22 ديسمبر، 2024 6:58 م

الرقص مع الذئاب …واشكالية العلاقات العراقية الايرانية العربية

الرقص مع الذئاب …واشكالية العلاقات العراقية الايرانية العربية

 بداية ، دعونا نتذكر أن العراق كان القوة الاقليمية الكبرى الموازنة في المنطقة  تجاه الاقطاب الاقليمية الاخرى . الا أنه تحول ، بفعل ألأخطاء الستراتيجية للنظام السابق ومنها ارهاصات حرب الكويت عام 1990 وماتبعها ثم الغزو الاميركي عام 2003 الى الحلقة الاضعف في سلسلة القوى الاقليمية …أمن مفقود ، تخبط سياسي داخلي وخارجي ، أزمات متناسخة وفساد مستشري وصراع مستشرس على غنائم السلطة .. وقوة عسكرية وامنية مترهلة غير قادرة على حماية أمن المواطن فكيف تحمي الحدود ، في الوقت عينه يتزايد قطعان الذئاب التي تهاجم البلد من الجهات الاربع …تنهش لحمه وتلعق دمه ..ولا تريد له ان يستقر وان يمضي قدما ، ولكل من وراء ذلك اهدافه الخاصة .
    في هذا المشهد السريالي المثير للرثاء ، نرى الكتل السياسية ، على اختلاف الوانها وطوائفها وشعاراتها تنتهج انتهازية رخيصة ، تسعى لتحقيق مصالحها الفئوية الضيقة على حساب مصلحة الوطن ، فتهرع لتولم للذئاب الجائعة ، بل وتتزلفها لتشاركها في حفلة رقص ماجنة مجنونة …ويزين لها عمى البصر والبصيرة أن الذئاب يمكن الوثوق بها وان وان الرقص معهايقويها على خصومها غير واعية أن الذئاب لن تتوانى عن عضها او الغدر بها … فشيمة الذئاب.. اللؤم.
    تعددت حلبات الرقص مع تنوع الراقصين والذئاب المتوثبة ….فهناك من وقع في هوى الذئب” الاسلامي ” الايراني وأقنع نفسه انه اقرب اليه من اخيه وجاره لمجرد انه من نفس سلالة طيفه ، فسلّم له مفاتيح بيته واهله ، وأجلسه على كرسيه..وبات يحتمي ويستقوي به على الاخرين ،متناسيا تاريخا طويلا من النزاعات والحروب لا يمكن القفز فوقها مرة واحدة ببساطة  ولا بد من تسوية وتمهيد الارض لهذا الانتقال ….فالانتقال من خانة العدو الى خانة الحليف بجرة قلم كمن يعبر شارعا مكتضا وهو مربوط العينين..فادخلوا البلاد والعباد في متاهات واحتقانات طائقية وفئوية ، وممارسات وطقوس شكلية  تذهب بالعقل وتشل ارادة الانسان ، وتعصّب يكاد يقضي على ماتبقى من لحمة وطنية .
…وهناك من  اختار الرقص مع الذئب ” السلطاني “التركي ، حامي حمى السنة التاريخي ( وفق تبريراته )فجعله مثله الاعلى والوكيل الحصري لتمثيل الطائفة وفوضّه التحدث باسمها والمعبر عن همومها …شاطبا مئات السنين من معاناتنتا ، والتي سميّت لهولها بـ ” الفترة المظلمة ” التي حكمنا فيها الذئب العثماني ” السني ” العائد اليوم تحت مسميات النيوعثمانية من باب الطائفة .
