23 ديسمبر، 2024 2:11 م

الزعيم الراحل والمقبور النائب

الزعيم الراحل والمقبور النائب

لاشك ان الحديث عن هذا الزعيم الرائد وانجازاته وما تميز به حتى وسم بزعيم الفقراء يحتاج الى مجلدات في جميع النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية واهمها الانجاز النفطي بل وحتى الاجتماعية والدينية ولكننا سنكتفي بشكل اثارات تعيد للذاكرة العراقية الوفية ماخسرته جراء فقدانها هذا الزعيم البِر الذي احبه ابناء شعبه حتى ان بعضهم لم يُرد ان يصدق قضية قتله فراح البسطاء منهم يصوّره وكانه موجود في وجه القمر وهذه ظاهرة عاشها العراقيون وقتها كما هو معلوم، محاولين ايفاء الزعيم الوطني البطل عبد الكريم قاسم شيئاً من واجبنا نحوه في ذكراه العطرة.

وقد كتبت قبل اكثر من عشرة اعوام مقالةً بعنوان ( الزعيم الذي طبعت صوره على الاطباق ) نشرت في جريدة الحياة وعدد من المواقع الاعلامية ذكرت فيها ايفاءً لهذا القائد المحب لشعبه قصة نزوله من سيارته مع مرافقيه لينتشل من الوحل عربة جاره تاجر الاطباق في الشورجه الذي كان لسبب معين ربما بدافع الحسد والغيره كون الزعيم كان من طبقة معدمة لاينسجم معه، وعندما انتبه التاجر الى وجود الزعيم صعق وقال سيدي كيف تترك عربتك التي غرزت هي الاخرى وتساعدني بيدك ؟، فاجابه قلب الاب الكبير ( ابني آني كل الناس تساعدني لكن انت بحاجة لمساعدتي ) وعلى اثرها طبعت الصور على الاطباق التي كان العراقيون يستانسون برؤية زعيمهم المحبوب عليها، ومَن يدري ربما تحفزهم لزيادة انفتاح الشهية بسبب اطمانانهم النفسي لوجوده.

ولم يكن ما حدث للزعيم من انقلاب اسود آنذاك بسبب انحداره من ام شيعية انما هي المؤامرة اليهودية على هذا البلد كي لايترك ليكون قوة كبرى تقف بوجه الصهاينه لما يمتلكه من امكانات، انا استطيع ان اؤكد ذلك والسبب بكل بساطة لعدم وجود هذا الدافع وهذه النزعة والشعور الطائفي آنذاك بل كان التزاوج بين ابناء المذاهب المختلفه والعلاقات الطبيعية على ارقى ما يكون، بل اكثر من هذا كنا لا نابه بهذا الامر واحياناً لايعلم الكثير منا ان كان زميله في المدرسة سنياً او مسيحياً او شيعياً او صابئياً .. فهذا لم يدر في الخلد.

لم تبدأ هذه السموم الا بعد ان بدأ ببثها ازلام العبث المقبور الذي دمر العراق بقتله قائده التاريخي النادر المحبوب وبدأ سلسلة الاجراءات التي اشبه ما تكون بسياسة فرق تسد بين موزائيك الشعب الواحد حيث عمد الى التمييز بين ابناء الشمال وخصوصاً التكارته منهم وتفضيلهم على الاخرين واصبح لاينعم بتقلد الرتب العسكرية في الجيش العراقي الا ابناء تلك المناطق لهذا نادراً ما نشاهد ضابطاً برتبة كبيرة ليس من الموصل. ونادراً ما تشاهد شيعياً يتقلد منصباً في الدولة وان كان كذلك فتراه لايقوى الا على الانصياع لاي سامرائي او حديثي او عاني .. الخ، وهذه حقيقة عايشها العراقيون لاينكرها الا احمق او محرف للتاريخ لمصلحة في نفسه .

واصبح ابناء الجنوب الذين يخدمون هذا الحزب عبارة عن خدم لسيدهم صدام الذي اتخذوه صنماً يعبدونه دون تردد وهو ما لاحظته يوماً على تصرفات المعتوه المسمى مزبان خضر عند زيارته لاحدى المستشفيات وكان بدرجة عضو فرع وقتها على ما اعتقد. وليس ادل على ذلك من الحوادث المهولة التي كان يفعلها ابناء الجنوب من فدائيي صدام باقرب الناس اليهم وما مقولة المقبور خيرالله طلفاح وهو يعلق على صد ابناء الجنوب من الجيش العراقي للهجوم الايراني ايام الحرب العراقية الايرانية ( كلاب تحارب كلاب ) الا ادل دليل على امتهانهم.

واصبحت الاوضاع لاتطاق عندما تسلم المقبور صدام زمام الامور الذي كان يعرف بلقب السيد النائب حتى اصبح العراق عبارة عن خربة لا عمار فيها غير التفكير بعمارة الحزب وكثرة الشعارات التي تشدد من العبودية لهذا التنظيم الدكتاتوري فمنها ( بعث تشيده الجماجم والدم .. تتهدم الدنيا ولايتهدم )، والشعار المشهور لارهاب الشعب

نفسياً ( للجدران آذان )، حتى وصلت الوقاحة بهم لاصدار بيان لم تسبقهم اليه اي دولة في التاريخ باعدام الدعاة متجاوزين بذلك كل الاعراف القانونية والانسانية والحضارية الدولية ضاربين عرض الحائط كل الاعتراضات على ذلك علناً.

