– الروائي المندمج يختار فضاءات جديدة، يمازج فيها بين فضاءات الوطن والخارج الجديد.
– اعتز بذاكرة الماضي الجميل والتي اصبحت احد مصادر الهامي الروائي
– حركة الاحتجاجات الشعبية اسقطت اليائس الذي قطن عقولنا وبعثت بنا الامل من جديد لبناء عراق حر ومستقر
قرر لميس كاظم أن يترك العراق في المرحلة الأخيرة من كلية الهندسة بجامعة الموصل بسبب معارضته للنظام السابق، اقتحم عالم الكتابة مبكر. صدرت أول رواية له في عام 2006 بعنوان “الجسد المر”. عالجت رواياته النتائج السلبية للحروب على العراقيين ، فاهتم في منفاه او مهجره في السويد بقضايا اللاجئين العراقيين وهم من ضحايا تلك الحروب ، فيقول ” تعرفت على العراقيين القادمين الجدد، وتواصلت معهم من خلال عملي، وسمعت مآسيهم. هذا ما يسر لي أن اختار منهم ابطالًا في رواياتي التي اكتسبت مضامين حديثة تنسجم مع الواقع الذي يعيشوه. تعددت امكاناته فكتب سيناريو فيلم (حلم آخر) عن إحدى رواياته، وكتب أيضًا سيناريو مسلسل تلفزيوني من ثلاثين حلقة عن روايته “عقيق النوارس”، كما كتب مسرحية “يا الله نعيش”.
رواية المهجر الانسب توصيفاً
س1- مصطلح او مفهوم ” رواية المنفى ” الى أي مدى تتفق أو تختلف معه ، هل هو سياق يتعلق بالجغرافيا مثلاً أو بالمحتوى الروائي أو انه اطلاق نقدي لم تكتمل مستلزماته بعد ؟
اُطلق هذا المصطلح على الرواية التي كتبها روائيون غادروا العراق قسرًا او طوعًا، او ولدوا في المهجر، ولا تنطبق عليهم سمات المنفى. واعتقد أن مصطلح ” رواية المهجر” هو الأنسب. كما يمكن اعتبار المصطلح سياقًا نقديًا اطلقه نقاد وروائيو العراق دون ان يحظو بموافقة روائيي المهجر الذين لا تزال همومهم عراقية أكثر مما هي اجنبية، واختاروا أغلب ابطال واحداث رواياتهم من داخل الوطن. استطيع القول أن ” رواية المهجر” اصبحت ظاهرة ابداعية اكتملت مستلزمات وجودها.
باكورة الابداع الادبي
س2- عشت في السويد نحو ثلاثة عقود وكل رواياتك على ما اعتقد في دائرة هذا الزمان ، ما هو تأثيرها على خطابك الروائي ، خصوصا وانت مهتم بقضية الاندماج مع الخارج بشكل ملتبس في كتابك الصادر عام 2006 تحت عنوان ” اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين ” ؟
غطت رواياتي الاربع سبعة عقود مضت من تأريخ العراق المعاصر. اذكر ازمنة الروايات التي ستجيب على اعتقادك:” قناديل مطفأة” 1950ـ 1980، ” الجسد المر” 1970ـ 2010، ” عقيق النوارس” 1960ـ 2005، ” همس الغرام ” 1970ـ 2015 ” وروايتي الخامسة التي انجزتها ولم انشرها بعد أمتد زمنها 1990ـ 2016.
شكلت السويد بالنسبة لي مرحلة تطوير الوعي الذاتي والمجتمعي، وباكورة الأبداع الادبي. سلطت احداث الروايات الضوء على مشاكل العراقيين في الوطن وخارجه. عشت بعض ازمنة الروايات وأخرى استقيتها من الكتب وشبكات الأنترنت. بالتأكيد أثر عملي بمجال الاندماج على اختيار بعض الأبطال والاحداث. فلدى كل روائي رسالة يضمنها بنصه السردي مباشرة أو في سيمياء النص.
