9 أبريل، 2024 10:12 ص
Search
Close this search box.

الروائي الذي خسر الرئاسة وفاز بنوبل !!

Facebook
Twitter
LinkedIn

على نوبل للآداب قبل سنتين ، يكون الروائي البيروفي ماريو فارجاس يوسا سادس أديب من امريكا اللاتينية يفوز بها .. وماريو فارجاس الكاتب باللغة الاسبانية كما هو معروف عنه منذ روايته التي شهرته ( المدينة والكلاب ) في العام 1962 ، كان قد رشح نفسه الى رئاسة البيرو في عام 1990 ممثلا عن الوسط واليمين ولم يفز امام رئيس حزب كامبيو 90 الحديث العهد البرتو فوجيموري . بعد عشرين عاما من ذاك التاريخ ، حكم على فوجيموري بالسجن فيما حصل ماريو فارجاس يوسا على جائزة نوبل . اذ حكمت محكمة الدولة العليا على فوجيموري بالسجن لمدة خمس وعشرين سنة بعد اتهامه بقتل معارضيه اثناء فترة حكمه في التسعينيات .. وهكذا خسر فارجاس الرئاسة وفاز بنوبل .. ويبدو ان قناعة الأكاديمية السويدية جاءت بعد تميز اعمال فارجاس في عرضه لبطش السلطة وهزيمة الفرد في وطنه ، الفرد الذي لا حول له ولا قوة امام جبروت الطغاة وأعوانهم .. وأعربت اللجنة في ملخص الجائزة بان فارجاس يوسا ( راوٍ موهوب قادر على تحريك مشاعر القراء ) . وتأتي هذه النظرة بعد كتابة فارجاس يوسا الكثير من الروايات الساخطة بحق الحكومات المتعاقبة والتي جعلت الحياة في بؤس شديد على مدار السنوات التي كان يفترض ان تكون البيرو أفضل من غيرها من بلدان امريكا اللاتينية . وروايات فارجاس دقت نعش الفساد وزعزعت أركان الحكومات لما تضمنته من انتفاضة في الرؤية مع إبداء رأيا صريحا وهو ان المواطن البيرفي ، يعاني هزيمة وتراجع امام سلطة غاشمة وفساد أخلاقي وهتك للبراءة ..
ويبدو ان طفولة الكاتب في بوليفيا والتحاقه بالمدرسة الحربية بعد انتقال عائلته الى البيرو عام 1964 ، قد كان لها اثرها في بلورة رأيه المناهض للحكومات التي كانت تعد المجتمع إعدادا عسكرتاريا للحفاظ على سيطرة أجهزة القمع على أنفاس الناس . وفي روايته المثيرة للجدل ( زمن البطل ) الصادرة عام 1966، فضح فارجاس يوسا المعاملة المرعبة التي كان يتلقاها طلاب المدرسة الحربية التي كان هو احدهم ، المدرسة الحربية التي ظلت تعكس هوية النظام السياسي البيروفي وهو يساعد المستعمر في مده بشباب منظم على هواه ، الأمر الذي اجبر الكثير من الدارسين فيها الى الهروب فيما رمي بعضهم بالرصاص بين أدغال الغابات وهم يفرون من قمع المدرسة اللا إنسانية والمتوحشة .. في الرواية ثمة أربعة طلاب كانوا يعدون لانتفاضة ضد المعاملة القاسية في المدرسة وهم يعلمون بأنهم سيشاركون في زعزعة بعض الأنظمة او أحداث انقلابات فيها ، كانوا يثيرون حماس اقرأنهم ويوقضون فيهم روح المقاومة ضد نظام المدرسة القمعي الذي كان يتسلى بعذاب الطلاب المعدين للانخراط في الجيوش السرية بامرة القوى الاستعمارية للاستفادة منها ربما في اسقاط بعض الانظمة او لتنفيذ عمليات سرية ضد قادة معارضين .. انها أكذوبة العدو الوهمي الذي ظلت الأنظمة القمعية تصرخ بها إقناعا للناس الذين ظلوا يعيشون في خديعة طيلة عقود .. المدرسة الحربية فضحها فارجاس يوسا عن طريق شخوص يقودون انتفاضة خجولة في البدء سرعان ما

صارت وجها لوجه امام النظام المتمرس في ادراتها .. حققت الرواية شهرة لفارجاس يوسا في بلده لكنها صارت كابوسا له حين أمرت الحكومة بإتلاف كل النسخ التي عرضت في الاسواق ، لكنها بعدة فترة علت شهرتها الآفاق عندما ترجمت الى الانكليزية .. انها تكشف أساليب العدائية التي تروج لها انظمة المدرسة لطلابها من ضباط المستقبل ، الأمر الذي يؤدي بالتالي الى خلق شعور لديهم بالنفور من الآخرين الذين يظلون متآمرين او في دائرة الشك على الدوام . وكان فارجاس يوسا قد دعا الى تطوير تلك المدرسة بإدخال إصلاحات وتغيرات من شانها نبذ الوحشية وابعاد المفسدين عنها اضافة الى انه فضح المؤسسة الرسمية التي قال أنها تتعاطى الفساد والخيانة في كل مرافق الدولة ..
انها رواية النقد المسلح بالمواجهة والوقوف في مواجهة القوى الرافضة لكل تغيير ونزاهة . ويبدو ان فارجاس يوسا لم يخف رغبته في فضح ألاعيب السياسة ودهاليز المكونات الأخرى للمجتمع حين اصدر روايته المهمة ( حديث في الكاتدرائية ) في عام 1975 . وقد اثارت كتاباته الاولى نفس القدر من الخطورة في طروحاتها كروايته ( البيت الأخضر ) في عام 1955 متخذا من انزياح البراءة والعاطفة لتموت على اسرة الفداحات وخسران الفتيات لإنسانيتهن تحت ملاءات الفحش ، موضوعها المباشر . وسجلت مسيرته الروائية تقبلا واضحا أفصح عنها في فوزه المهم بجائزة سرفانتس في عام 1995 وهي خاصة للذين يكتبون باللغة بالاسبانية وهي تمهيد لنوبل كما صرح البعض .. واعتقد ان الأكاديمية السويدية تنظر الى مواقف الكاتب قبل ان تنظر الى كتاباته .. وان تفحصنا قوائم الفائزين جيدا ربما يتبين لنا كيف ان معظمهم كانوا يمارسون موقفا ما يناغمون فيه أصحاب الجائزة ، وفارجوس يوسا انقلب كليا على افكاره اليسارية التي كانت تميز مواقفه في شبابه وعرف من خلالها ، إضافة الى تأييده للحرب على العراق وهو ما يؤيد اعتقادنا .. ويوسا يأتي سادسا في عدد الفائزين بنوبل من امريكا اللاتينية بعد التشيلية غابريلا ميسترال في عام 1945 والغوانتيمالي ميخائيل استورياس في العام 1967 والتشيلي بابلو نيرودا عام 1971 والكولومبي ماركيز عام 1982 والمكسيسكي اوكتوفيو باث عام 1990 . انها لعبة نوبل في إدهاش العالم في كل مرة ، لتثار بعدها الأسئلة التي تبحث عن إجابات دائما !!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب