مقدمة:
إستكمالا لبحثنا “بدايات ألإسلام” سنستعرض في سلسلة من ألمقالات ألرواية ألسريانية للفتوحات ألإسلامية وما يهمنا في هذه البحوث إلقاء ألضوء على تاريخية ألنبي محمّد وألخلفاء ألراشدين، حيث برز في ألسنوات ألأخيرة إتّجاه بين بعض ألمستشرقين، الذين يدافعون عن الرأي القائل بأن الإسلام قد جاء في بداياته كظاهرة هرطقة مسيحية تطورت في صفوف مسيحيين من شرق إيران ينتمون في الأصل إلى مبعدين من بلاد ما بين النهرين (من هاترا على وجه الخصوص).
وربما يكون هؤلاء قد استولوا على الحكم بعد انهيار مملكة الساسانيين في سنة 622 م، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا تعاليم مسيحيتهم إلى دمشق والقدس (أورشليم)، حيث تم في أواخر القرن السابع (على عهد حكم عبد الملك) نقل هذه التعاليم المستجلبة من إيران من السريانية إلى خليط لغوي متكون من السريانية والآرامية والعربية.
كما أنّ هذه ألمجموعة تدعي بأنّ ألنبي محمّد لا وجود له وكذلك فإنّ الخلفاء ألراشدين شخصيات وهمية.
معركة داثن:
بعد قيام دولة المسلمين (في ألمدينة) بسبع سنوات توفي محمّد فخلفه أبو بكر لمدة سنتين وسبعة أشهر، عاد الرهاويون من بلاد فارس، والذين تخلفوا أعتبروا جالية. أمّا هرقل فسقط لتعديه الناموس بإتخاذه مرطينا أبنة أخيه زوجة، وأنجب منها أبنا غير شرعي هو هرقلون (ينسب المؤرخ ألتلمحري هذه المعلومات لكتاب تاريخي وضعه سرجي بن إيوانيس رصفيا، الذي كان أسيرا لدى الفرس وأُطلق سراحه في هذه الفترة).
أرسل أبو بكر أربعة قواد على رأس جيوش، أحدها إلى فلسطين وألآخر إلى مصر، وألثالث إلى فارس، والرابع ضد العرب المسيحيين وعاد جميعهم ظافرين ( حسب التراث ألإسلامي فأبو بكر ألصديق أرسل أربعة قادة على أربعة أجناد إلى الشام، وأرسل جيشا بقيادة خالد بن الوليد إلى العراق لقتال ألفرس).
فالجيش ألأول أتجه ألى فلسطين، فجمع البطريق سرجي (قائد حامية قيصرية فلسطين) جيشا من الروم والسامريين مؤلفا من خمسة آلاف راجل وإستعد لمحاربة المسلمين، غير أنّ جانب ألمسلمين كان ألأقوى فسيطروا على الروم، وأبادوا أولا السامريين.
فلما رأى البطريق ذلك دار ظهره وهرب، فطاردهم المسلمون ودمروهم وحصدوهم حصد السنابل، وفجأة سقط البطريق من فرسه، فوضعوه على الفرس ثانية، ثمّ سقط للمرة الثانية، وعاد فركب الفرس، فطورد للمرة الثالثة، فقال لمن معه أتركوني وأنجوا بأنفسكم لئلا تشربوا أنتم ايضا معي كأس الموت ألذي قضاه ألله على مملكتنا لغضب العدالة علينا فتركوه وهربوا، فادركه المطاردون وقتلوه بضربة سيف وأستمر المسلمون يطاردون الروم حتى المساء ولم ينج منهم سوى نزر يسير، فأذاعوا هذا في قيصرية.
وهكذا تكللت بالنجاح جهود المسلمين حيثما ذهبوا، فهابهم الملوك وجيوشهم (تشير المصادر البيزنطية وخصوصا ثيوفان إلى أنّ سرجي المذكور في النص السرياني أو سرجيوس أتى إلى داثن من قيصرية فلسطين ” راجع بيزنطة والفتوحات ألإسلامية المبكرة ص 137″ وهنا يخلط المؤرخون السريان في الجغرافيا فيجعلون معركة داثن هذه قرب قيصرية مع أنّها في جنوب فلسطين قرب غزة).
في هذه الفترة أصدر هرقل ملك الروم أوامر بوجوب إقتبال جميع اليهود الذين في مملكته العماد فتنصروا وهرب قسم منهم من مناطق الروم وجاءوا إلى الرها (مدينة أورفا الحالية) ولما ضيق عليهم ألخناق هربوا إلى فارس، في حين أنّ كثيرين منهم أقتبلوا المعمودية وتنصروا.