    ولا يفوتنا بالطبع ذكر البعض من ذوي الميول ” الامبريالية ”  ، من الذين  “ناضلوا ” طويلا في مرابع العواصم الغربية ودهاليز مخابراتها وخدموا الاحتلال الاميركي بكل اخلاص وتفان ، وتجشموا عناء مشاركته حرب تحريره لنا من جلودنا ، فهم مازالوا في مازالوا على العهد في خدمة الذئب الاميركي الامعط الشرس ويراهنون عليه في اخافة باقي ذئاب الغابة الشرق اوسطية …ولانه راقص ماهر يجيد الرقص على انغام السمفونيات الديمقراطية التي تعزفها صواريخه الجوالة وطائراته التي دمرت بلدنا .فأدخلنا الدبابير الصهيونية  والمتصهينة الى داخل غرفنا …واشبعنا لسعات وموتباسم الديمقراطية والحرية .
 وأخيرا هناك من اكتشف ان الرقص مع الذئب الوهابي السعودي والاخواني القطري والحاقد اللئيم الكويتي اكثر متعة وأمان باعتبارهاذئابا عربية ” أصيلة ” ( منك وفيك )…وعلى قاعدة ” ما حك جلدك مثل ظفرك …فغرقنا في طوفان تكفيري وتطرف ديني متأسلم لا يشبع من حفلات قطع الرؤوس ولا التفجيرات المتنقلة التي تحصد الاخضر واليابس ..دونما تمييز، وكل ذلك في سبيل الله واعلاء شان الاسلام ولنكون ” شر امة اخرجت للناس ” بعد ان جعلنا محمد الامين أخيرها .
 هل لنا أن نؤكد لكل ذي بصيرة ان الرقص مع الذئاب لا يقدم لنا نموذجا صالحا للحياة …وهل رايت بعمرك ..حضارة بنتها انياب الذئاب ومخالبها ؟ فمن يرقص مع الذئاب فهواذن يعترف بوصايتها المتوحشة عليه ، وعليه أن يتعامل مع الاخرين بمنطق الذئاب وليس بمنطق الانسان حتما .
   لكن هل نلوم الذئاب على عدوانيتها وفضاضتها ؟ فهي بالنتيجة  تتعامل معنا بفطرتها الحيوانية … ام نلوم من نزل الى دركها وتآخى معها الى دعوتها الى مخدعهلتشاركه الفراش ، فخادع نفسه وخادعنا بالرهان على وداعتها ؟ أم توهم ان الذئاب يمكن أن تستأنس ان هي  لبست اثواب الحملان ؟…فهل نسينا قول شاعرنا القديم : ” اذا رأيت انياب الليث ظاهرة فلا تحسبن أن الليث يبتسم ” .
من يراهن على المقاربات الطائفية لتبرير ارقص مع الذئب الفارسي نقول : ايران ( او بلاد فارس حسب التسمية التاريخية القديمة ) ، وعبر تاريخها لا تحكمها الايديولوجيات مهما كان شكل وطبيعة نظام الحكم القائم فيها – امبراطورية كانت ام شاهنشاهية او اسلامية او دولة ولاية الفقيه . أيران توجهها دائما مصالحها الحيوية التي تمليها ثوابت جيوبوليتيكية ومصالح متجددة …وعلى مدى التاريخ كان الغرب ( منطقة الخليج والعراق وبلا الشام وصولا الى سواحل المتوسط ) هو المجال الحيوي للتوسع والنفوذ الايراني ، فدخلت في صراعات وحروب مع الامبراطوريات القديمة ( اليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية والعثمانية ) ومع الدول الحديثة في عهد ولاية الفقيه . ولم يمثل الشرق حيث الهضبة الايرانية المجدبة والشعوب الهندوارية ورائها منطقة جذب للستراتيجية الايرانية . ويخطئ من يظن ان ايران تحركها العصبيات المذهبية ، لكنها تفكر بالمنطق الامبراطوري في تحركها الستراتيجي ، والورقة المذهبية لا تشكل الا اداة من الادوات الفاعلة التي تستند اليها عناصر القوة حركتها تلك على الارض ( اضافة لعامل العمق الجغرافي والديمغرافي والموقع الستراتيجي المهم والثروات النفطية والارث الحضاري والتاريخي للدولة الايرانية ) .
