الرُّوائي الأطوَل عُمراً نصف عَقد وقَرن مِنَ الزَّمَن عاشَ ومازال ثيمَتهُ لُغته الأمّ السّلوفينيَّة ومَدينته ميناء Trieste شَمال شَرقي إيطاليا على حُدود سلوفينيا، يُدعى سفير الثَّقافة السّلوفينيَّة اسمُهُ Borut Pahor، تيمُّناً باسمه اسم رئيس الحُكومَة ثمّ الجُّمهوريَّة السّلوفينيَّة الحالي.
عن تعريفه للُّغة الأمّ: «هي الَّتي تحدَّث بها أبي وأُمّي حين تحابا وفكّرا في إنجابي»، تعريف تقاطع مع المثل الشّعبي المتداول:«أنا سلوفيني، هكذا قالت أمي».
مدينة Trieste تاريخياً، كانت مُتنازَع عليها بين الطّليان والسّلوفينيين. الطّليان يرونها امتداداً جغرافياً لأرضهم، والسّلوفينيون يرونها جزءً مِنهم، بحكم لُغة سكّانها. فيها حالياً، يمكن للزّائر أن يتحدّث، دون مشكل، باللُّغتين الإيطاليَّة أو السّلوفينيَّة، كما إن اللّافتات، في الشّوارع والسّاحات العامّة، تكتب أيضاً باللُّغتين. مِن Trieste، خرج «الحزب الوطني الفاشي»(1921)، الَّذي تسلَّطَ على إيطاليا لأكثر مِن عقدين مِنَ الزَّمَن، ومن هناك خرج أهمّ الكُتّاب السّلوفينيين، بينهم فلاديمير بارتول (1903-1967)، صديق Pahor، صاحب رواية «آلموت» (1938). كان فلاديمير بارتول ينوي إهداء رواية آلموت لموسوليني، سخرية مِنه، ومن ديكتاتوريّته. لكن أُقنعَ بالتّخلي عن الفكرة. لو كتب اسم موسوليني لما صارت الرّواية نفسها من الأكثر مبيعاً، في العالم، لحدّ السّاعة. Trieste، المُطلّة على ساحِل البحر الأدرياتيكي، نقطة الفصل بين إيطاليا وسلوفينيا، مدينة حرب وأدب، مرّ عليها كتّاب مهمّون كثر، منهم ريلكا، الذي شيّدت تمثالاً له، وجيمس جويس، الذي استلهم من أناسها جزءًا من رواية «عوليس»، وآخرون.
الرُّوائي المُعَمِّر Pahor، مازال يجول في مَدينته صباحاً وظَهيرةً، يتفقدها ليُدوّن يوميَّاً 5-10 سَطراً عنْ مُتغيراتِ مَعالِمِها. وُلد نمساوياً في الأمبراطورية النّمساويَّة المجرية، مملكة هايسبورغ، ثم صار عام 1918م إيطاليَّاً، رغماً عنه، في ظِلّ فاشيَّة موسوليني، وقبل نحو ربع قَرن استعاد هُويّته الأصل: السّلوفينيَّة.
بعد 14 رواية، آخرها «سوق أوبردان» (2006)، وبحوثه النّقدية، تفرَّغ عام 1913م لمشروعه الختامي قائِلاً: «أكتب حاليَّاً شُبه مُذكّرات، كرّاس حميم. كلّ يوم أكتب بين 5- 10 أسطر، وهذا كافٍ. يهمّني أن أدّون أهمّ ما حصل، وليس كلّ ما حصل». في مكتبتهِ الشَّخصيَّة، في الضّاحية الشَّمالية مِنْ «Trieste»، تطالع الزّائر شهادة فخرية، رُقِشَ عليها: « Borut Pahor، سَفير الثّقافة السّلوفينيَّة». يقول بشأنها: «لست أدري إن كنت أستحق اللَّقب. لكن الأكيد أن ثورتي الأساس ثورة هواية. ثورتي الأولى كانت في سبيل استعادة لُغتي الأمّ، واستعادة حقّي في التّعبير بها». في عمر السّابعة، شاهد Pahor، الفاشيين، يحرقون «بيت الثّقافة السّلوفينيَّة»، في Trieste، كان عبارة عن فيلا من ستّةِ طوابق، تصدر منشورات وجريدة بالسّلوفينيَّة، كانت تلك اللَّحظة تراجيدية، مُثيرة في حياة Pahor، أعقبَها إصدار مرسوم يمنع استخدام السّلوفينية في المدينة (مع تغيير أسماء السّلوفيين إلى أسماء إيطاليَّة)، جعلته خصماً للفاشييّن، الَّذين سيُواجههم، بالسّلاح، في الحرب العالمية الثّانية، مُدافعاً ـ لا يُداهن ـ عن ثقافتِه الأمّ. يقول Pahor: «أعتبر نفسي كرونيكر (مؤرخ وقائع)، شاهداً على ما جرى وما يجري، أكتب وفاءً للذّين رحلوا والذين ماتوا دون أن نسمع صوتاً لهم. آنَ تجاوزت المائة عام، قبل أربع سنوات، اعتقدت أن نهاية العالم قد قربت. أظنّ أن الحياة كان ستسير على ما يرام لو لم تندلع كلّ هذه الحروب، تحت مسمّى محاربة الإرهاب. لقد حطّموا العِراق، ماذا استفاد العالم مِن خرابه؟»..
مُساءَلَة صاحب روايتي «الطّاعون، عن حقبَة الغازي النّازي، ورحّالة بلا واحات».