مقدمة:
إستكمالا لبحثنا “بدايات ألإسلام” سنستعرض في سلسلة من ألمقالات ألرواية ألسريانية للفتوحات ألإسلامية وما يهمنا في هذه البحوث إلقاء ألضوء على تاريخية ألنبي محمّد وألخلفاء ألراشدين، حيث برز في ألسنوات ألأخيرة إتّجاه بين بعض ألمستشرقين، الذين يدافعون عن الرأي القائل بأنّ الإسلام قد جاء في بداياته كظاهرة هرطقة مسيحية تطورت في صفوف مسيحيين من شرق إيران ينتمون في الأصل إلى مبعدين من بلاد ما بين النهرين (من هاترا على وجه الخصوص).
وربما يكون هؤلاء قد استولوا على الحكم بعد انهيار مملكة الساسانيين في سنة 622 م، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا تعاليم مسيحيتهم إلى دمشق والقدس (أورشليم)، حيث تم في أواخر القرن السابع (على عهد حكم عبد الملك) نقل هذه التعاليم المستجلبة من إيران من السريانية إلى خليط لغوي متكون من السريانية والآرامية والعربية.
كما أنّ هذه ألمجموعة تدعي بأنّ ألنبي محمّد لا وجود له وكذلك فإنّ الخلفاء ألراشدين شخصيات وهمية.
فتح مصر:
لدى دخول عمرو (أبن العاص) قائد المسلمين مصر، أستقبله قورا اسقف الأسكندرية وعرض عليه دفع مبلغ مئتي ألف دينار سنويا، لقاء عدم دخول المسلمين مصر، فوافق وعاد، غير أنّ بعضهم رفعوا شكوى إلى هرقل ضد الأسقف على إعتبار أنّه يُعطي اموال مصر للعرب دون أن يكون إكراه.
وحيث أنّ تفكير الروم كان قد سقم، لذا كتب هرقل إلى قورا أن يرفع يده عن الإدارة في مصر، وأرسل شخصا ارمنيا يُدعى مانوئيل ليدير شؤون مصر. فلما جاء وفد المسلمين لإستلام المال، وجدوا مانوئيل مع جيش الروم في باسلونه التي تُعرف اليوم بالفسطلط، فأعادهم فارغين قائلا:
أنا لست قورا، فذاك لم يرتدِ سلاحا بل قميصا، لذا سلّم إليكم مصر، أما أنا فمتقلد سلاحا كما ترون، فعاد الوفد وأخبر عَمْراً فدخل حينذاك مصر وهزم مانوئيل وهرب إلى الإسكندرية بصحبة القلة الذين نجوا، فسيطر المسلمون على مصر.
فكتب هرقل إلى الأسقف ليُخرج المسلمين من مصر إن أمكن بإعطائهم أضعاف ما اشترط معهم سابقا من المال، فجاء قورا إلى معسكر المسلمين، وبرر ساحته أمام عمرو، وألتمس منه قبول المال. فأجاب عمرو:
لا أنفذ رغبتك، فطالما سيطرنا على البلاد، فلن نتركها بعد، وبهذا يكون عمرو قد طرد قورا فعاد كئيبا.
وصول عمر إلى القدس:
في نهاية سنة 948 يونانية وهي السنة ال 26 لهرقل ( 15 للهجرة)، وصل الخليفة عمر إلى فلسطين فأستقبله صفرونيوس أسقف القدس وتحدث إليه عن البلاد، فكتب له عهدا على أن لايسكن يهودي في ألقدس.
فلما دخل عمر القدس، أمر ببناء مسجد في موقع الهيكل. وإذ رأى صفرونيوس ثيابا رثة على عمر، عرض عليه ثيابا ومئزرا، وألتمس منه قبولها فأبى، لأنّه أعتاد على أن لا يأخذ شيئا من أحد وكان يقول:
” لا ينبغي على المرء أن يأخذ شيئا من آخر لم يعطه ألله إياه، لأنّ ألله يُعطي لكل إنسان ما يُريده، وإذا طمع بما عند رفيقه يكون قد تصرف ضد مشيئة ألله”.