ولنا ذكر قرينة واحدة ليتسنى لنا عمق النقلة السحيقة التي نقل العراق اليها حزب العبث، فقد قام مدير عام الموانيء المرحوم مزهر الشاوي ببناء منطقة تعد من احدث التصاميم لعمال الموانيء المسماة بالابلة آنذاك في بداية الستينات وهي لازالت شاخصة تدلل على نموذج اعمار الزعيم، وبهذا لنا ان نتصور كيف سيكون عليه العراق لو استمر الزعيم الى يومنا هذا بينما ترك صدام العراق بابواب مقفلة كسجن كبير لايقوى المواطن فيه حتى على رؤيا اي فضائية كانت ناهيك عن حزمة الاجراءات الاستخباراتية شبه المستحيلة التي يجابهها من يريد الخروج الى خارج القطر.

فلو كان جرم البعث فقط حرمان البلاد من هذا الزعيم المخلص لوجب على ابناء العراق الغيارى المخلصين اجتثاثه ومحاربته طول الدهر لكي لايُفسحوا اي مجال لعودة هكذا قتلة وحوش وليغسلوا عارهم التاريخي في السماح لهم قتل الزعيم وتسلمهم حكم البلاد فحقبة حزب العبث كانت تمثل نكست وعار في تاريخ العراق الحديث.

وعليه نحذر اليوم كل عراقي يحب بلده بان ازلام البعث يعملون من خلال اللوبي الصهيوني والخونة السياسيين من امثال حارث الهاري ومن لف لفهم بالتعاون مع الدواعش للعودة الى سدة الحكم، فهم لايتوانون عن ركوب اي موجة لتحقيق هذا الهدف والغاية تبرر الوسيلة لديهم في هذا المجال كما اوضحنا في اكثر من مقال وكما بيّن ذلك كاتبهم حسن العلوي في كتابه ( العراق دولة المنظمة السرية ) حيث اكد ان من اساسيات ستراتيجية حزب البعث هو ركوب الموجة الدينية وتلبسه بلباس الدين حينما تواجهه ضروف صعبة حتى يشتد عوده ويعود الى وضعه الطبيعي للعمل على اساس ادبيات حزب العبث.

ولكن بوسعنا ان نؤكد لهم هنا ان عودتهم لاسمح الله لاتكون الا على جماجم كل العراقيين الشرفاء بالتاكيد فلا مجال للركون لهؤلاء القتلة ابناء الشوارع ليعودوا بالعراق الى سالف عهده المظلم.

وهذا الموقف الحازم غير موجه ضد شخوص الذين انتموا الى هذا الحزب اللئيم طبعاً انما لافكاره الظلامية التي لاتتوانا في اعداد من ينتمي اليها لجعله من المفسدين في الارض بالتطبع ان لم يكن في طبعه، فهم لايتقبلون البعثي الا ان يكون لديه الاستعداد للاجرام اما بالطبع او التطبع.

وقد كان العراقيون يتندرون سراً باساليب البعث الغريبة عنهم، فمنها ما كان يتناقلونه على سبيل المثال لا الحصر، ان احد ازلام البعث وكان بدرجة نصير ولكنه يمتاز بخبثه وكأنه هو الذي اسس حزب البعث والعجيب ان هذه الحالة كانت داءً للكثير ممن انتموا لهذا الفكر المريض فتراهم ملكيون اكثر من الملك، كان هذا البعثي يتابع احد الشباب الذين كانوا يؤمون المساجد فيكتب عنه التقارير التي كان يرفعها لمسؤوله في الحلقات ويذكر فيها ان اخلاق هذا الشاب فاسده وانه يصلي ولم ينتمي لحزب البعث بعد .. الخ. وبعد مضايقات مسستمرة تغير هذا الشاب وترك الذهاب الى المساجد ووصل به الامر الى قبوله بالانتماء للحزب خوفاً وحمايةً لنفسه وعائلته وقد اثر على سلوكه من اصطحبوه من البعثيين بحيث اخذ يحتسي الخمرة عندها فما كان من ذلك النصير الذي كان يراقبه الا ان يكتب عنه تقريره الاخير قائلاً ان هذا الشاب “تحسنت اخلاقه”.

هذا ما لايطاق ولايمكن قبوله في العراق المنشود فكما انه (لا اكراه في الدين) كما نصت عليه الاية الكريمة فلا اكراه في حرية التعبير ومنهج وسلوكيات الناس ( فلاجبر ولا تفويض بل امر بين امرين ) او ان شئت فقل هو الحل الديمقراطي والحرية الفردية التي لا تعوض بغيرها ابداً.

لهذا فما يريده عراقنا الجريح هذا اليوم وهو يمر في اصعب مراحل تاريخه هو تواجد زعيم مخلص لايتسم الا بالوطنية والعدالة وحب الشعب كوالد يشعر بالابوبية اتجاههم وعلى خطى الزعيم بعيداً عن كل الوان الطائفية والمصالح الحزبية والمحاصصة ليعامل ابناء العراق على قدم المساوات ساحقاً كل الوان التفرقة بينهم ويعلن بكل صراحة ووضوح، لاسنية ولاشيعية ولامسيحية ولامندائية ولاكردية ولاعربية ولاتركمانية ولايزيدية ولا ولا … الخ من مسميات لاتكترث الا بمصالحها الضيقة ولا تضع مصلحة العراق الا في آخر قائمة اهدافها ان كان له وجود فيها ليكون التعامل على اساس انتماء واحد وواحد فقط لاغير وهو عراقية المواطن.

نساله تعالى توفيق المخلصين للاخذ بايديهم لتحقيق هذا الهدف السامي وما ذلك على الله ببعيد.