ابطال رواياتي لاجئون
س3- اشتغالك على قضية العراقيين القاطنين في السويد ، الى أي مدى ترك بصماته على اعمالك الروائية على المستويات الثقافية والسيكولوجية والتصرفات الشخصية لشخصياتك ؟
تعرفت على العراقيين القادمين الجدد، وتواصلت معهم من خلال عملي، وسمعت مآسيهم. هذا ما يسر لي أن اختار منهم ابطالًا في رواياتي التي اكتسبت مضامين حديثة تنسجم مع الواقع الذي يعيشوه. سبرت في غور شخصياتهم، ورجعت بهم ” فلاش باك” إلى نشأتهم في محاولة لتفسير دوافعهم النفسية. وهذا ما جذب القراء في الوطن وخارجه. فاغلب رواياتي نفذت من المكتبات العربية.
اخترت الطريق الصعب
س4- صعوبة الاندماج والتكيف مع المجتمع السويدي، واختلاف البناء الثقافي السويدي والعراقي شكّل فجوة بين الطرفين، هل كنت جزءّ من هذه المساحة الفارغة بين الثقافتين في خطابك الروائي ؟
عندما يصل اللاجئ إلى السويد تواجهه مشكلة التأقلم مع المجتمع الجديد وأي طريق سيسلكه. لقد وصلت للسويد بعد ان عشت سنة واحدة في لبنان، وعشر سنوات في الاتحاد السوفياتي السابق، فتعرفت على الحياة الأوربية، التي منحتني وعيًا يؤهلني رسم خارطة طريق هدفي في السويد. اخترت الطريق الصعب، إذ درست وعلمت ما يَسِر تأقلمي مع المجتمع الجديد. وبالتأكيد عكست خبرتي بمجال الاندماج في رواياتي. لم اجد تلك الهوة الثقافية الكبيرة التي اوقعتني في متاهات كبيرة. إنما كتبت عن تلك الهوة الثقافية في رواياتي، وكشفت للقارئ الصراعات الاجتماعية والثقافية بين الشخصيتين العراقية والسويدية.
رواياتي عراقية بامتياز
س5- اصدرت اربع روايات هي “همس الغرام ، قناديل مطفأة، عقيق النوارس و الجسد المر” وجميعها اشتغلت على محور اهتمامك باللاجئين العراقيين واشكالات وجودهم واندماجهم ..السؤال، كما يقول بعض النقاد ان لميس كاظم انغلق بعالمه الروائي لأنه اندمج بثقافة المجتمع السويدي ، الى أي مدى تتفق مع هذا التقييم ؟
هذا التقييم ناجم عن عدم قراءة رواياتي جميعها، وربما اعذرهم لأني طبعت رواياتي في بيروت والقاهرة، وقلما وصلت نسخ كافية لمكتبات العراق. كانت رواية ” قناديل مطفأة” عراقية بامتياز، إذ ابتدأت في مدينة العمارة وانتهت في بغداد. عالجت روايتا ” الجسد المر، وهمس الغرام” موضوع التأقلم مع الحياة السويدية. كانت محاورهما اغلبها عراقية، اذكر بعضا منها ” الحب في زمن السلم الاهلي، الخيانة الزوجية، هجرة الكفاءات العراقية، التفكك الاسري، تأثيرات الحروب والحصار على بنية الشخصية، اضمحلال الطبقة الأرستقراطية البغدادية”. واضفت لهم محاور عراقية ـ سويدية، كان ابرزها ” مشاكل التأقلم مع المجتمع الجديد، اختلاف العادات بين الزوجة العراقية والزوج السويدي، تجنيد الجماعات الاسلامية المتطرفة للشبيبة العربية، شراكة المؤسسات الاجتماعية السويدية في التربية “. هذه المحاور الجديدة فتحت امكنة الروايات لتشمل العراق، السويد ، امريكا، لبنان، وسوريا. احب توضيح فكرة؛ إن الروائي المندمج يختار فضاءات جديدة، إذ يمزج فضاء وطنه بفضاءات البلد الجديد. هذا المزج يفاجأ القراء وينمي متعة القراءة لأنه يعرفهم على الحياة الجديدة التي يعيشها العراقيون في المهجر.
