يشترك جميع السياسيين العراقييين بطغيان الرياء السياسي والمبالغة في تصوير المشهد العراقي، اتحدى من يتابع الاحداث عبر وسائل الاعلام ان يؤشر لنا، سياسيا واحدا غير وطني، ولا يفكر بهم المواطن، ولا يسعى لدفع البلد الى مصاف الدول المتقدمة!! ظهورهم المستمر على شاشات التلفاز يشعرك بان جميعهم يسعى للمصلحة الوطنية، وإلى ارساء دعائم الديمقراطية والحرية… أما الطائفية وتلك المسميات المنبوذة والمقززة فلا وجود لها في قواميسهم!! …دائما ما يمتلكون حلول مباشرة لأية أزمة نمر بها عن طريق الحوار الهادئ والهادف والبناء! اخر تفكيرهم ومبتغاهم هي المنافع والمصالح الشخصية!!!…
هذا ما نجده واضحا عند ظهورهم بحلتهم الجميلة وبزاتهم الانيقة، على الفضائيات العراقية.
فأي رياء هذا الذي يتخندق فيه هؤلاء الساسة، فهم اما عباقرة ودهاقنة بحيث يملكون مفاتيح اللعب على عقول الناس وتشويه افكارهم، وإما مراهقين لا يفهمون شيئا ولا يعلمون بانهم لا يفهمون، ففي الوقت الذي يصر فيه الجميع على الاستمرار في الحوار الجدي والمجدي للوصول الى حل لجميع الأزمات، والتي لم تحل يوما واحدة منها، سوى تعليقها وربما تفريخها –اي الأزمة- فقضية الهاشمي، مثلا واقالة صالح المطلك، هي أزمة واقعة فعلا، حلها يعد أزمة، والمضي بها كذلك، وتركها أزمة، فليتشجع احد الساسة ويذكر لنا وقتا ما بعد 9/4 مر به العراق كان خاليا من الأزمة؟ او يذكر انهم استطاعوا تفكيك أزمة وعدم تعليقها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، بل وحتى الاجتماعي والثقافي.
مع وجود تلك الأزمات يصور لنا الساسة بان هناك توافق وشراكة ولدى كل القوائم برامج وبدائل تطرح ضمن مؤتمرات واجتماعات، لكنها دون فائدة وغير ناضجة تماما، وسطحية لا ترضي الجميع، مع كل هذا لا نجد كثيرا من الجدل المباشر على شاشات التلفاز، ولا يتم طرح الأزمة بما هي، رغم وضوح عدم الاتفاق، لا تجد غير غزل سياسي لطيف، مع ملاحظة ان الغزل قائما مع زمن الأزمة وبدونها، ولا اريد ان اروج الى الجدل، بل ما يلفت انتباهي حجتهم في ذلك، من ان الجدل والتشنج واستعراض المواقف الحقيقية امام وسائل الاعلام هو ارباك للوضع العام، وهذا وارد، اما غير الوارد ان الناس جميعا تعلم بأن هناك أزمة، وتعلم ايضا بان المستقبل لا يستحق كثيرا من الأمل، وتعلم ايضا ان لولا المولدات الاهلية، مثلا، اطال الله بقاؤها، لكنا نعيش أزمة العصور الحجرية، ولو استطلعنا اراء الناس على جميع مستوياتهم لا تجد بينهم من يذكر لك اننا نعيش في ربيع ومستقبل اجمل ونحن نسير الى مزيد من الاستقرار وتوفير الخدمات، ليس على مستوى الأزمة الحالية التي يتزعمها الهاشمي بل قبل ذلك بكثير، فهل نستطيع ان نسمي ما يدعي به الساسة من عدم اظهارها بانها خوف على مشاعر المواطنين، اذا كان المواطن يعلم اكثر من المسؤول بوجود أزمة؟.
