الزبائنية أو المحسوبية هي وسيلة تنتشر في أغلب بلدان عالم الجنوب التي تأخذ بالأنظمة الديمقراطية سواء كانت برلمانية أو رئاسية كآلية يتم اللجوء أليها في ممارسة الشؤون العامة التي تخص القضايا السياسية كالانتخابات أو الترشيح للانتخابات أو التصويت للمرشحين أو في المحاولة للحصول على المناصب العامة أو البقاء فيها ، ومنها ما يخص القضايا الاقتصادية وإدارة المشاريع العامة والمكاسب ورؤس الاموال والادارة العامة في العديد من القضايا الاجتماعية التي لها ألتماس مباشر مع المواطنيين . إن للزبائنية مفاهيم عديدة على الصعيد السياسي كونها تنشط بشكل كبير ومخيف في أوقات الانتخابات أو خلال المدة السابقة للانتخابات إذ يلجأ أليها العديد من الاحزاب السياسية والشخصيات السياسية المترشحة للانتخابات لأقامة علاقات عبروسطاء مع المواطنين يتم استخدامهم لحثهم على إنتخاب حزب معين أو جهة معينة أو شخصية سياسية معينة لقاء حصولهم على منافع مادية أو مناصب معينة أو حصولهم على خدمات معينة حين وصول الحزب المعني أو الشخصية المرشحة للسلطة . ولذلك تعرف كما يأتي :
1 ـ إنها القدرة على أستغلال النفوذ والسلطة من أجل تحقيق مكاسب سياسية والحصول على المنافع المادية الكبرى على حساب المجتمع وعلى حساب الجمهور .
2 ـ هي عبارة عن مجموعة من الوسطاء غير الرسمين والذين يتم الاعتماء عليهم من قبل الاحزاب السياسية أو أصحاب النفوذ والسلطة لأقناع الناخبين وتغيير توجهاتهم السياسية لصالح من يسعون لخدمته .
3 ـ هي وسيلة لتحقيق المنافع المتبادلة بين الجهات السياسية والوسطاء والناخبين وصولا لتأمين المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة .
إن هذه التعريفات تبين لنا بما لا يقبل الشك أن الزبائنية أصبحت آفة مرتبطة أرتباط وثيقا بالثقافة السياسية السائدة في الوقت الحاضر والتي أدت إلى تغيير نظام القيم المجتمعية ولا سيما المرتبطة بالديمقراطية الساعية لأعتلاء أحزاب وشخصيات سياسية وطنية تهدف لخدمة الصالح العام أكثر من مصالحها الخاصة .
ولذا يمكننا في هذا الصدد أن نحدد بعض من أسبابها وهـــــــــــي :
1 ـ فشل الاحزاب السياسية والشخصيات المرتبطة بها من تقديم برامج إنتخابية حقيقية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وجل ما تقدمه من برامج هي مستوحاة من تجارب الآخرين وليس لديهم القدرة على تحقيقها نتيجة القصور الفكري والاداري والإستراتيجي ، الأمر الذي يدفعهم إلى الزبائنية لأقامة علاقات مع الناخبين من نوع أخر أساسه المنفعة المتبادلة .
2 ـ الشعور التام من قبل أغلب القوى السياسية بفقدانها للشرعية السياسية على المستوى الشعبي وحاجتها إلى مد جسور لخلق مثل هذه الشرعية عبر إقامة علاقات مصلحية .
3 ـ التراجع في القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولا سيما تراجع الهويات الوطنية وغلبة الهويات الثانونية والفرعية أسهم بشكل أو بأخر في ظهور الزبائنية .
4 ـ الفهم الخاطأ للديمقراطية وعدم أدراك مبدأ التداول السلمي للسلطة والرغبة الشديدة للأستأثار بالسلطة وبما توفره من منافع ومكاسب أسهم أيضا بظهور الزبائنية .
5 ـ تأثير المتغيرات الخارجية ودورها الكبير في الضغط سعيا وراء منافعها ومكاسبها في البلدان التي أعتنقت الديمقراطية حديثا في دعم جهة معينة على حساب الجهات الآخرى بالشكل الذي شوه معظم التجارب الديمقراطية في عالم الجنوب كان سببا في خلق هكذا نوع من العلاقات المصلحية . وعلى أساس ما تقدم فإن للزبائنية أثار وهــــــــــي :
1 ـ تشوية الجو العام للانتخابات الديمقراطية بما تقدمه من أفكار ومنافع ومصالح ومحسوبيات على حساب القيم العليا للمجتمع .
2 ـ إنها أحدى مجريات الفساد وطريقة واضحة في تحريف توجهات الناخبين ، لذلك فإن هناك علاقة وثيقة الصلة بين الفساد السياسي والزبائنية ، لأن معظم الفاسدين السياسين يلجأون إليها في محاولة منهم للاستمرار في مناصبهم خوفا من خسارتهم وتعرضهم للابعاد .
3 ـ إنها أسهمت في شيوع نمط جديد من القيم الاجتماعية التي تعتمد على أسس المنافع المتبادلة وصولا لتحقيق المكاسب على حساب القيم العليا للمجتمع . كونها قيم مصلحية خالصة بعيدة كل البعد عن القيم الديمقراطية ومبادئها .
4 ـ تعمل الزبائنية على تلميع صورة السياسين أو الاحزاب السياسية أمام الناخبين بما تقدمه لهم من منافع مستقبلية بإمكانهم الحصول عليها والاستفادة منها .
5 ـ إنها وسيلة خطرة يتم اللجوء إليها في محاولة لأسترضاء الناخبين أو أستمالتهم بما يقدمونه لهم من خدمات مادية أو رمزية أو هدايا عينية أو عقود تمليك .
ولذلك تأسست شبكات عديدة من الوسطاء في أغلب بلدان عالم الجنوب والبلدان العربية من ضمنها تستفيد من وضع السلطة المظطرب وتأرجح الديمقراطية بين كتل سياسية متناحرة تسعى فيها الزبائنية في رسم خيوطها وشبكاتها بعلاقات قوية ترسخها داخل بنية النظام السياسي نفسه . وعليه فإن للزبائنية خصائص وسمات عديدة وهي :
1 ـ تسعى إلى تغيير الواقع السياسي لصالح جهة معينة ومن ثم فإنها تقيم علاقات أجتماعية لهذا الغرض بين صاحب النفوذ والناخبين .
2 ـ إنها تسعى لتقويض النظام السياسي القائم وتحريف منهجه حسب الدستور ومن ثم تعطي الشكل فحسب وتتصرف في المضمون بعيدا عن الدستور نفسه .
3 ـ إنها تفرغ المعنى الحقيقي للانتخابات وفي أحقية حرية الناخب في الاختيار . ومن ثم فإنها تخلق علاقات غير متكافئة وفئوية أو شخصية ممتدة عبر شبكات من المصالح المتبادلة .
وتأسيا لما تقدم يمكننا القول إن على الأنظمة السياسية الضالعة في الديمقراطية لا يمكنها أن تحقق النجاح في تجاربها الديمقراطية وترسخ مبادئها في التنمية والاستقرار والتقدم وتحقيق النمو الاقتصادي وارتفاع الدخل الفردي للمواطنين والتخلص من الفساد المالي ومواكبة التقدم العالمي ما لم يتم التخلص نهائيا من هكذا شبكات أساءت لمفهوم الديمقراطية .