أعتز بذاكرة الماضي
س6- رصيد ذاكرة الماضي ، وانت من جيل السبعينيات، هل غيّبتها كخيار لتنحاز الى الحاضر الذي عشته وتعيشه في السويد ، اقصد خيار الكتابة عن حاضر العراقيين اللاجئين في السويد ؟
يستطيع الروائي ان يُغيب ذاكرة الماضي إذا انسلخ عنها، أما أنا فاعتز بذاكرة الماضي الجميل والتي اصبحت احد مصادر الهامي الروائي. لقد احضرت الماضي البغدادي الشفيف لأوظفه مع الحاضر السويدي المبهر بأسلوب حداثوية وظفت به ما يلي؛ الوصف الواقعي، اجناس ادبية اخرى، انجاز الحضارات العراقية القديمة، استخدامات تقنية الانترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي. وصفت الاحداث والاماكن البغدادية وصفا دقيقًا، شغلت مساحة في الرواية اوسع احداث المهجر. هذا الوصف لمجتمعين وبيئتين مختلفتين، اضاف سمات توعية اجتماعية. وهكذا كانت رواياتي دسمة بأحداثها التي جعلت القراء يتابعونها بشغف لمعرفة تطورها.
المرأة في الرواية تمنحها الجمالية
س7- روايتك ” الجسد المر ” خصصتها للمرأة ، رغم ان بقية روايتك كان للمرأة حضوراً مهماً فيها ، لكنك اخترتها المرأة المهاجرة ، لتتحدث عن معاناة ما قبل الهجرة ، تبدو وكأنك تقرأ رسالة من نهايتها ..هل هذه القراءة للمرأة في رواياتك صحيحة ؟
نعم، بطلة رواية ” الجسد المر” امرأة عراقية مطلقة هربت إلى السويد. أما بطلة رواية “همس الغرام” فهي امرأة عراقية متزوجة لجأت للسويد لتهرب من حب محرم أكتوي قلبها به.
لقد اخترت هذا الاسلوب لأغطي حياة البطلتين في بلدين مختلفين، فكان لابد أن ارصد شخصيتهما في بلدهم الام ومن ثم اقارنها مع حياتهما الجديدة في المهجر. هذه المقاربة تيسر للقراء فهم التغيرات التي طرأت على حياة البطلتين. كما اذهب مع ما خلصت إليه، واضيف له أن أبطال رواياتي اغلبهم فتيات ونساء عراقيات تنوعت ادوارهن الايجابية والسلبية. إن النص الروائي ينحصر في شخصيات قليلة، فوجود المرأة فيه تمنحه جمالية، جاذبية، وتنمي فيه متعة القراءة في الفرح والشجن. كما أن للمرأة سيمائيات متنوعة تثري النص الروائي.
مهمتي كشف اضطهاد المرأة
س8- اهتمامك بالمرأة كشخصية محورية أو ثانوية في رواياتك ، نابع من موقف من المرأة أم باعتبارها تجسيدًا واقعيًا للمأساة العراقية متجسدة في تنوعات الازمات والمشكلات التي تعاني منها المرأة العراقية ؟
نعم، اقولها بفخر، انا نصير المرأة العراقية التي ظُلمت واجهضت حقوقها، لهذه الاسباب وغيرها أخترت المرأة كبطلة في معظم رواياتي لتتعرف الاجيال الجديدة على ما كانت عليه، وتتساءل ما الذي جرى في العقود الاخيرة، ليتراجع دورها؟. من نافلة القول؛ كلما كان تعليم وثقافة المرأة متدنيين تخلف الوعي الجمعي للبلد وتراجع تطوره، ولن ينهض أي بلد كان من تخلفه إلا بدور ريادٍ للمرأة. من هنا تتجلى مهمتي الروائية في كشف المستور عن اضطهاد المرأة، اضعاف قدرتها، وتحجيم دورها.
رجعت خائب الآمال !
