23 ديسمبر، 2024 5:31 ص

الزعامة الجديدة؛ هل تعيد التحالف الوطني لسابق عهده؟

الزعامة الجديدة؛ هل تعيد التحالف الوطني لسابق عهده؟

العملية السياسية العراقية، مابعد العام ألفين وثلاثة، كانت وما زالت، قائمة على أركان محددة من الكتل السياسية، كل منها منتمي لمكون من مكونات الشعب العراقي، كان دور هذه الكتل، في العملية الديمقراطية مختلف نسبياً فيما بينها، سواء بالسلب أو الإيجاب، أحد أهم هذه الأطراف، والذي يمثل العمود الفقري للعملية السياسية، هو التحالف الوطني العراقي.
يرتبط الوضع السياسي العراقي، بشكل مباشر بالتحالف الوطني، فهو ممثلاً عن المكون الشعبي الأكبر في البلاد، وهو صاحب العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، حدثت عدة ممارسات ديمقراطية خلال فترة التي أعقبت التغيير، هي التي أسست لبناء التجربة العراقية الجديدة، كالاستفتاء على الدستور، وإجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية لأول مرةً، كان حينها التحالف الوطني بمسماه القديم “الائتلاف الوطني الموحد” والذي يرأسه السيد الراحل عبد العزيز الحكيم.
حدث ضعف وتراجع في أداء التحالف الوطني، منذ اللحظة التي تولى فيها نوري المالكي، رئاسة الوزراء ورئاسة حزب الدعوة، ظَنَ المالكي أن السلطة (الحكومة) التي يرأسها، والعدد الأكبر الذي يملكه حزبه من مقاعد البرلمان، وبمجرد اتفاق مع طرف من الأطراف السياسية الأخرى، فإن هذا كفيل بتمرير أيّ مشروع، يراه هو أو حزبه مناسبا لآرائهم.
كان المالكي متوهماً في ظنه، إذ أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك، والشواهد متعددة، نأخذ منها شاهدين، الأول: عندما اتفقت الكتل السنية والكردية والصدريين، على الإطاحة بحكومته، وقد اجتمعوا في النجف واربيل، واتفقوا على التصويت في البرلمان لإقالته، ولم ينقصهم عندها سوى ثلاث أصوات أو أربعة، حينها كان المالكي، قاب قوسين أو أدنى من الإقالة.
الشاهد الثاني: مايدور الآن داخل مجلس النواب، من حراك سياسي، فمهما طال واستمر بعيداً عن حزبه وشخصه، فإنه بأي حال من الأحوال سيطاله هذا الحراك؛ لمسائلته على مسؤوليته عن الفساد المالي والإداري، وعن سبب دخول عصابات “داعش” للعراق بهذه الكيفية، وقد برز ضعف ائتلافه مؤخراً؛ حين تم رفض مرشحهم لوزارة التجارة، بينما تم الموافقة على الوزراء الآخرين، ولم تنفعهم كثرتهم وأغلبيتهم التي يدعونها.
الضعف الذي أصاب التحالف الوطني، أدى إلى ضعف في الحكومة، وبقية الكتل السياسية على حدٌ سواء، فلم يسلم السنة أو الكرد منه، فنرى الخلافات الكردية بدت واضحة، بل أدت إلى اشتباكات مسلحة فيما بينهم، واحتقان حزبي عام في الإقليم، أما السنة فقد تفرقوا، وصار بعض منهم تابع لأجندات خارجية، يأتمر بأمرها ويصرح برأيها.
تفرد حزب الدعوة في الحكومة؛ أدى لتهميش دور التحالف الوطني؛ وبالتالي التأثير على قرارات الحكومة، فكانت السلطة التنفيذية تدار من قبل طرف واحد في التحالف، مع عدم أخذ رأي بقية الأطراف، انعكس هذا التفرد بشكل سلبي على الأرض، فعندما شَهدت المدن الغربية المظاهرات، كان من الممكن السيطرة عليها في بدايتها سلمياً وتحجيمها، ومنع أيّ محاولة خارجية، لتغيير مسارها بشكل طائفي غير سلمي.