   لقد أدى الغزو الاميركي لكل من افغانستان والعراق والسياسات الاميركية المرتبكة فيهما ، واخلاص وبراعة القيادة الايرانية في ادارتها للازمة والاحداث ، الى جعل ايران الرابح الاكبر من هاتين الحربين …فتعزز موقعها كدولة اقليمية عظمى ذات دور فاعل في منطقة تمتد من باكستان الى سواحل المتوسط ….وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها…وقد وعتها اميركا بعد فشل كل عقوباتها وحصارها لايران ، وبدأت تتعامل معها مؤخرا وفق ذلك ، معترفة بدور ايران على الرغم من الاستياء الشديد لحلفائها العرب الخليجيين الغير قادرين على قراءة خرائط المتغيرات الستراتيجية على الارض كما ينبغي ، فتراهم دائما متاخرين خطوة او خطوات عن ايران وعن العالم .
   دول الخليج ، بقيادة السعودية ، على الرغم من ثرائها الفاحش ونفوذها المتأتي من ذلك في العالمين العربي والاسلامي وعلاقاتها المميزة مع الغرب ، مازالت بفعل التركيبة السياسية التي تحكمها ، تفكر بمنطق القبيلة الذي لم يعد له مكان في سياسات عصر العولمة ….لكن عقلية القيادات القبلية والعائلية الحاكمة فيها لا تسمح لها بالخروج عن هذا المنطق ….فأرتكبت خطا فادحا على المستوى الستراتيجي ؟ فتوهمت أن امتلاكها للمال النفطي والاعلام كاف لشراء الذمم وايصال رؤاها المتخلفة وتفسيرها القاصر لحركة التاريخ والاحداث في المنطقة لاحداث التغيير المطلوب لصالح انظمتها في البلدان العربية . ويخطئ من يراهن ان انظمة الخليج تتحرك بدافع قومي ومصالح عربية، فقد طوت هذه الدول هذه المرحلة من زمن طويل ، وتحولت الى انظمة انانية لا هم لها الا توطيد دعائم حكمها الذي لا يمت للعصر الحديث بصلة عبر شراء الرجال والانظمة بالبترودولار ونشر مفاهيمها الدينية في المنطقة المركزية من العالم العربي ، حتى لوكان ثمن ذلك خراب العرب  وتفتيت وحدة بلدانهم كما يحصل في العراق وسوريا ومصر وليبيا الان ، وهذه بعض الامثلة :
– سمحت هذه الدول لنفسها مشاركة اميركا ، بدافع الحقد والانتقام البدوي ، بتدمير القوة العراقية الوازنة في المنطقة ، فخلى الجو لايران لملأ الفراغ ، لان هذه الدول ليس لها امكانيات ملا الفراغ الحاصل بفعل عوامل الخلل الجيوبوليتيكي التي تعاني منها ، الامر الذي سمح لايران التمدد في العراق وحتى في دول الخليج نفسها .
   –   التعامل الغبي مع مفرزات الاحتلال في العراق ومع احداث المنطقة ، والتنافس الشخصي والارتباط الخارجي لكل دولة فسح المجال للخلافات البينية ان تستشري فيما بينها فاضعفت موقفها ، فاندفعت لتقويض الاوضاع في العراق وليبيا وسوريا ومصر ،فاوجد ذلك حالة عداء مستحكمة مع النظام الجديد في العراق  وغير العراق ومع قطاعات واسعة من الشعب العربي  ، وكاد الخليجي  ان يكون بمنزلة العدو بدلا من الشقيق .