س9- في روايتك ” عقيق النوارس ” يعود بطلك هاني الى وطنه العراق بعد سقوط الدكتاتورية 2003 ، لكنه عاد مهاجراً خائباً محطم الاحلام بعراق جديد ..سأفترض انك هاني العائد الخائب ..هل ضاق بك الوطن أم انك لم تر العراق الذي حلمت به ففضلت المنفى وبقاء الاحلام مؤجلة الى اشعار آخر ؟
أشكرك لهذا الافتراض المجازي رغم اني أصدرت رواية ” عقيق النوارس” قبل زيارتي الأولى للعراق عام 2009. حقا اصبت بالإحباط وبكيت عندما مررت بأغلب مناطق بغداد التي عشت فيها اجمل سنوات طفولتي وشبابي. استوحشت تلك الامكنة وتشوهت صورها في ذاكرتي، إلا أن تلك الزيارة حققت لي الهدوء النسبي الداخلي، إذ فجرت دمامل خنقتني طوال ثلاثة عقود غربتي. أما في الزيارة الثانية 2015 فقد خف وجعي وازداد اصراري للعيش والتدريس في جامعات بغداد. عادلت شهادة الدكتوراه وقدمتها، مع شهادات خبرتي العملية السويدية، إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عسى أن احصل على وظيفة لأعكس خبرتي المتواضعة، واتعرف على الاجيال التي انقطعت عنها، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل ورجعت للسويد خائب الآمال.
تحررنا من القمع الفكري بعد الاحتلال
س10- قلت عن الوضع الراهن في البلاد باننا ” نعيش ولادة جديدة من حيث الوعي والتفكير ” ماهي ملامح هذه الولادة في الوقت الذي يعود ابطال روايات الكثير من الروائيين في المنفى ، الى المنفى مرّة اخرى بأحلامهم الخائبة ، حتى ان احدهم يقول غادرت العراق ثانية لأني لا أريد ان اكون شاهدا على المجزرة “؟!
بعد الاحتلال، تحرر المبدعون العراقيون من القمع الفكري ومقصلة اجهزة الامن. اتسعت حرية التعبير عن الرأي، وازدهرت الحياة الثقافية، الاعلامية، الفكرية ، والابداعية، وتنوعت مصادره. كما تأسست عشرات الصحف، المجلات، القنوات الفضائية، المواقع الإليكترونية، دور النشر، واصبح التواصل مع العالم أسهل، وتوفرت خدمات الانترنت واستخدام التقنيات الرقمية، فتطورت العقول ومنحت الكُتاب فرص التعبير والتواصل الابداعي مستخدمة احدث تقنيات الابداع. لقد ولد عشرات الروائيين الذين يصعب عليّ ذكرهم ، وصدرت مئات القصص والروايات التي فاقت اضعاف اصدارات المبدعين في العراق والمهجر، مذ عهد الرواد الاوائل ولغاية 2003. كما أن تنوع الاحداث المأساوية التي عاشها العراقيون في العراق والمهجر، أثرت خيال الكتاب فاصدروا قصصًا وروايات حداثوية ذات مضامين اجتماعية وحياتية متنوعة ومبتعدة عن الهموم السياسية. هذا الزخم الابداعي الهائل هو ولادة جديدة للمشهد الروائي العراقي. أما خيبة أمال روائيي المهجر(وانا احد هؤلاء)، فهي مشروعة إلى حد ما ذلك انهم تأملوا أن يروا عراقًا حرًا، ديمقراطيًا، يرفل شعبه بالتآخي والسلام، ويعودون إلى رحابه بعد تلك الغربة القسرية ليعيشوا فيه سنوات عمرهم الباقية. لكن ما جرى ويجري حاليًا يتقاطع مع تلك الأماني فعادوا إلى مهجرهم منكسرين.
