في صبيحة هذا اليوم من عام ١٩٥٨ شاءت الأقدار أن يكون ضابط عراقي برتبة عميد ركن ويشغل منصب أمر لواء اسمه عبد الكريم قاسم قائدا لحركة تغيير مسار الحكم في العراق من الملكية إلى الحكم الجمهوري ودخل بغداد فاتحا لها بعد ساعات من دخول راس نفيضة قواته القائمة بالثورة ولاقت هذه القوات كل ترحاب ومساعدة ومناصرة من الشعب وطبقاته المسحوقة وعم البلاد يومها فرح هستيري وتصرفات غير منضبطة تمثلت بملاحقة الجماهير لاقطاب النظام الملكي وقتلهم وسحلهم في الشوارع وتوجت هذه الهستيريا بمجزرة ذبح العائلة المالكة على يد ضابط مصاب بلوثة في عقله ويحمل حقدا على النظام الملكي الذي قتل له اخوين في وقت سابق اسمه ( ستار العبوسي ) من سكنة منطقة ( باب الشيخ ) ولم يكن هذا الضابط من تنظيم الضباط الأحرار القائم بالثورة كما يسميها الاغلب او الانقلاب كما يسميه أيتام النظام الملكي وايتام نظام البعث بقيادة ( الشرقية ) كما لم يكلف بواجب في صفحة من صفحاتها وكان قدره ان يكون ( ضابط خفر ) في مدرسة المشاة داخل معسكر الوشاش القريب من القصر الملكي وتمكن من الوصول ومعه ثلة من الجنود وضابط اخر قبل وصول المكلفين بواجب الاستيلاء على القصر وقام بتصفية العائلة المالكة بيده وبسلاحه الشخصي ولما اخبر العقيد عبد السلام المكلف بالواجب نفى الرجل معرفته بالعبوسي وأكد على عدم كونه من المشاركين بالثورة او مكلف باي واجب فيها .. فلماذا يحمل عبد الكريم قاسم جريرة قتل العائلة المالكة وهو البعيد عن موقع الحادث وبتاكيد من الضابط المكلف بالواجب ان القاتل لم يكن جزء منهم بل لم يكن معرفا لديهم .؟ ان عبد الكريم قاسم الذي نقل العراق خلال أربعة سنوات وأشهر من حال مزري إلى حال أفضل واصدر القوانين وبنى خلال هذه المدة مرافق خدمية ومدن ومدارس ومؤسسات تفوق كل ما قام به الملوك بأضعاف المرات كان وطنيا شريفا نزيها زاهدا وعسكريا محترفا ولم يكن قاتلا سفاحا يحب إراقة الدماء على غرار من سبقوه او أتوا خلفه وكان شعاره ( عفا الله عما سلف ) وكان عراقي غير متحزب لجهة او طائفة او عنصر فأصبح مرمى لسهام المتحزبين والطائفيين والعنصريين والحاقدين وكل ذوي النوايا المغرضة ولو كان المتباكون على مقتل العائلة المالكة صادقين في نواياهم لماذا يغفلوا قضية مقتله سرا وبدون محاكمة وبسرعة رهيبة داخل الإذاعة بدلا من أن يكون في قاعة محكمة تتولى إصدار حكمها عليه وفق القوانين المرعية ؟
لقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم عراقيا خالصا لا يفرق بين العراقيين وعمل لمصلحة الجميع ولم يجني لنفسه أو لأهله شيئا من الحكم والسلطة وكان مختلفا بزهده وصبره وحبه للعراق فتكالب عليه الجميع ولم يستقروا حتى اردوه قتيلا مضرجا بدمه في يوم من شهر باركه الله سبحانه .
رحم الله الزعيم الذي كان مظلوم حيا وميتا .