وكان عمر بن الخطاب موضع ثناء في مثل هذه التصرفات، فالمسلمون يروون عنه الكثير من هذا القبيل. والحق يُقال إنّه كان عادلا وغير جشع، بحيث أنّه لم يأخذ شيئا لنفسه مما غنم من أموال الفرس والروم وكنوزهم بعد السيطرة عليهم، حتى ولا ما يغير بساطة ثيابه.
وكان يضع عباءته تحته لدى ركوبه الجمل، وإذا ما جلس أو نام كانت ألأرض مقعده وسريره، ولما ألح عليه الاسقف، أجاب حيث أنّك ألتمست مني، ونظرا لكرامتك لدي، فسوف أستعير الثياب التي جلبتها لألبسها ريثما تغسل ثيابي، وسأعيد إليك ثيابك. وهكذا فعل.
فتوح ألجزيرة:
ومن فلسطين اجتاز المسلمون إلى المدن السورية واحتلوها. وألتقى ايوانيس (يوحنا الصافي) قائد جيش الروم بالمسلمين في قنسرين، وتم الإتفاق معهم على أن يدفع سنويا مئة ألف درهم شريطة أن لا يعبروا ألفرات نحو ألشرق، ولا يدخلوا بين النهرين، وسلّم إليهم جزية سنة واحدة.
فلما سمع هرقل السخيف غضب على إيوانيس ونفاه، ولأنّ ألله نبذ مملكة ألروم، فقد أنتهى هرقل إلى التفكير الأعمى الذي به كان يُدير شؤون الدولة.
وفي سنة 951 يونانية، وال 27 لهرقل (وال 18 للهجرة)، وال 6 لعمر اجتاز المسلمون الفرات بسبب عدم دفع الجزية فخرج الروم واخذوا تعهدا لمدينتهم، وغادر جيش الروم المدن كافة بحسرة. أما تللاً (من مدن الجزيرة تقع في تركيا الحالية) ودارا (مدينة من مدن الجزيرة بُنيت ايام الأسكندر الكبير تخليدا لنصره على دارا الفارسي) فلم توافقا على الإستسلام للمسلمين، لذا احتلوهما حربا وقتلوا جميع من فيها من الروم.
وبعد أن سيطروا على بلاد ما بين النهرين بقيادة (عياض) أبن غنم عادوا إلى سوريا، وأمر عمر بفرض ألجزية على البلدان كافة التي احتلها، ففرضت الجزية على المسيحيين سنة 951 يونانية.
وفي سنة 952 يونانية، وال 19( للهجرة) وال 7 لعمر، مات هرقل بعد حكم دام 30 سنة وخمسة أشهر، فخلفه ابنه قسطنطين، ثم هرقل الصغير الملقب داود الجديد.
وقد سببت مرطينة زوجة هرقل، عمى لقسطنطين، وأقامت أبنها هرقل الصغير ملكا، فأستاء المستشارون من هذا العمل، فخلعوه ونصبوا قسطس بن قسطنطين.
ألقدس بعد الفتح:
تفشى في هذه الفترة وباء الطاعون ( هذا ما سُمي في المصادر العربية بطاعون عمواس) فمات عدد كبير في سورية وما بين النهرين، وفيما كان المسلمون يبنون المسجد في القدس مكان ألهيكل ( إشارة مهمة إلى أنّ البدء ببناء المسجد ألاقصى تم يعد فتح بيت المقدس مباشرة)، سقط البناء، فقال اليهود: إن لم تنزلوا الصليب المرفوع فوق جبل الزيتون قبالة الهيكل، لن يُبنى المسجد.
ولما أنزلوا الصليب ثبت البناء، وبهذه الحجة أنزلوا صلبانا كثيرين، وسادت منذئذ في دولة المسلمين الكراهية للصليب وأخذوا يضطهدون المسيحيين لإكرامهم الصليب.
أمر عمر خليفة المسلمين بعدم ظهور الصلبان في الأعياد أو خلال التشييع فسر اليهود لهذا القرار، وأنزلوا الصلبان من الكنائس.
قُتل عمر خليفة المسلمين بعد حكم 12 سنة (أستمرت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام حسب ألرواية ألعربية ألإسلامية).