المهجر منحنا حرية الكتابة
س11- طرقت من خلال بعض شخصيات رواياتك احد اهم التابوات العربية ، وهو الجنس ، وهو خيار اتاحه لك المنفى من المساحات الشاسعة للحرية ، حرية الكتابة والقول ، ما دوافع هذا الخيار اذا كان التشخيص صحيحاً ؟
نعم المهجر يمنح الكاتب حرية الكتابة. لقد وظفت مقاطع غرامية قصيرة، أنت تسميها جنسية، إلا انها كانت عبارات وصفية أدبية بعيدة عن الوصف( البوروني) الخليع الذي يخدش الحياء العام. هذا التوظيف الموضوعي ليس لغرض إثارة شهوات القارئ بل هو يندرج ضمن تسلسل المشهد درامي. نحن نفكر بالجنس ونمارسه بهوس، إلا اننا نُحظره في الخطاب الروائي، أليس هذا تناقضًا صارخًا لا يلبي ميول القراء. أصبح هذا التابو عتيقًا لا سيما ونحن نعيش في القرن 21 ذات التقنيات التي تبيح التعرف على الجنس بسهولة. لابد ان نرتقي بتفكيرنا إلى تقنيات الحاضر ولا نتشبث بتابوات الماضي التي سببت لنا مشاكل اسرية كثيرة. لا اقصد اشاعة الاباحية في الأدب، إنما من الضروري أن يسلط الضوء على الثقافة الجنسية في الخطاب الروائي نظرًا لغياب تلك الثقافة في المناهج التربوية والثقافة الاسرية.
للقاريء دور في النص
س12- عادة ما تترك نهايات روايتك مفتوحة ، حتى تبدو كما لو انك تدعو القارئ ان يشاركك كتابة النص ..هل هذا التوصيف دقيقي ؟
هذا صحيح جدا، واعتمدت هذا الاسلوب لتفعيل دور القارئ في الرواية. يجب ان نستخدم اساليب سردية تجعل القارئ يتفاعل معها يكون له دورًا فيها عسى أن يتحمل مسؤولية توسيع انتشارها وديمومة بقائها، لأنه هو الذي سيرعاها بعد الاصدار. عندما أسحب القارئ إلى أفكار الرواية، وتتسرب إلى عقله ومشاعره، ويبدي رايه في اختيار نهايتها، أكون قد فعلّت دوره في النص الروائي. لو وضعت نهاية مغلقة سأصادر حقًا من حقوقه. الروائي يختار على الورق حدثًا اجتماعيًا، ويضيف له خيالاته، وينمي خطوطه الدرامية ليصل إلى نهاية الرواية لكن لن يصل إلى نهاية الاحداث في الواقع التي ربما تستمر لما بعد صدور الرواية، وتستجد بها ظروفًا لم يتطرق إليها الروائي. إذاً، بقاء الأحداث مفتوحة، تديم عمر الرواية وتبقى التساؤلات مشروعة عن ابطال الرواية، أما انهاءها بحلول قد تتقاطع مع الحلول الجديدة، المستقبلية. ومن جانب مهم اكون قد حرمت القارئ من فرصة اجتهاده في المعالجة الدرامية. ويتخلص، بالوقت نفسه، الروائي من الملامة التي قد يرميها عليه بعض القراء بسبب نهايته المغلقة هذه، وربما يجدون تفسيرات تنعكس سلبًا على تقييم الرواية، فينفرون منها وينشرون أرائهم إلى اصدقائهم او يكتبون في شبكات التواصل الاجتماعي، وهكذا وأكون قد خسرت جمهرة من القراء وساهمت في انحسار نشر الرواية. يتجنب الروائي الخصومات مع القراء لانهم سينفرون من رواياته القادمة، وتنحسر شهرته، بالوقت الذي تضيف اراء النقاد شهرة له. إن غلق نهاية الرواية هو تقوض العلاقة بين المؤلف والقراء.
الاندماج في مجتمعات اخرى
س12- اصدرت كتاب “اندماج العراقيين في المجتمع السويدي بين الأنين والحنين ” عام 2015 في بغداد. يبدو من عنوانه يبحث في آلام الهجرة والحنين الى الوطن.. ما الجديد في محتوى هذا الكتاب؟
خلال عملي في السويد، بمجالات مختلفة؛ معلمًا ومدربًا في سوق العمل، مالك شركة تجارية، مستشار الجمعيات، ورئيس اتحاد الجمعيات الإبداعية في السويد، وجدت تضارب المعلومات عن مواضيع مهمة؛ الاندماج، العادات، خصال الشخصية، قواعد الاسرة والمجتمعين السويدي والعربي. لذا، يمكن لهذا الكتاب أن يكون دليلًا لعراقيي السويد، وللسويديين أيضا، وييسّر بالتالي التأقلم فيما بينهم.
