16 سبتمبر، 2024 9:55 م
Search
Close this search box.

الريح لا تغير وجهتها

الريح لا تغير وجهتها

كان يعرف مسبقا ان ما تبقى من الوقت لن يسمح بالكثير من اللقاءات التي ستمر عابرة كما مرت غيرها،،بلا اي أمل في ان يتحرك جبل الجليد الذي كان يحاول عبثا إذابة شيء من كبرياء التجلد فيه،،ظن انه قد(غسل يديه بماء الياس) وانتهى من قصة حب ماكادت ان تبدأ حتى اذنت شمسها بالأفول سريعا تحت وطأة الغياب الحتمي،،وحين جمعتهما جلسة انتظار في نهاية يوم العمل كان واضحا ان شيءا ما لم يكن ليتغير،،حدث نفسه قبل أيام بانه سيكون أكثر راحة واستقرارا وان روحه التي عذبتها الاسءلة ستشفى أخيرا من جحيم الحيرة والترقب،،حتى عادت رياح الحنين لتعصف به حين لامست كلماتها القليلة أطراف القلب،،فصبا عن توبته المزيفة وعاد ليرتمي في أحضان الحيرة التي بدت لذيذة اول الأمر،،

وبدا أنها مثلها،،كل ما فيها يمر على عجل،،تماماً كما هي،،او كما شبهها في قصصه سحابة تمر على عجل ولا تسال عن أحزان العطش في قلب الأرض المترقبة لها،،،

،،،،حين كانت تقبل وهي تتهادى في مشيتها المميزة التي تشبه إيقاع تراقص زهرة برية يتلاعب النسيم بوريقاتها حدثته نفسه بان يكلمها بصراحة وبجراة علها توقف لعبة الكر والفر التي اتعبته كثيرا،،وهو يعرف انه لن يقول ما يريد ان يقوله في كل مرة يعقد فيها العزم على ان يصارحها ،،ويحضر العبارات التي سيقولها،،وعبثا لم يكن يفعل،،ربما لانها ،،،لا تشجع على الصراحة بمواقفها المتصلبة وجديتها المفرطة التي تتعارض تماماً مع شخصيته الهلامية السلسة،،

قال لها في منتصف حوارهما العابر عن يوميات العمل وتفاصيله:

– كيف انت اليوم؟

– بخير تعبت من مشوار المجيء إلى العمل،،واضطرت للسير مسافة طويلة في المدخل الوعر،،

– لا باس حتى تحرمين التأخر ثانية،،

ما كان يحسب انه سيتجرا ويفصح عن خيبة الأمل التي شعر بها وهو يراها تترجل من السيارة التي تقلهم للعمل صباحا،،من غير موعد ولا سابق إنذار متعللة باشغالها،،

مع ذلك لم تكن ابتسامتها الممزوجة بانفعال بسيط بمستوى جرأته،،وكررت سرد ظروف ذهابها من غير ان تلمح ولو تلميحا بسيطا إلى تأثرها بعباراته،،وأبتسامته المقصودة،،لا بل وأكدت أنها ستضطر للعودة ثانية،،

عند هذه النقطة أيقن انه فسر ابتسامتها تفسيرا خاطءا،،وكأنه كان يتكلم بلغة ثانية لم تفقه منها حرفا،،وعاد وحيدا إلى ترقبه،،حتى حين نهضا وسارا صوب الباص وقال لها على سبيل الدعابة انه لا يحسدها على طبيعتها وإصرارها على إلا تتغير أبدا،،،أنا لا احسد أحدا،،وخصوصا من أحبهم،،مرت هذه العبارة مرور الكرام،،

لا حقاً حين جلسا معا قرر ان يجس نبض قلب يكاد يوقن انه لن ينبض في غير الأوقات التي يعجبه فيها النبض،،فقال:

– اليوم اخر يوم احضر فيه إلى العمل،،

لم تحرك هذه الجملة شيءا من أمواج الحوار العابرة التي كانت تسير على صفحة النهر البارد الذي كان بدا انه يسير على ضفافه ،،غريبا على شاطئه ،،فقرر العودة إلى نقطة صمته الخاصة،،واقنع خيبته بان يكتب لها لاحقا رسالته الأخيرة،،

كان ابتعادها وهي تترجل من الباص اعتياديا،،بل بدت كأنها تسير على الخطى نفسها التي اعتادت ان تسير عليها يوميا في مثل هذا الوقت من الظهيرة،،مع فارق بسيط وهو ان هذه الظهيرة لم تكن كتلك التي باحت بها بأسرار شدته إلى وهم الحب وسراباته التي ركض وراءها كما كان يركض  وراء فقاقيع الصابون المتطايرة في الهواء يوم كان طفلا لا يفقه من أبجدية الخيبة حرفا واحدا،،

لا حقا حين ارتمى على سريره مثقلا بالفراغ،،عبثا حاول أغماض عينيه وهو يستقبل خواء الوسادة البيضاء،،فنهض واتجه إلى سماعة الهاتف وقرر ان يكلمها هكذا بلا موعد،،،الغريب انه لم يتردد في استكمال الاتصال وظل يبحث عن رقمها وضغط على زر الاتصال بلا تأن،،،،مع انه لم يكن يعرف ماذا سيقول لها،،وما اذا كان مناسبا الاتصال في وقت تقول فيها أنها معتادة على النوم،، وكان اول ما قاله سلام مختصر بعبارات لا يعرف ان كان قد سمعها ام انه قد فكر فيها،،سلم عليها وبدا من نبرة صوتها أنها ليست مستغربة لاتصاله وكأنها خططت لاستقباله منذ زمن حتى تجاوزت ضبابية التوقع،،

قال لها-نسيت ان أقول لك شيءا كان لابد ان أقوله لك منذ زمن،،

قالت بترقب: ماهو؟

فقال:أردتك ان تعرفي حكمة تعلمتها منك،،تساءلت مستغربة:مني!!!

قال:نعم،،لم الاستغراب فانت مدرسة ،،أردت ان أقول،،،،،ان لكل حب بصمته الخاصة،،فهناك حب يعلمك الثقة،،وآخر يعلمك

الصبر مع الحرمان،،،وآخر يغرس حب العالم في قلبك حين يكون من تحب هو عالمك،،وتعلمت معك انه مزيج من القناعة

 والصبر،،وانه مثل الريح التي تسير باتجاه واحد،،قد لا تغير اتجاهها أبدا،،

ابتسمت ببرود من اعتاد ايقاع الانتصارات وسءمها وقالت:اعرف،،

بداأنها سمعت من عباراته كلمات الحب فقط،،وما تنبهت للريح التي لا تسير إلا باتجاه واحد،،وخانها ذكاؤها هذه المرة ،،باغتها بكلام لم تتوقعه قائلا :

-هل تعرفين الفرق بيننا؟قالت: ماهو،؟خبرني،،

أننا مختلفان حد اللاتوافق،،

أجابت مازحة :قلت لي انك مسرور لاختلافنا لانه يخضع لقاعدة فيزيائية تحبها اسمها الأقطاب المختلفة تتجاذب،،ام غيرت الفيزياء التي تحبها أقوالها،،،؟؟؟

قال لها،،الاختلاف أحيانا يحطم القوانين،،انت تعيشين في القطب المتجمد وأنا أعيش في خط الاستواء،،وتصوري نبتة استوائية كيف لها ان تعيش في الصقيع،،!!!

لم تفهم مغزى كلماته وقالت كمن يمزح:لابد من حل،،قال:هناك ثلاثة خيارات،،قالت:وهي؟؟؟

قال وهو يهيء  نفسه لاجتياز عتبة التردد الأخيرة،،:أما ان نغادر مناطقنا ونعيش معا في منطقة دافئة،،او اقبل بان آتيك إلى عالمك على ان تنازلي وتهيئ لي ظروفا تسمح ولو حتى بالتنفس ،،وهو أمر يحتاج إلى الأمل،،ولم أجده عندك بصراحة،،

قالت وقد بدأت تستشعر المرارة في كلماته:والثالث؟،،قال والغصة تكاد تخنق صوته،،:الثالث برايي هو الأنسب،،وهو ما خرجت به بعد مشواري القصير الطويل المحير معك،،وهو ان يبقى كل في منطقته،،وكان حبا لم يولد،،لكي لا افجع أنا به على الأقل،،

طال سكوتها،،فاعاد سماعة الهاتف إلى مكانها وهو يحاول اختصار أحزانه عبثا بكلمة،،وداعا،،

أحدث المقالات