النتائج السلبية لظاهرة التشظي القائمة في المشهد الروائي العراقي تلك قد أثرت كثيراً على تواصل الروائيين العراقيين مع بعضهم البعض أو مع القراء سواء داخل العراق أو خارجة.
شهدت الرواية العراقية في العقد الأخير انشقاقاً واضحاً ما بين تجارب الداخل وتجارب الخارج، وفي الوقت الذي بدأ الروائيون العراقيون الذين يقيمون في الخارج بتطوير تجاربهم وتحقيق الانتشار النوعي ظل زملاؤهم في الداخل في ما يشبه العزلة التي فرضتها عليهم الظروف السياسية لعراق ما بعد الاحتلال.
وعلى الرغم من أن الروائيين العراقيين في الخارج استفادوا كثيراً من إقامتهم في بلدان منفتحة على الثقافات وتعلمهم اللغات المختلفة وسعيهم لتوظيف علاقاتهم من أجل ترجمة أعمالهم وتحقيق مساحات أوسع لقراءة أعمالهم حُرم روائيو الداخل من هذه الامتيازات المهمة.
لكن على صعيد النضج الفني وتطوير الأساليب وتقنيات السرد ظل الجميع على خط الاجتهاد المتصاعد قياساً بما حققته الرواية العراقية في السنوات الأخيرة، على الرغم من عدم تحقق مشهد روائي عراقي واحد نقدياً حتَّى اللحظة الراهنة، إما بسبب تقاعس النقد عن مجاراة التجارب الروائية الكثيرة وإما بسبب عقلية بعض النقّاد الذين مازالوا يتعاملون مع روائيي الخارج بجفاء خاضعين للتصنيف أو الفصل ما بين رواية الداخل ورواية الخارج.
لا كرامة لنبي
لقد ظلت أعمال الروائيين العراقيين من أمثال سنان أنطوان ومحسن الرملي وإنعام كجه جي ولطفية الدليمي وعبدالهادي سعدون وعلي بدر وسميرة المانع ونجم والي وعباس خضير وفيصل عبدالحسن وجمال حسين علي وعواد علي وشاكر نوري وغيرهم، بعيدة عن تناول النقّاد العراقيين في الداخل، على الرغم من تحقيق البعض منهم حضوراً لافتاً وانتشارا ملحوظاً، في حين فشلت الدوائر الثقافية الرسمية في استقطاب هؤلاء والاحتفاء بتجاربهم بما في ذلك ما يسمى بجائزة الإبداع العراقي السنوية البائسة والفاسدة التي ظلت تراوح مكانها ولم تتطور إلى ما يمكن أن يشكّل كشّافاً وطنياً حقيقياً للتجارب الإبداعية قاطبة سواء كانت في الخارج أو الداخل، وظلت مقتصرة على مشاركات وترشيحات مبدعي الداخل أو بعضهم ممن لا يعنيهم هزال الجائزة وآلية لجانها وطغيان مظاهر الفساد على عملها.
تخطيط: ساي سرحان
دور النشر والمنتج الروائي
في الوقت الذي استفاد روائيو الخارج من تواجدهم قرب دور النشر الكبيرة ووسائل الإعلام المهمة وقدرتهم على السفر والتعريف بأعمالهم عجزت الدوائر الثقافية الرسمية عن تقديم التجارب الإبداعية العراقية في الداخل بطريقة تليق بها، ويشترك في هذا الفشل وزارة الثقافة واتحادات الأدباء وبقية المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية باستثناء بعض المحاولات الباسلة التي بذلتها دار سطور للنشر والتوزيع في السنتين الأخيرتين واهتمامها بالرواية العراقية تحديداً ونجاحها في توصيل روايتين عراقيتين إلى لوائح البوكر هذا العام.
وإذا كان الجميع متفقاً على أن الجوائز العربية عموماً ليست معياراً حقيقياً للجودة في ظل الفوضى وطغيان التابوهات وهزال لجان التحكيم إلّا أن هناك تجارب روائية استطاعت أن تفرض حضورها في الداخل ولم يحالفها الحظ في الانتشار عربياً، وأذكر منها أعمال الروائي العراقي الكبير عبدالخالق الركابي وأعمال خضير فليح الزيدي ووارد بدر السالم وشوقي كريم وحميد المختار وحميد الربيعي وحسن فالح ومرتضى كزار وضياء الجبيلي وطه الشبيب ورغد السهيل وحامد فاضل وهيثم الشويلي ومحمد علوان وغيرهم، بينما غيّب احتلال داعش للموصل المشهد الثقافي كله هناك.
ولعل النتائج السلبية لظاهرة التشظي القائمة في المشهد الروائي العراقي تلك قد أثّرت كثيراً على تواصل الروائيين العراقيين مع بعضهم البعض أو مع القرّاء سواء داخل العراق أو خارجة، كما حرمت روائيي الخارج من التعرف إلى جمهورهم في الداخل.
كما أن النقد العراقي، الخامل إلى حد ما، مدعوّ هو الآخر للتخلص من تلك النزعة الانشقاقية والسعي لتسليط الضوء على التجارب الروائية المهمة في الخارج، والعكس صحيح تماماً.
نقلا عن العرب