في عام 946 يونانية وأل 24 لهرقل (634 م) وأل (13 هجرية)، توفي أبو بكر بعد حكم دام سنتين، وخلفه عمر بن الخطاب، فأرسل جيشا إلى ولاية العربية وأحتل بصرى وفتح عدة مدن.
معركة أجنادين:
لدى سماع هرقل أنّ المسلمين قتلوا البطريق سرجي وتبدد جيشه، أوعز إلى أخيه ثاودريقي فعبأ جيشا لمحاربة المسلمين، فأنطلق بتجبّر وخيلاء متكلا على القوة البشرية، وسخروا وهزوا رؤوسهم قائلين:
من هم أولاد هاجر، ليسوا سوى كلاب مائتة.
ثمّ تقابل الطرفان، فهزم المسلمون الروم، وطاردوهم وداسوا عليهم كأغصان منبوذة. وبعد هزيمة الروم، دخل المسلمون معسكرهم وغنموا ما فيه من ذهب وفضة وعبيد وأموال طائلة، فأثرى المسلمون وتوسعوا على حساب ما أحتلوه من بلاد الروم (ألمصادر البيزنطية تتحدث أنّ شقيق هرقل ثيودور كان من قادة معركة أجنادين ” بيزنطة والفتوح الإسلامية المبكرة _ ولتر كيغي ص 147).
سقوط كنيسة القيامة:
حدثت في هذه الفترة هزة هائلة، وفي الوقت ذاته أظلمت ألشمس، وعلى أثر الهزة سقطت كنيسة القيامة وكنيسة الجلجلة، وغيرها في أماكن أخرى، فأعاد بناءها الأسقف مادوسطس الخلقيدوني.
وفي هذه الفترة خرج الفرس على الروم، وطُرد أشعيا أسقف الرها وجميع الأساقفة ألأرثوذكسيين، ودخل الخلقيدونيين الكنائس. وبعد فترة سيطر المسلمون على بين النهرين وطرد الأسقف الخلقيدوني قورس من الرها، وعاد الأساقفة الأرثوذكسيون إلى كراسيهم في كافة أرجاء النفوذ ألإسلامي (إشارة إلى تعاطف العرب المسلمين مع السريان اليعاقبة).
وفي هذه الفترة تفشى وباء فتاك في سائر مناطق سورية وفينيقيا، وظهر نجم هائل على هيئة شخص رومي، وحدث زلزال في منطقة ارمينيا ودمر عدة أماكن.
فتح بلاد فارس:
وفي السنة التالية أرسل عمر جيشا إلى فارس، وكان الفرس منقسمين ومتقاتلين، إذ كان بعضهم يريدون يزدجرد بن كسرى، وألبعض ألآخر هورمزد، فدارت الحرب بينهم وأنتصر المسلمون، وقُتل الفرس وضعفت مملكتهم، كما قُتل هورمزد فيما بعد، فحكم يزدجرد، أما المسلمون فتفوقوا على كل من الفرس وألروم.
يتبع
ألمصادر :
– ألرواية السريانية للفتوحات ألإسلامية – ألكاتب تيسير خلف
– بيزنطة والفتوح ألإسلامية – لولتر كيغي – تعريب نقولا زيادة – دار قدمس – دمشق 2002 م
– تاريخ الرهاوي المجهول – الجزء الثاني – تعريب ألبير أبونا – بغداد
– تاريخ الرهاوي المجهول – بالسريانية – طبعة دير مار أفرام السرياني في هولندا 2004 م
– تاريخ الزمان لأبن العبري – تعريب أسحق أرملة – دار المشرق – بيروت 1986 م
– تاريخ الزوقنيني المنحول لديونيسيوس التلمحري – سهيل قاشا – منشورات المكتبة البولسية – بيروت 2006 م
– تاريخ الكنيسة – يوحنا الآسيوي – تعريب صلاح عبد العزيز محجوب إدريس – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2000 م
– تاريخ ميخائيل الكبير – الجزء الثاني – تعريب مار غريغوريوس صليبا شمعون – دار ماردين – حلب 1966 م
– بحوث تاريخية لاهوتية روحية – للبطريريك أغناطيوس زكا الأول عيواص 3 أجزاء – دير مار يعقوب البرادعي – لبنان 1988 م – 1999 م – 2000 م