في الرواية ، لا حواجز مستحيلة ، ثمة امل موجود دائما ، هكذا أثبتت الرواية المهاجرة الى اوربا وخاصة الى فرنسا ، بان الكتاب الجدد لا يمكن ان يكونوا هامشيين كما رسم لهم البعض من اعمدة المجتمع هناك .. الروائيون المهاجرون ، اقتحموا فضاء الرواية الفرنسية الجديدة واطلوا برؤوسهم عاليا وهم يصدرون اهم الروايات منذ عقود . تقف الرواية المهاجرة عند عتبة الدرجات الدنيا من عوالم الادب الفرنسي كما اعتقد البعض من النقاد الذين لا يريدون لها الوصول والانتشار ، الا ان بروز أسماء غير فرنسية كثيرة اشتركت في بناء ونشر الرواية الفرنسية الجديدة ،
اكدت الهوية المستباحة لهؤلاء الروائيين الذين جاؤوا من الجزائر والمغرب ولبنان ومن مناطق افريقية . فعرفت أسماء أثبتت جدارتها في الأدب الفرنسي مثل امين معلوف ورشيد بو جدرة وفايزة قنة وعزوز بقاق وماري نداي وسواهم . فكانت الرواية تتمثل في انحياز الكاتب الى مجتمعه الجديد وهو ما فاجئ الفرنسيين الذين ظلوا يشكون في انتماء هؤلاء ، وكتبوا مواضيعهم مقتربين من الهم الفرنسي والانتماء الجديد لكنهم غير متناسين جذورهم الاولى . وهكذا عرت الرواية الفرنسية المهاجرة ، واقعا نقديا صارما كان يشكك بقدرات هؤلاء على الكتابة الروائية وسجلوا اسماؤهم بامتياز في المشهد الفرنسي المعاصر . وتأتي الكاتبة من اصول سنغالية ” ماري نداي ” في طليعة الكتاب الجدد الذي يحملون آلام مجتمعاتهم داخل مخيلة خصبة شفاهيا ولكنهم يظهرون تناقضات المجتمع الجديد ـ الفرنسي ـ من خلال تمازج الثيمة الروائية وجعل الأصول حاضرة بقوة في متن السرد .
اظهرت هذه الروائية قدرة على التكيف في المجتمع الجديد وأكدت على وجوب اعتبار كل مهاجر مواطنا فرنسيا حتى ولو بعد عدة سنوات دون ترك الامر للمجهول . فأبدعت نداي رواياتها حول اشكالية المزج بين ثقافتين وبين اعتبار المهاجر الأفريقي مواطنا يتمتع بحقوقه كاملا ونبذ النظرة القديمة له وهو يتنقل بين الاسطبلات والغرف السفلية والمزارع خادما لسيده الابيض . حركة جديدة هي تلك الروايات التي هزت اعماق المجتمع الفرنسي وبددت مخاوفه حين برز جيل من الكتاب يؤمنون ببلدهم الجديد ولكنهم لا ينسون جذورهم الاصل . وماري نداي احدى المهاجرات مع عائلة صغيرة تتكون من الاب والابن والشقيق الممتعض من الحياة الفرنسية الجديدة .
بعد مرور عشر سنوات على وجودهم في الجنوب الفرنسي ، قرر الاب العنيد العودة الى السنغال مع ابنه ليترك الطفلة ماري مع والدتها تشقان طريقها لوحدهما في الجنوب الفرنسي الغريب عنهما تماما . كانت موهبة ماري في الكتابة قد برزت وهي طالبة في
الثانوية وعرفت في الاوساط الثقافية مبكرا لموهبتها وقدرتها على الكتابة التي لم يألفها القراء والنقاد حين مزجت بين المعاناة والتهميش في مجتمع يفترض انه حضاري وديمقراطي ، وبين واقع عائلتها المرير في السنغال . وهكذا كانت الثيمة المتكررة في اعمالها هي اثبات انسانية المهاجر والحصول على هويته الجديدة. وفي مفاجاة صعقت بعض الرافضين للمواهب المهاجرة ، حصلت ماري نداي على جائزة غونكور في الرواية لعام 2009 عن مجمل أعمالها الروائية وأهمها روايتها الذائعة ثلاث نسوة محترمات .. وهكذا صارت الرواية المهاجرة جزءا مهما من تفاصيل المشهد الادبي الفرنسي المعاصر . وبذا تكون ماري نداي قد أطاحت بالنظرة القاصرة لبعض النقاد تجاه الادب المهاجر . لقد اثبتت الرواية الجديدة انها بلا تجنيس مكاني او زماني للكاتب أي انه يكتب في أي مكان وزمان مادام ينقل الهم الانساني الى العالم كائنا من يكن وهو امر يتناقض كليا مع بعض الكتاب الفرنسيين الذي اعتبروا المهاجر ، هامشيا في المجتمع لا يستطيع ان يفعل شيئا في مجتمع الاسياد . مع ان بعض الروائيين الفرنسيين ارادوا ان يقحموا المهاجر وخاصة العربي في خانة قبيحة وكانه لا يعرف غير لغة القتل او السمسرة او اللصوصية وهي أوصاف بدأت تضمحل في المجتمع الفرنسي مع تطور الحرفة الروائية والشعرية لكثير من المهاجرين الذين سجلوا حضورا لافتا في المجتمع ، بل راحت المؤسسات التربوية تحتفي بكتاباتهم مثل عزوز بقاق الذي خصص له حيزا من المنهج الدراسي الحكومي للمراحل الابتدائية ، فصلا من احدى رواياته وهو يسرد بها معاناته في المجتمع المتحضر ! وفي المشهد الفرنسي المعاصر ، اختلطت الأجناس البشرية والاصول المتعددة ولكنها ظلت منتمية وموالية لمجتمعها الجديد وتكتب بلغته مما سهل قبولهم في الاوساط الادبية ودخولهم اهم المؤسسات الثقافية ودور النشر كدار غاليمار الشهير . اوزادت رقعة