زعمت وسائل الاعلام في الولايات المتحدة الامريكية ، ان واشنطن ومينسك تناقشان “صفقة كبرى” لتخفيف العقوبات ، وكالعادة تنسب مثل هكذا مفاجآت لمصادر مجهولة ، أو ترفض الكشف عن أسمها ، وغيرها من المبررات التي تضع مثل هكذا أخبار في خانة المشكوك فيها ، أو ” المفبركة والمضخمة ” في تفاصيلها ، حتى أن الإدارة الامريكية الجديدة ، تشتكي من وسائل الاعلام الامريكية ، ومنها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ( التي كشفت عن خبر الصفقة الجديدة مع بيلاروسيا ) ، لأنم لازالوا يحتفظون بولائهم للرئيس الأسبق جو بايدن ، وبالتالي تقوم بتحريف تصريحات المسئولين الأمريكيين الجدد ، بغرض تشويه والتقليل من شأن المساعي الأمريكية الجديدة ، وما يقوم به ترامب وفريقه ، ومحاولاتهم دق أسفين بين الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي ترامب.
ومن المعروف أن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر سميث زار بيلاروسيا مؤخرًا ، وعقد اجتماع شخصي مع رئيس البلاد ألكسندر لوكاشينكو ورئيس جهاز المخابرات السوفيتي (كي جي بي) في الجمهورية إيفان تيرتل ، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، ناقش الطرفان تبادل المواطنين الأميركيين المسجونين في بيلاروسيا مقابل تخفيف عدد من العقوبات ضد البلاد ، وزعمت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مصادر مجهولة في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة وبيلاروسيا قد تتوصلان إلى “اتفاق كبير” لتخفيف العقوبات من واشنطن.
واراد سميث من خلال رحلته الى مينسك ، رسائل للأوربيين ، الذين لطالما تحدثوا عن مرض لوكاشينكو وتدهور حالته الصحية ، وقال سميث أيضًا إنه خلال اجتماعه مع الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، لم يلاحظ “أي علامات تشير إلى تدهور الصحة ، وبدا واثقا من نفسه ويسيطر بشكل كامل على الوضع“ ، والرسالة الثانية تأكيد الهدف الأمريكي الأساس على الانفتاح على بيلاروسيا ، حيث يتركز الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو ضمان الحرية لمزيد من السجناء السياسيين ، وقال إنه سأل لوكاشينكو عما إذا كان مستعدًا لتخفيف القمع، وحصل على تأكيدات بأنه مستعد ، فوفقا لما ذكرت منظمة حقوق الإنسان البيلاروسية “فياسنا”، التي تعتبر منظمة متطرفة في الجمهورية، أن هناك 1226 سجينا سياسيا في بيلاروسيا ، والهدف الثالث لزيارة سميث ، هي دعوة الاوربيين الى السير خلف بلاده لتحقيق هدف آخر مهم ، يتمثل في منح لوكاشينكو بعض مساحة التنفس خارج فلك النفوذ الروسي.
وفي وقت سابق، أصبح معلوما عن زيارة كريستوفر سميث إلى مينسك، ( الذي أشاد بالنجاح في إتمام ما أسماه “عملية خاصة”، ووصف إطلاق سراح السجناء بأنه “انتصار كبير واستجابة لشعار الرئيس الأميركي دونالد ترامب “السلام من خلال القوة ) ، حيث التقى برئيس الجمهورية ألكسندر لوكاشينكو، وبعدها غادر إلى فيلنيوس مع المواطن الأمريكي واثنين من “السجينين السياسيين” البيلاروسيين المفرج عنهم في مينسك ، حيث كان هذا أول لقاء بين الرئيس البيلاروسي ، ومسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية منذ خمس سنوات، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، يمكن أن يكون بداية “تحسن كبير” في العلاقات بين البلدين.
