19 ديسمبر، 2024 3:02 ص

” الرقيم “والإرث المعرفي

” الرقيم “والإرث المعرفي

لا يمكن ان نفصل المثقف عن بيئته المعرفية التي تحقق نموه الثقافي والفكري والفلسفي والبحثي .. وحين تغيب هذه البيئة او تتقلص مدياتها وتأثيراتها فأنها ستشكل عبر ذلك الغياب فجوة معرفية ترافق الفرد في لاحق  خزينه وتؤثر سلبا في مقدرته على التلقي والفرز ما بين الغث والسمين وحسن الاختيار لما يسهم في تكوين ذائقته وترصين ادواتها المنتقاة ببراعة الباحث عن الافضل دائما.

ومن هنا تبرز أهمية  وجود مجلة رصينة مثل ” الرقيم” التي تصدر عن دار الرقيم للإبداع والنشر في كربلاء وبجهود ادباء المحافظة ودعمهم البعيد عن فكرة الاستغلال والربح والانتفاع ، لذا جاء المطبوع بعدده الفصلي الثالث مكملا لما تفتقده المكتبة المحلية الان من مجلات متخصصة رصينة تذكرنا بمجلات ” آفاق عربية” و” الاقلام” و” الثقافة الاجنبية” في سنوات الاولى والتي كانت اشبه بالمصادر البحثية المهمة اكثر من كونها مجلات متخصصة ..واعتقد انني لست الوحيدة التي حرصت على وجودها في مكتبتها قبل ان تتم مصادرتها معرفيا لحساب انشطة النظام السابق ورغم غيابه الا انها لم تستطع ان تعيد رصانتها التي ابتدأت بها بعد ان غابت عنها اهم الاقلام المبدعة التي ساهمت فيها او التي اشرفت على تحريرها.

“الرقيم” التي يرأس تحريرها الاديب عباس خلف مع هيئة تحرير مميزة بأسم الدكتور محمد ابو خضير والاستاذ باقر جاسم محمد ، تشتغل بحفريات الابداع المتوازن ما بين الآنا والآخر.. والثابت والمتحول لتضم الدراسات الفكرية والنقدية والترجمة والنصوص والسيرة والتجارب مع جوانب الفن المسرحي والسينمائي ولا تقف عند حدود القولبة او الفكرة المحددة بل تنطلق الى مديات تأويلية  تثير جدل الافكار والبحث الاصيل لتسلط الضوء على نتاجات جديرة بالتأمل واشتغالات تستحق التوقف عندها وتحليل منعطفاتها المشتغلة على فكرة تفتيت الصدأ الفكري الذي وجد ارضا قابلة للنماء بفعل انشغالات انسانية باعدت ما بين الباحث عن المعرفة ومشغله واوجدت ثغرات تستوجب التصدي لها قبل ان تستفحل في جسد المشهد الثقافي العراقي.

مجلة تعمل بموارد مادية بسيطة تظهر جليا في بعض التفاصيل الفنية المرافقة لها وتحاول ان تذلل صعوبات التوزيع والنشر والادامة التحريرية عن طريق تكاتف هيئتها التحريرية والاستشارية والفنية لتخرج بطريقة تليق بالمكتبة العراقية، مطبوع مثل هذا يستحق من المؤسسة الثقافية الرسمية الدعم والمؤازرة والتثمين ليحقق التواصل والتجدد والتميز المستمر الذي ابتدأ به حتى لا تتعرض الى حالة صمت لا نريدها لأي مطبوع رصين نأمل ان تكبر مساحة تواجده في كامل التخصصات الابداعية العراقية ليعكس حقيقة المنجز الابداعي العراقي رغم اية ظروف وصعوبات يمر بها العراق وتحت اية ضغوطات مادية او معنوية قد تقف حجر عثرة امامه .

 ” الرقيم”  تقدم لنا وعدا  بإصدار عدد خاص يبحث في واقع الابداع الروائي وخاصة ان هناك توجها عالميا للاحتفاء بالرواية كجنس ابداعي يلقى الاهتمام بحثيا ونقديا ويتابع من قبل المتلقي بمختلف مستوياته اجياله، خاصة بعد ان اسهمت الرواية بأن تكون وثيقة سردية تعكس واقع العراق وما استجد فيه من متغيرات تركت اثارها على كامل الحياة المجتمعية .. وعود كادر المجلة تبشر بالأفكار التي تستمد ثباتها من اصرارهم على التواصل والتحدي والتميز وتقديم الافضل للقارئ العراقي الذي هو دائما يأخذ مقعد المشارك في الافكار الناجحة المنتجة لمصداقيتها ويعمل على انضاج الافكار التلاقحية ما بينهم ليستكمل دورة الابداع وتفصيلاتها المتجددة.

” الرقيم” وبجهود من تصدوا لإيجادها وصلت الى العديد من المحافظات العراقية ووجدت مكانا لها في المكتبات الخاصة والعامة واستأثرت باهتمام المتخصص والقارئ العادي الذي وجد فيها مشروعا ناجحا  هو بحاجة اليه وسط  الكم الهائل من الاصدارات التي عملت على تحبير الصفحات البيضاء دون ان تترك بصمتها الابداعية في الذاكرة البحثية الحقيقية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات