اذا كان الرياء في اطاره العام آفة اجتماعية ضارة تشوه صورة المجتمع وتؤثر على سلامته فتجعله مفتقراً في حركته وانتاجيته الى الصدق والنقاء والثقة المتبادلة بين افراده، فان الرياء الثقافي يشكل الافة الاخطر التي تفتك بوعي المجتمع وتنحدر بمستوى ثقافته وتهدده في مستوى تفكيره وتحد من تقدمه الحضاري.
واذا نظرنا الى ظاهرة الرياء الثقافي في المجتمع العراقي نجدها متسعة الدوائر قائمة على مساحات من التزلف والرياء والنفاق والمجاملة المصلحية الضيقة.. كما نجد نماذجها الكتابية البراقة في الصحف والمجلات قد تعددت وانتشرت عدواها، فاصبح السير على حبالها وطرقها اللولبية هو القاعدة، وبات الخروج عن تقاليدها المتبعة خروجاً على المألوف وتجديفاً ضد التيار السائد قد يستوجب النقد واللوم والتقريع.
الرياء الثقافي مرض سلوكي خطير يصيب المثقف المعاني بعدوى التزييف والتخريب والتمويه، ويلوث اقلام وعقول ونفوس العديد من الكتاب والمثقفين، فيؤدي الى تقلص وضمور في الاراء والافكار والقيم السامية النبيلة، كما يجعل المصابين به من حملة الاقلام يعانون من فقدان المناعة الثقافية المكتسبة امام ابسط الضغوط او المغريات، فيسارعون الى الممالاة والمحاباة وتدبيج كتابات و قصائد المديح في واقع الحال المتواضع. ولسان حالهم يقـول – ليس في الامكان ابدع مما كان-.
والرياء الثقافي يكاد يكون منتشراً على كل منبر وصعيد، ولكنه يظهر ويتراكم بشكل محزن في الاوساط الادبية والصحفية، وهو قائم في الاساس على مسح الصغير لكتف الكبير ورقص الكاتب المغمور في عرس الكاتب المشهور، ولا ادل على هذا من تعظيم من لا يملك من الامر الثقافي شيئاً لمن في يده مقاليد الامور ودوائر الضوء، فنرى الكتّاب والادباء الناشئين يتدربون على فن التعظيم والتبجيل للادباء والكتّاب اللامعين املاً في الحصول على تشجيعهم وحدبهم عليهم ولو بربع ما يقدمون لهم من اطراء وتمجيد، وقد تأتي النتيجة عكسية مع كاتب معروف لا يحب الرياء الثقافي ولا يسمن من أذنه بعبارات المديح المفتعل.
وقمة الرياء الثقافي في مجتمعنا العراقي تتمثل في ذلك الرياء والنفاق الأشد عناداً وخطورة وتواطؤ ومكابرة الا وهو الرياء الشللي المبرمج والمتفق عليه بين افراد الشلة الواحدة على قاعدة – حك لي لأحك لك.
وهكذا بهذا النوع من الرياء والنفاق الثقافي او ذاك تتعفن اجواء الثقافة العراقية ببلاين النقد الدعائي الترويجي لما هب ودب من النتاجات والاعمال المتواضعة غير المكتملة، كما تبدو اجواء الرياء الضبابية الخافية المصالح الشخصية تسد فضاء الرؤية النقدية لتظل سيدة الموقف، وكل ذلك يمكن ان يكون على حساب الجيد والمتوهج والاصيل المكتنز من اعمال وابداعات الكتّاب والادباء المتميزيين.
[email protected]