شرحت ظروف لجوء العراقيين إلى السويد وعرفّت بكفاءاتهم المهنية والاكاديمية، همومهم، واحباطاتهم. كما شرحت للمقيم العراقي المفاهيم السويدية الجديدة؛ قواعد التربية الاسرية الحديثة، شراكة مؤسسات الدولة السويدية في تربية الطفل وحمايته، هو وامه، من العنف والاغتصاب، اهمية التأقلم ونتائج الانغلاق. وناقشت ايضا اخفاقات برامج الاندماج التي نفذتها الحكومات السويدية منذ بداية الخمسينات ولغاية صدور الكتاب، وقدمت مقترحات لتطوير برامج الاندماج الجديدة. إن احد اهداف الكتاب هو أن تتحول خطابات الساسة السويديين عن الاندماج من الورق إلى ارض الواقع.
الروائي هو المهندس
س13- اختصاصك الاكاديمي بماجستير ” هندسة الجسور والانفاق ” ودكتوراه في التصاميم الهندسية، هل ترك آثاره على هندسة رواياتك وانفاقها متعددة المعماريات ؟
الروائي هو ذلك المهندس الذي يبني روايته بأسلوب ادبي وفق المواصفات الهندسية الاساسية. إذ يختار المكان الذي ستشيد عليه احداث الرواية. ويختار المصمم والبناؤون، وهم؛ المؤلف، الراوي، المروي له، اما القارئ فهو المشتري لمُنتجه الجديد. كما يختار اسلوب السرد، بناء الجملة، المستوى اللغوي المتدفق، الوصف، الاجناس الادبية، التقنيات الحديثة، ومصادر المعلومات التي يحتاجها الروائي قبل واثناء الكتابة. أخيرًا، ويحدد الجدول الزمني الذي تجري فيه احداث الرواية. هذه كلها هي تشابه أدوات ومواد البناء. كنت كلما انجز فصلا من فصول الرواية اتخيل كأنني اشيد بيتا وانجزت منه جزءًا. لقد كتبت رواياتي بأساليب سردية متنوعة واثثتها بتقنيات حديثة لتصبح مجمعًا ابداعيًا حديث الطراز يبهر القراء، وأنافس في تسويقه المجمعات الروائية الأخرى.
الاحتجاجات اعادت اللحمة بين عراقيي المهجر والداخل
س14 – كيف تقيّم موقف المثقفين العراقيين في المنفى والداخل من حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق، خصوص انتفاضة تشرين 2019؟
في بداية الاحتجاجات كان موقف المثقفين ليس بالمستوى المطلوب لكن هذا لم يستمر سوى أيام قلائل لا سيما بعد أن ابهرتهم شجاعة المحتجين، وتحديهم ازيز الرصاص بصدور عارية، واصرارهم على استمرار الاحتجاج رغم همجية الة القمع التي زهقت ارواح مئات الشهداء الابرار وألاف الجرحى. ارتفع تضامن المثقفين ( كنت احد هؤلاء النشطاء) في دول المهجر وقدموا مساعدات مادية ، عينية، لوجستية، وبعثوا رسائل إلى برلمانات العالم وهيئة الامم والمنظمات الانسانية، وأجروا مقابلات اعلامية، وكتبوا مقالات كثيرة، ونظموا مظاهرات تضامنية، لتوضيح مطالب الاحتجاجات وفضح الجرائم التي ارتكبت بحقهم. احسست أن هذه الاحتجاجات اعادت اللحمة بين عراقيي الوطن والمهجر. واسقطت اليائس الذي قطن عقولنا وبعثت بنا الامل من جديد لبناء عراق حر ومستقر. لقد شرعت بكتابة رواية عن الاحتجاجات إلا أن جائحة كورونا اعاقتني عن الاستمرار، وربما سأكملها في السنة القادمة. اتمنى لهذه الاحتجاجات أن تستمر وتحقق اهدافها.