وهنا نستذكر أنه خلال ولاية ترامب الأخيرة، تطورت العلاقات بين مينسك وواشنطن بسرعة كبيرة، لكن المشاكل كانت تنشأ في العلاقات بين مينسك وموسكو من وقت لآخر ، لكن كل شيء قد تغير بعد انتخابات عام 2020، عندما قطع الغرب كل العلاقات مع بيلاروسيا ، الأمر الذي جعل من مزيد من التكامل مع روسيا البديل الوحيد، بحسب العديد من الخبراء ، في الوقت نفسه، يعتقد العديد من الخبراء ، أن لوكاشينكو لن يتردد في تكرار مغازلاته للغرب إذا أعطى الغرب إشارة بأنه مستعد لذلك، يبدو أن ترامب لا يمانع على الإطلاق.
وهنا تبرز تساؤلات عديدة ، وعلى سبيل المثال ، وماذا بعد ذلك؟ هل تحاول الولايات المتحدة سرقة أقرب حلفاء روسيا مرة أخرى؟ أم أنه لم يعد من الممكن تكرار هذا النمط؟ وهل يمكن أن تكون هذه مجرد محاولة أخرى من جانب ترامب ، لتصوير إنجاز كبير في الشكل وليس في المضمون؟ ربما تكون صحيفة نيويورك تايمز تبالغ في وصف “الصفقة الكبرى”؟
بالطبع، قد يكون إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين جزءًا من نوع من الصفقة، لكننا لا نستبعد أيضًا إمكانية وجود اتصال بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وراء هذا الإفراج ، وهذا يعني وفقا للمراقبين أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تطلب من رئيس الاتحاد الروسي ، تقديم مساعدة فعالة في مسألة إطلاق سراح مواطنيها ، ويمكن تكرار هذه الممارسة.
بطبيعة الحال، لم يلغ أحد دور الفرد في السياسة ، ويقول عالم السياسة ورئيس مركز التعليم السياسي في “كرو” إيفان ميزيوخو ، ان دونالد ترامب سيتعامل مع بيلاروسيا وزعيمها بذكاء أكبر، وليس بحماقة، مثل جوزيف بايدن ، وقد يحاول ترامب أيضًا كسب لوكاشينكو إلى جانبه ، من أجل ممارسة بعض النفوذ على الرئيس بوتين من خلاله ،علاوة على ذلك، فقد جرت بالفعل محاولات مماثلة خلال الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب ، فقد زار وزيره للخارجية مايك بومبيو إلى بيلاروسيا في عام 2020 ، على عكس بايدن الذي لم يتواصل مع ألكسندر لوكاشينكو ، بسبب دعمه للمعارضة البيلاروسية الخارجية بقيادة سفيتلانا تيخانوفسكايا.
اذن ماذا عن “الصفقة الكبرى”؟ هل هي كلمات كبيرة وجميلة، أم ينبغي لنا أن نتوقع شيئًا جذريًا حقًا؟ ، والأرجح أنهم يحاولون بيع هذه التركيبة إلى جمهورية بيلاروسيا ، لأن تخفيف العقوبات ضد بيلاروسيا ليس الحدث الأكثر أهمية بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ، وإن الأمر يتعلق بالمساومة السياسية والاقتصادية من جانب الولايات المتحدة ، ولا يوجد شيء جديد في هذا ، ومن المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، ممثلة بدونالد ترامب، أن تظهر للأميركيين النتائج الإيجابية لعمله هنا والآن ، فمن الأسهل بكثير تحرير السجناء من حل الأزمة الأوكرانية أو الشرق الأوسط.
وهل يعني التقارب بين بيلاروسيا والولايات المتحدة ابتعادها عن روسيا؟ فهل كان التقارب الذي حدث في السنوات الأخيرة نتيجة واضحة لعدم وجود أي بديل أمام مينسك؟ ، وبناءً على الوضع الحالي، فإن التقارب المحتمل بين بيلاروسيا والولايات المتحدة ، لن يعني ابتعاد مينسك عن موسكو ، وفي السنوات الأخيرة، ارتفع مستوى عمليات التكامل داخل الدولة الاتحادية بشكل كبير ، ومن الواضح أن العقوبات المفروضة على بيلاروسيا لن يتم رفعها ، لكننا نتحدث عن رفع العقوبات من الجانب الأمريكي، وليس من الجانب الأوروبي ، فقد كانت بيلاروسيا ولا تزال في شبه حصار من قبل جيرانها ، وإن الجار الوحيد الذي يدعم بيلاروسيا، ليس فقط بالأقوال ولكن بالأفعال، هو الاتحاد الروسي ، لا يمكنالابتعاد عن بعضهما البعض ، وهذه الحقيقة الجيوسياسية.
