يبدو ان السيد وزير الخارجية الدكتور إبراهيم الجعفري لم يكن مجانبا للحقيقة عندما استخدم عبارة رومانسية بوصفه العلاقات العراقية الكويتية وتقديم الكويت مساعدات للنازحين في العراق مع تأجيل الديون المستحقة على العراق بانها ( رسالة حُبّ) فقد نقلت وسائل الاعلام المحلية ان الجعفري اطلق تلك العبارة يوم الثالث والعشرين من آب 2016 اثناء استقباله للوفد الصحفي الكويتي رفقة نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي.
أقول ان الجعفري لم يكن مجانبا للحقيقة عندما استخدم الرومانسية في العلاقات الدبلوماسية ، بل قد يكون أصابها في الصميم فهذه الرومانسية جزء من تراثنا ولم تكن وليدة اليوم ، بل انها تشكلت منذ انطلاق العلاقات العربية الإسلامية مع العالم وارسال سفراء الرسول (ص) الى الدول العظمى آنذاك .. ومن ثم اعتماد السفراء عند اكتمال كيان الدولة فالرسول الأعظم (ص) كان اول من استعان بالدبلوماسية في الإسلام وارسال السفراء المبعوثين الى بيزنطة ، فارس . مصر ، الحبشة ، وبلاد أخرى. فقد بعث عليه افضل الصلاة والسلام شجاع بن وهب الاسدي الى شمر بن الحارث ملك الغساسنة بالشام ، وحطاب بن ابي بلتعة الى المقوقص صاحب مصر ، وعمر بن العاص الى جيفر وعباد الأسديين في عمان ، ودحية الكلبي الى قيصر ملك الروم ، وعمر بن امية العمري الى النجاشي في الحبشة ، والعلاء بن الحضرمي الى المنذر بن سادي العبدي واهل البحرين ، والمهاجر بن امية المخزومي الى الحارث بن عبدهلال ملك اليمن ، وعبد الله بن حذافة الى كسرى ملك الفرس.
وقد ذكر لنا المؤرخون ان هناك مجموعة معايير يتم على أساسها اختيار السفراء لعل أهمها : المظهر اللائق ، وجمال الشكل . إضافة الى الدهاء واللباقة ، وحضور البديهية ، فضلا عن الايمان المطلق بالقضية ، ونشوء الدولة الإسلامية وتمتعه بالعلم والحكمة ، والشجاعة والصبر ، لقد كان كثير من سفراء الدولة الإسلامية على درجة من الجمال والاناقة والوسامة . ومن اهم المصادر التي تناولت تاريخ الدبلوماسية في الإسلام والدولة الإسلامية ، الكتاب الذي وضعه أبو علي الحسين بن محمد ، المعروف بابن السفراء واسمه “رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة” وهو يتناول بالتفصيل كيف رفع فقهاء المسلمين منزلة الرسول والسفير. وقد جاء في كتاب (اخلاق الملوك) للجاحظ المتوفى عام 255 هجرية تحت عنوان (أدب السفير) ما نصه” ومن الحق على الملك ان يكون رسوله صحيح الفطرة والمزاج ، ذا بيان وعبارة ، بصيراً بمخارج
الكلام واجوبته ، مؤديا لألفاظ الملك ومعانيها ، صادق اللهجة ، لا يميل الى طمع او طبع ، حافظاً لما حُمل ، وعلى الملك ان يمتحن رسوله محنة طويلة قبل ان يجعله رسولاً”
ولا تختلف الدبلوماسية الحديثة والمعاصرة كثيرا في وضع معايير اختيار السفراء عن ما وضعه المسلمون الأوائل وكذلك الدول التي نشأت قديما وارسلت سفراء الى الدول المجاورة والبعيدة ، ومتى حادت لجان اختيار السفراء عن هذه المعايير فانها تكون قد عرضت الدبلوماسية الى انتكاسات لا تحمد عقباها. وهذا ما يحدث للدبلوماسية العراقية .. فقد شكلت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي لجنة فرعية لتدقيق شهادات السفراء فوجدت ان احدهم يحمل شهادة الدبلوم فقط بينما توجب القوانين ان تكون شهادة رجل الدبلوماسية الأول بكالوريوس على اقل تقدير حيث جرى تدقيق 53 شهادة من اصل 60 سفيرا وان هناك سفراء من زمن “صدام” ما زالوا يمثلون العراق حالياً. ولعل حادث نجلي سفير العراق في البرتغال من موبقات الدبلوماسية العراقية والذي وما زال يتفاعل رغم ان الخارجية العراقية لم تتخذ الاجراء المناسب بسحب يد السفير بل اكتفت باستدعائه .. ولم يقدم السفير المعني استقالته لانه تسبب بضرر لدبلوماسية بلاده. وكذلك ما نشر في وسائل الاعلام عن قيام نائب الممثل الدائم العراقي في جنيف باستغلال منصبه الدبلوماسي وقيامه بتهريب السكاير الى فرنسا ، وذلك حسب ما نشرته الصحف السويسرية ، ورغم نفي وزارة الخارجية للخبر فانه يبقى عالقا في ذهن الجمهور ان هناك من السفراء من لا يستحقون هذه المكانة وهذا التمثيل .. السفير ممثل دولة ، وممثل الشعب ، وهي مسؤولية كبرى لو يعلمون ، ويدركون بان التعاون الدولي مع العراق انما هي “رسائل حب” حتى وان تلونت بالاحمر القاني ، فالبعض يقول انما ذلك لون الشفاه.