الزبون دائما على حق

الزبون دائما على حق

منذ ان ولدت هذه الجملة القائلة: “الزبون دائما على حق”، وهي تتنقل بين المحلات والأسواق كأنها دستور غير مكتوب، اشبه بقانون لا ينقض ولا يجوز الاعتراض عليه.
ولكن الحقيقة ان هذا الشعار – الذي يبدو بريئا ولطيفا – يتحول احيانا الى سوط يجلد به الزبون البائع، او الى جواز سفر مجاني لعبور حدود الالتزام بالاخلاق.
فالزبون الذي يدخل المحل التجاري صار يدخل كما لو انه فاتح قسطنطينية، يضع يده في جيبه بثقة ويقول للبائع: “عندي الحق… كل الحق… والحق يعلو ولا يعلو عليه.”
ثم يبدأ سلسلة المطالب: يريد تخفيضا يشبه الهبة، ويطلب المنتج وكأنه قطعة اثرية تخص جده، وان تأخرت الخدمة دقيقة واحدة اعلن ان هذا اخلال بالالتزام والبيع.
والبائع المسكين يقف امامه مبتسما، متذكرا ذلك الشعار المعلق على الحائط: “الزبون دائما على حق.”
فيبتسم ابتسامة مصطنعة، ويهز راسه كما لو كان راهبا امام ايقونة مقدسة، بينما داخله يصرخ: “يا رب… انقذني من هذا الحق!”
والاكثر اثارة للسخرية ان الزبون لا يكتفي بالحق، بل يتفرع به الى درجات جديدة:
الحق في الشكوى حتى لو لم يشتر شيئاً،
الحق في التجربة ثم الارجاع بعد اسبوع “لان اللون لم يعجب زوج خالته”،
الحق في التذمر من الاسعار وكأن البائع هو من رتبها، لا من اضاف مبلغا بسيطا كفائدة ضمن حدود المعقول.
ولو حاول البائع ان يشرح بهدوء ان بعض الامور خارجة عن ارادته، يرد الزبون بحزم: “لا، انت لا تفهم… الزبون دائما على حق!”
وهنا تنقلب العبارة من شعار خدمة الى تشابك ابدي.
الحقيقة ان الزبون ليس دائما على حق، لكنه دائما زبون.
والبائع ليس دائما مخطئاً، لكنه دائما الحلقة الاضعف.
وبين هذا وذاك، يظل الشعار قائما، معلقا على جدار المتاجر، يلمع بالذهب كابتسامة اجبارية تخفي خلفها دموعا مكبوتة.
ربما آن الاوان لتطوير الشعار قليلا:
الزبون غالبا على حق… اذا كان عاقلا.
الزبون على حق حتى يثبت العكس.
او الصيغة الاكثر واقعية: “الزبون على حق… ولكن البائع ايضا انسان.”
فالى ان يعترف العالم بان خدمة الزبون لا تعني عبادة الزبون، سيبقى البائعون جنودا مجهولين في معركة يومية ضد مقولة اسيء فهمها حتى صارت مثل سيف خشبي يشهره كل من دخل متجرا بحثا عن خصم او مجادلة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات