريري” تثبت ذلك.
يبدو لي أنه في داخل كل سياسي عراقي اعجاب عميق بصدام –رغم كل التصريحات السياسية—باعتباره الطرف القوي الذي بث الرعب في قلوب الناس فحكم خمسة و ثلاثين عاما. ولكن الزمن لا يعود الى الوراء و الزمن الان ليس زمن صدام و ليس زمن القبضة الحديدية و الرجل القوي. الزمن الان هو زمن “رفيق الحريري”