ألخليفة عثمان:
سنة 961 يونانية أرسل عثمان ابنه سعيد لمطاردة يزدجرد ملك الفرس فأختفى في سجستان مدة خمس سنوات، ثم جاء إلى الكوفة، أما سعيد فبعد أن أحتل كل المناطق جاء إلى مرو، فخاف يزدجرد أن يُسلم إليه فأختبأ في رحى، فقتله أحد ألأتراك هناك وأخذ رأسه إلى مزربان ألمدينة ألذي إذ رأى ملكه قُتل، سلم المدينة للمسلمين، فأرسلوا تاج الفرس إلى عثمان فأرسله بدوره إلى مكة، ولا يزال هناك.
ألخاتمة:
نستنتج مما سبق من ألروايات ألسريانية أنّ قرار فتح بيت ألمقدس ومعه بلاد ألشام برمتها كان قرارا نبويا، وقد تحدّث ألنص السرياني بصراحة ووضوح حول هذا الموضوع، وهذا ألقرار أصبح قدوة للخلفاء ألذين تتابعوا على حكم ألدولة ألأسلامية من ألخلفاء ألراشدين حتى سلاطين آل عثمان وخلفائه مرورا بألدولة ألأموية وألعباسية وما تبعها من ألدول وألدويلات.
عندما نقول بأنّ ألحروب ألتي شنّها ألمسلمون والتي سميت بألفتوحات ألأسلامية لنشر ألإسلام هي غزو كأي غزو إستعماري للأوطان ألأخرى يرد ألإسلاميون بأن جميع حروب ألمسلمين كانت دفاعية !
وألإجابة لهذا ألإدعاء يكون بطرح ألسؤال التالي:
هل هدد ألإسبان ألدولة ألإسلامية وألمسلمين لكي يغزوا أسبانيا (الأندلس)؟
إذا نزعنا ألقداسة من ألقرآن وعلمنا بأنّه مؤلف بشري إضافة ألى ألأخذ بنظر ألإعتبار خصائص تلك ألفترة ألتاريخية ألتي أتسمت بألحروب ألعدوانية وألغزو من أجل ألماء والكلأ وألأموال وألسبي وألجنس علمنا لماذا أعلن محمّد ألجهاد في قرآنه ألذي أصبح ألدستور لكل ألسلفيين وألتكفيريين والجهاديين كإخوان ألمسلمين والوهابيين ومنظمة ألقاعدة وداعش ومن لف لفهم في كل أرجاء ألعالم.
وخلاصة ألأمر أنّ محمّدا اراد أن يوحد عرب الجزيرة العربية ليكوّن منهم دولة تدين لها الفرس والروم، لقد صرّح محمّد بغايته هذا يوم الخندق ففي السيرة الحلبية وكذلك في سيرة ابن هشام عن سلمان الفارسي قال:
“ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ ورسول الله قريب منّي، فلمّا رآني اضرب وشدّة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برْقَة ثم ّضرب به اخرى فلمعت تحته برقة اخرى ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اخرى، فقلت بابي انت وامّي يارسول الله ماهذا الذي يلمع تحت المعول وانت تضرب؟
قال: اوقد رأيت ذلك ياسلمان؟ قال قلت: نعم، قال: فأمّا الاولى فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها ألشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله تعالى فتح عليّ بها المشرق “.
ألمصادر :
– ألرواية السريانية للفتوحات ألإسلامية – ألكاتب تيسير خلف
– بيزنطة والفتوح ألإسلامية – لولتر كيغي – تعريب نقولا زيادة – دار قدمس – دمشق 2002 م
– تاريخ الرهاوي المجهول – الجزء الثاني – تعريب ألبير أبونا – بغداد
– تاريخ الرهاوي المجهول – بالسريانية – طبعة دير مار أفرام السرياني في هولندا 2004 م
– تاريخ الزمان لأبن العبري – تعريب أسحق أرملة – دار المشرق – بيروت 1986 م
– تاريخ الزوقنيني المنحول لديونيسيوس التلمحري – سهيل قاشا – منشورات المكتبة البولسية – بيروت 2006 م
– تاريخ الكنيسة – يوحنا الآسيوي – تعريب صلاح عبد العزيز محجوب إدريس – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2000 م
– تاريخ ميخائيل الكبير – الجزء الثاني – تعريب مار غريغوريوس صليبا شمعون – دار ماردين – حلب 1966 م
– بحوث تاريخية لاهوتية روحية – للبطريريك أغناطيوس زكا الأول عيواص 3 أجزاء – دير مار يعقوب البرادعي – لبنان 1988 م – 1999 م – 2000 م