طرحت حينها مبادرة انبارنا الصامدة، من قبل السيد عمار الحكيم، إلا إنها رفضت، بسبب التفرد في اتخاذ القرارات، وتغييب دور التحالف الوطني، وهو الراعي للحكومة، فمن رفض المبادرة التي تتضمن مليار دولار كل عام، ولأربعة أعوام، راح يدفع عشرات المليارات، لحرب “داعش” إضافة لهذا الكم الهائل من شهداء أبناء الوطن، ولا ننسى حجم الدمار الذي حل بمدن كاملة، والتي يجب اعمارها مجدداً.
يُعد التفكك الذي شَهدته الكتل السياسية بصورة عامة، وغياب دور التحالف الوطني في الفترة الماضية؛ أحد أسباب الاحتقان الطائفي الذي شهده العراق؛ فمهد لمرحلة دخول المجموعات الإرهابية إلى العراق، واستمر هذا التوتر في العلاقات، فيما بين الكتل السياسية، حتى بعد احتلال “داعش” إذ كانت الموافق الداخلية مختلفة، من الحشد الشعبي والمجاهدين، حتى ألقت بضلالها على المحيط الإقليمي، ومنها تصريحات شيخ الأزهر بالضد من الحشد، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الإماراتي وغيرهم، فتشرذم الموقف الداخلي؛ أدى لتشرذم الموقف الخارجي أيضا.
بعد هذه الفترة من الغياب، يعود التحالف الوطني، لينتخب السيد عمار الحكيم زعيماً له، هنا يجب أن نقف، ونسأل هل هذا اختيار عفوي؟ نقول إن هذا الاختيار ليس عفوياً، فالسيد الحكيم هو الأقدر على تحمل هذه المسؤولية، ولأسباب عديدة قريبة من المنطق، منها نجاح والده الراحل السيد عبد العزيز الحكيم، في هذه المسؤولية، فقد كان التحالف خلال فترة ترأسه قوياً ومتماسكاً، وداعم للحكومة وموجها لها.
 يحضى السيد الحكيم، بمقبولية جميع مكونات العملية السياسية، فالعلاقة التاريخية بين الكرد والمجلس الأعلى الإسلامي، لايمكن نكرانها وهي تعود لتأريخ طويل، منذ تلك الفتوى الخالدة، لزعيم الطائفة السيد محسن الحكيم(قدس) والتي حرم فيها قتال الكرد، إضافة للتوافقات السياسية الكردية – الشيعية، والمصالح المشتركة بين الطرفين، أما المكون السني، فللسيد الحكيم مقبولية لدى جميع أطراف هذا المكون، وما يثبت ذلك الزيارات الأخيرة لوزير الدفاع، ورئيس البرلمان الذين قاما بزيارتين منفصلتين للسيد الحكيم، رغم شدة خلافاتهم فيما بينهم.
العلاقات الدولية لهذه الشخصية، مع دول الجوار والمنطقة ستساعد في دعم الحكومة العراقية، فلا أحد يستطيع إخفاء الدور الإقليمي على البلاد، فالعراق يؤثر ويتأثر بذلك، وهنا علاقة السيد مع إيران والكويت- التي زارها مؤخرا، وقد تم تأجيل دفع ديونها المفروضة على العراق-  وبقية دول المنطقة، يمكن استثمارها لإنجاح مشروع الحكومة، التي يرأسها التحالف الوطني. 
أيضاً رؤيته الواضحة، التي تدعوا للوحدة الوطنية، وهنا لابد من إعادة التذكير بمبادرة انبارنا الصامدة، والوقت الذي طرحت فيه، فبالرغم من التوتر الطائفي وقرب الانتخابات، إلا أن الحكيم لم يبخل في رؤيته الوطنية؛ في سبيل وحدة وتماسك هذه البلاد، وكذلك مبادرة الطاولة المستديرة، التي كانت مسعى لجلوس جميع مكونات الشعب على طاولة حوار واحدة؛ لتشكيل حكومة وطنية تمثل الجميع، فكل هذه المبادرات؛ كانت لأجل حفظ وحدة العراق.
أخيراً السيد الحكيم، يعد من أقرب القادة السياسيين، إلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وبذلك يمكن أن يأخذ برشدها وأوامرها؛ ليطرحها داخل التحالف، الذي هو أساس الحكومة، ويمكن أن يعيد وحدة التحالف الوطني، والتي بدورها ستعيد وحدة العراق، فكما أثر غياب التحالف على بقية الكتل بالسلب، فإن عودته وقوته ستعيد وتقوي، جميع التحالفات والكتل الأخرى، وبالتالي وحدة رؤى كل القوى السياسية، التي ربما بعد سنين من التشرذم، تعيد وحدة هذا الوطن.