 – القصور في فهم مايجري من متغيرات عامية واقليمية جعلها ترمي بكل ثقلها لتحويل الصراع في المنطقة الى صراع مذهبي سني – شيعي متجاوزة كل اسباب الصراعات الاخرى ( العربي الصهيوني – الصراع من اجل الحداثة والتجديد – الصراع من اجل الحرية والديمقراطية والامن والسلام في المنطقة – الصراع بين الانظمة الفاسدة والشعوب المغلوبة على امرها ….الخ ) …معّولة على شد عصب الغالبية السنيةعاطفيا في المنطقة ….فبدات حملة شرسة في نشر الافكار الوهابية والاخوانية والمتطرفة ودعم الجماعات الاصولية وتجييش البشر وشراء السياسيين واصحاب المصالح في كل من العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها … يسوقها امل في فرض عقلية القبيلة والعصبية البدوية في مجتمعات عمر حضاراتها الاف السنين ، وكل ذلكمن أجل محاصرة المد الايراني  ( الذي بينا ان منطلقاته المذهبية لا تمثل هدف الستراتيجية النهائي )…فنفخت في روح الطائفية المهلكة فانفتحت ابواب جهنم لتحرق المشرق العربي باكمله …وسترتد عليها نسائمها الحارقة بالتاكيد في حين لم يزد ذلك اعدائها “الطائفيين” – ايران وحلفائها  الا الى أن يكونواأكثر توحدا وتنظيما واستشراسا في المواجهة ، والى استكمال مستلزمات مادعي بـ ” الهلال الشيعي ” الممتد من ايران الى سوريا ولبنان ..
   مايهمنا هو حماسة البعض ” الطارئين  ،( مثل أبن  اخت الخياط الذي خاط ثوب العروس ) في الاندفاع بكل حمية للرقص ( حتى الكاع ) في حلبة رقص لم يدعوه اليها احد ، وان يدخل في معمعة ليس له ىفيها لا ناقة ولا جمل …فانساقواللقتال ليتوزعوا الادوار مناصرين الفريق الايراني والفريق التركي والفريق الخليجي ( بشقيه الوهابي والاخواني ) …تدفعهم نوازع تعصب اعمى وانغلاق عقلي واحتقان طائفي …وغاب عن الوعي أي تفكير رشيد في ملحمةمعركة الذئاب .. او قل صراع داحس والغبراءالجديد …هذا الذي من المنتظر له ان يعمر اكثر مما عمرت االاولى حتما بسبب وفرة الاموال والرجال والتحريضات .
في حمأة الوغى المستحثة هذه …تم الدوس بكل بطولة ورباطة جأش على الهويات الوطنية والعروبية والاسلامية وحتى الانسانية للمواطن لصالح هويات تفتيتية طائفية ومذهبية ضيقة تحمل في طياتها خراب مجتمعاتنا وبلداننا ….وراح الجميع يرقص مع ذئبه المفضل رقصة ” الفناء “وحتى النهاية. وتم استبدال صورة الزعيم الوطني بمقياس عبد الكريم قاسم ، والزعيم القومي بهامة جمال عبد الناصر ، بصور المعممين واصحاب الذقون على  اختلاف “ستايلاتها “، وبصور ألاقزام من السياسيين الطائفيين والفاسدين والسراق والانتهازيين والمتملقين والكذابين المتلطين خلف لافتات اسلامية لخداع الناس .
ومع اقتراب ” اوكازيون ” الانتخابات ، اشتد أوار المزايدات، فدفع الحماس والاخلاص ممثلي الشعب الى أن يتابط كل منهم حقيبته ناويا الحج الى حظائر الذئاب الراعية له للاستزادة بالنصائح المفيدة وخرجيات الجيب ولتاكيد آيات الحب والوفاء، فهذا يمم وجهه صوب بلد الولي الفقيه ،وذاك  واشنطن واخرين استنبول أوالرياض وغيرها ، في مشهد مبتذل في مسرحية بائسة تصور حال انتخابات مسخرة زائفة ومزيفة لارادة الناخب الحقيقي الذي ليس له أرب في كل حفلات الرقص الماجنة هذه.