يعتقد السياسي، وللاسف، بانه الفطن الوحيد الذي يستطيع احتواء الأزمة كحامل اللغم في كيس اسود لا يعلم به غيره يمضي به الى منطقة خالية من السكان ليفجره، والمنطق الصحيح اليوم، اذا ما طبقنا هذا المثال، فان الناس التي تنظر للسياسي وهو يحمل كيسا اسودا لا تعلم ما فيه ربما بداخله ملابس داخلية خاصة بالمسؤول، تظن ان بداخله قنبلة يريد تفجيرها بين الناس، وذلك يأتي من عدم وثوق الناس، كل الناس بالسياسي، فعندما يظهر مسؤولا ما على التلفاز جميعنا يبادر الى ما لم يقله المسؤول لا الى ما قاله، لان ما قاله غير حقيقي او مبطن او كما ذكرنا يراد منه امتصاص غضب الجماهير، ونظل نستقرء حتى نصل الى ما لم يقله المسؤول وزيادة، والغريب والمضحك في الأمر ان الساسة العراقيون حصرا يفتحون صدورهم وقرائحهم الى الصحف والقنوات الاجنبية ويدخلونها في خضم الأزمة عكس الاعلام المحلي الذي يتحايل عليه المسؤول، ويتعامل معه بسطحية وسذاجة، ولا اعرف هل هو استخفاف بالاعلام المحلي ام غاب عن ذهن المسؤول ان وسائل الاتصال الحديثة دخلت العراق والناس تتابع جميع القنوات والصحف الاجنبية؟ واذا لم يكن لا هذا ولا ذاك، فهل روعي اقحام الجمهور في الأزمة عندما يحدث مثل هذا الفعل؟.
لقد من الله على البلاد العربية بربيع سياسي اختلفت فيه المسميات، تحول فيه الحاكم الى متهم يساق به في المحاكم لاخذ جزاءه العادل، والمحكوم المضطهد الى رئيس يفرش له البلاط بساطا احمرا، اما نحن فمن الله علينا بسياسي يبحث عن الأزمة ولا اعتقد انه يعيش بدونها.
أزمة الهاشمي ستحل عاجلا ام اجلا، واستبعد ان يقدم الهاشمي الى المحاكم العراقية لا اليوم ولا غدا، وان استعصت الأمور ولم يبقى مكان للمساومة والحل، فحال نائب رئيس الجمهورية لا يختلف عن غيره ممن سبقوه كمحمد الدايني وعبد الفلاح السوداني، ولكن ما اتمناه على الساسة ان ينشغلوا بملف اخر اهم من ملف الاعترافات والقاء القبض، طالما هناك جهة رسمية تتابع هذا الملف وهو القضاء الذي يملك منفردا البت في مثل هكذا مواضيع، وبالتأكيد سوف لا يضيع دماء الضحايا والابرياء، اما الملفات المهمة التي اهملت وهي كثيرة كملف الخدمات والانسحاب الاميركي من العراق واهم تلك الملفات قضية ميناء مبارك الذي تحولت انظار الجميع عنها وانشغلت بدوامات اعترافات حماية الهاشمي والتي ستنتهي بالرضا وبالاتفاقيات… وكأن القضية مرسومة بهذه الخريطة، تنويم واغفال حتى يمرر شيء معين، وعندما نستقيظ نجد انفسنا وكأننا لم ننم، فلا نحن مستمرين بالدفاع عن حقوقنا التي سلبتها دول الجوار والتي قطعت فيها شوطا كبيرا، ولا نحن حاكمنا المجرم على فعلته، ولا ركزنا على ملف الكهرباء، ولا سائر الخدمات الاخرى التي ما زلنا نقف على مسافة بعيدة من توفيرها.
طالما تذكرني هذه الحكومة بالنظام السابق، فصدام حرر فلسطين بالشعارات، واسقط اقوى الطائرات بعصي (الويلاد) شعارات ايضا، حتى وصل به الأمر إلى ان يصدق نفسه ويعتقد بما يقول، رغم انها لا تعدو كونها شعارات، وفي ذات الوقت كان يدفع (الخاوات) الى اميركا والى الدول المجاورة صاغرا متذللا، حال سياسينا اليوم حال صدام بالامس شعارات وكلام منمق وجميل، الاف الأزمات حلت بالشعارات رغم انها علقت ولم تحل، حتى اصبحنا نقف على اعتاب بحيرة من الأزمات لها بداية وليس لها نهاية، اخرها الذهاب نحو أزمة جديدة وهي تشكيل حكومة أغلبية، وبالتأكيد لا تخلو هذه الحكومة من ازمة، وما زلنا منشغلون بالازمات وما زالت حدودنا مسلوبة ومياهنا مسلوبة وخيراتنا تباع بالمزاد العلني على مرأى ومسمع من الجميع، ونحن نصارع بعضنا البعض نملك رصيدا لا يستهان به من الأزمات يعلم الله متى ستنتهي وتحل، وماذا سيتبقى لنا من العراق بعد ان تحل جميعها.
[email protected]