فاليوم، تتواجد الأسلحة النووية التكتيكية التابعة للاتحاد الروسي ، على أراضي جمهورية بيلاروسيا ، وتم الإعلان عن تسليم “أوريشنيك” ،وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الشركات البيلاروسية أكثر ارتباطا بالسوق الروسية ، ولديهما الآن العديد من الخيوط الإضافية التي تربط بينهما ، ولذلك، لن يتمكن ترامب من كسب لوكاشينكو إلى جانبه ، ومن المحتمل أن لوكاشينكو، باعتباره سياسيًا متمرسًا، يفهم أن الولايات المتحدة اليوم صديقة له، لكنها لن تكون كذلك غدًا ، فروسيا من وجهة نظر لوكاشينكو ، حليف مخلص وموثوق، تم اختباره عبر الزمن والتجارب.
ومع صعود ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، نشأ اتجاه نحو الحوار مع روسيا وبيلاروسيا ، و من المهم وكما يقول دميتري ييغوف، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، فهم أن الرئيس الأميركي يفكر من منظور “الصفقة” عند بناء العلاقات بين الدول ، وفي الواقع، يشير هذا إلى محاولة التوصل إلى حل وسط فيما يتصل بالمصالح المتبادلة ، وفي الوقت نفسه، لا ينبغي لروسيا أن تستسلم للنشوة وتنظر إلى الولايات المتحدة صاحبة “النوايا الحسن ” ، فهي لن تتجاهل مصالحها.
ويثير خطاب نائب الرئيس الأمريكي فانس في ميونيخ، الذي أظهر رفض الولايات المتحدة للنظام الذي تأسس في أوروبا القديمة، نقاشاً واسع النطاق ، ومن الممكن أن يكون الهدف من “الصفقة” مع بيلاروسيا هو إظهار التناقض مع أوروبا ، ولكن هناك جانب آخر للقضية، وهو أن الولايات المتحدة عازمة على تدمير التحالف بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.
ومن الناحية النظرية، قد يكون الهدف هو إثارة الخلاف في العلاقات مع بيلاروسيا ، ولكن الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، أظهرت منذ فترة طويلة طبيعته الحقيقية، الأمر الذي جعل مشكلة إظهار المزيد من الحذر في تطوير التكتيكات في العلاقات معهم تصبح ذات أهمية ، ومن ناحية أخرى ، من الممكن أن تتجه بيلاروسيا نحو الغرب بسبب استخدام التأثير التكنولوجي الخارجي، ولكن من الواضح أن هذا لن يحدث إلا بعد نهاية ولاية لوكاشينكو الرئاسية ، ومع ذلك، بعد انتهائها (إن لم يكن قبل ذلك الوقت)، فإن ترتيب مراكز النفوذ على الخريطة السياسية للعالم قد يتغير بشكل كبير للغاية.
الرئيس البيلاروسي وكعادته ، يحاول الإجابة على الأسئلة التي تطرح بعد أي خطوة تقوم بلاده فيها ، حتى يسقط جميع التأويلات والفرضيات تجاهه ، وأكد أن مينسك مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة، شريطة احترام مصالحها ، وبحسب لوكاشينكو، فإن الأولوية للجمهورية الآن هي التجارة في الاتجاه الشرقي، ( وهو ما تفعله روسيا أيضا ) لكنه أضاف أن البلاد “لا تبتعد تماما” عن الغرب ، وهو القائل أيضا قي مناسبات عديدة ، إن العلاقات بين البلدين أصبحت الآن أقوى،و ” إنه ( أي لوكاشينكو ) وبوتين يثقان ببعضهما البعض ولا يواجهان أي صعوبات تقريبا في أي المفاوضات ، وأنه يقدر بشدة فلاديمير بوتين كصديق موثوق به لبيلاروسيا ، وداعم ثابت لتوسيع عمليات التكامل على طول خط الدولة الاتحادية، والتي تتوافق تمامًا مع نوايا الشعبين الشقيقين لبناء مستقبل جدير من خلال الجهود المشتركة”