أهل ( الرمادي ) يعيشون في مدن أرصفتها الذهبية هي قناعتهم النادرة بما قسم الله لهم .. وشوارعهم وأبنيتهم تتعطر بأذان الجوامع وعماراتها بقِباب الرحمن .. لم تكن في مدينة
( الرمادي ) عمارات شاهقة تتجاوز أربعة طوابق فقط وهي بناية البلدية أو الخضراء التي أصبحت كراجاً للسيارات بعد فشل المحافظة في تشييد بناية جديدة بدلاً للتي أُسقطت .. كانت لدينا حدائق صغيرة أينما تمشي في البيوت ، بين الأزقة ، فوق الجدران .. أينما تسير تفوح عليك رائحة الجوري والقداح والياسمين والشبّوي .. متى ما جلست أنت ومن تحب سيقع نظرك على أشجار النخيل والسِدر والسنديان وشوك الشام والكالبتوس وتمرالملك وعرموط الجبل وأساور الآس بين البيوت .. لم يكن أهل الرُمادي عاجزون عن فعلِ أي شيء لكنَّ القناعة ونَفَسُهُم الطيب ألبسهم رداء الحلماء العجيب .. كانوا يتسابقون لخدمة الزوار والمارَّين من شرق العراق إلى غربه وصولاً إلى الشام والأردن .. ومن وسطه وشماله إلى جنوبه ، في الكوارث والأزمات فتحَ أهل الرُمادي بيوتهم الفقيرة البناء ، غنية الفعل للنازحين والمهاجرين منذ عام 1954 كانت الرُمادي بيتاً آمناً لأهل بغداد بعد الفيضان الكبير آنذاك وفي عام 1974 حين أتجه أهل أربيل والسليمانية ودهوك وخانقين إليهم لم يسألوا أحداً منهم من أين أتيت .. أما في عامي 1987و1988 فإسئلوا أهل البصرة كيف إستقبلهم أبناء الرُمادي ، وتكرر المشهد في عام 1991 حين تدافعت أرتال أهلنا في بغداد نحو الرُمادي .. وذات المأساة في عام 2003 وأهل الرُمادي يتسابقون لفتح بيوتهم ومضايفهم لمن إنتخى بهم لأنَّ الرُمادي لا يوجد بها فنادق .. أما هم فقد إحتضوا وإفترشوا الأرصفة الذهبية مثلما يحدث الآن بالضبط في شهر مايس من عام 2015 وأهل الرُمادي يجلسون على أرصفة ذهبية ومنها فضية وأخرى وبرونزية ، أعدتها الدولة لهم قريباً من جسر بزيبز وجسر الفاضلية وطريق المسيب وكربلاء ومئات السيطرات على طريق الذل للوصول إلى أرضٍ آمنة وترك الأرصفة الذهبية .. إنَّ هذا العدد الهائل من عوائل مدينة الرُمادي وعدم قدرتهم جميعاً على السفر إلى مناطق أخرى أو حجزهم في مخيمات بائسة ومعسكرات لا تليق بأسرى الحروب وإستسلامهم لهذه المأساة يُظهر لنا بلا أدنى شك مدى تضرر البنية الإجتماعية في المحافظة وإنتشار الفقر والعوز والحرمان بين عوائلها منذ عشرات السنين وإعتماد أغلب هذه العوائل على أجور القوت اليومي وعدم وجود مصادر معاشية ثابتة كالرواتب .. ولا نخاطب أحداً حول هذا الأمر مما يسمى بوزراء المحافظة في مجلس الوزراء أو أعضاء مجلس النواب من المحافظة أو أعضاء مجلس المحافظة فهؤلاء تقاعدوا عن الإستجابات وتحولت خدماتهم الإفتراضية لأبناء مدينتهم إلى شلل في عقولهم ومروءتهم .. بل لأبناء الرُمادي بأن ينتبهوا إلى جملة من المؤشرات المهمة مستقبلاً .. أبرزها القضاء على البطالة دون النظر إلى وعود مسؤولي المحافظة الكاذبة المكررة وعدم الإعتماد مطلقاً على ما يُسمى بالأجور اليومية في القطاعين العام والخاص أو إنتظار ما يدّرُهُ عليهم لصوص الرعاية الإجتماعية ومافيات التقاعد الظالمة وعصابات لجان المهجرين وقطاع الطرق من شيوخ العشائر.. وأن يضعوا في حساباتهم جميعاً أنَّ التعلم وتشجيع الإنخراط في المدارس والمعاهد والكليات لجميع الفئات هو ما يُجنبنا ما قد يحدث مستقبلاً .. أما الأرصفة الذهبية فقد تركها النازحون في نفس أماكنها بين شوارع وأزقة الرُمادي الخالدة ..