 السؤال الان لم يعد لماذا وصلنا الى هذه الحالة وكيف ، بل كيف نتخلص من الورطة التي وضعنا فيها الراقصون الداعرون الذين بصمنا على انتخابهم في عّزفورة التطييف والتجييش فضيعونا وضيّعو البلد ؟ وكيف نحيّد غدر الذئاب التي جلبوها الى مرابعنا بمنطق أهل الجهل (فان كان أذاها حاصل بكل الاحوال فعلى الاقل العمل على تقليله الى حدوده الدنيا ) ؟
 الحل لا يكون بشعارات فاقدة مصداقيتها على مثال الدعوة الى نبذ الخلاف  ، فالخلاف حقيقي وواقع و سيبقى لفترة طويلة مستحكما بين الافرقاء بعد ان تم استزراعه قهرا وتامين ظروف استنباته ،أنما الحل هو كيف ندير الخلاف فيما بيننا ؟اي ايجاد الترتيبات اللازمة لادارة الخلاف كي لا يستفحل الى نقطة اللاعودة..وان نجد القواسم المشتركة التي نتفق عليها لاستمرار تعايشنا…وهي حتما قواسم أن نظرنا اليها بعين الصدق والموضوعية اكثر بكثير من مكامن الخلاف التي اغلبها سطحية . ان نقطة البدء التي لا بد منها تكون في التخلي عن الرقص الخطر مع الذئاب . وبعدها يصبح بالامكان التخلص من الافكار والنظرات المسبقة كشرط للانفتاح على الافكار الجديدة التي افرزها الواقع المتغير باستمرار والا تحول طول النواح على الماضي الدابر اكثر حزنا من النواح على اطلال بثينة .
  حملات التخوين بحق الشيعة العراقيين وعدم تمييزهم عن شيعة السلطة من ذوي المصلحة او الاجندة الايرانية ، وتحميل ايران كل رزايا حاضرنا انطلاقا من خلفيات طائفية ودفع خليجي ومن تراكمات الماضي ، لن تفيدنا في التملص من انياب الذئب الايراني ، بل تدفع بالبعض أكثر الى التفرس والتقوقع خلق متاريس اكثر طائفية وحتى اجرامية .
  واللاهثون خلف حلم الخلافة الاسلامية الجديدة …سلطانيةأو اخوانية او سلفية وهابية وغيرها يجب ان يعلموا ان ليس لها في واقع الحال نصيب …كما ان القائمين عليها انها ليست اقل شرا من ولاية الفقيه ، فهل نتملص من ايران الامبراطورية لنقع في فخاخ الذئاب القبلية والنيوعثمانية المتزمتة ؟ ….الكل يضحك علينا باسم الطائفة او القومية ، فالطائفية سلاح يستخدمه الجميع في حرب قذرة ندفع في العراق ثمنها الفادح في حين يكتفون هم في دفع بعض فائض من اموالهم وبعض من اعلامهم ، تاركين للمتحمسين والجهلة من العراقيين اكمال المشوار الاصعب . لا دولة امامة ولا دولة خلافة جديدة تصلح لان تكون المثال المحتذى حتى لو كانتا من الله …لان ماستثيراه من صراع يغلب قدسيتهما ….
كما نقول لمن ارتضى الرقص مع الذئاب الاقليمية : هل صار العراق العظيم من الرخص والهوان بحيث تقبلون ان تكونوا أجراء او وكلاء بثمن بخس لهذه الدولة او تلك واضعين مستقبل البلد رهينة بانياب ذئاب لا تعرف الا اللؤم والغدر ؟ فان هانت عليكم انفسكم فليس لكم الحق في جر البلد والناس الى المستنقع الذي فيه تنعمون وتشعرون بطيب المقام …فما هذا بالمقام الطيب لبلد عريق وشعب اصيل .
ونقول ايضا لهؤلاء لو كان فيكم ذرة من احترام الذات والاحساس  بالكرامة والانتماء الى الوطن  لما بعتم بلدكملشيطان غريب  ؟فلا تصدعوا رؤوسنا بهتافاتكم وشعاراتكم الفارغة والكاذبة …فكذبتكم لن تدوم طويلا .اعرفوا ان قيمتكم عند اسيادكم او من سيدتموه على انفسكم طوعا او كراهية …. لا تعدو قيمة العبد الذليل مهما ارتفعت مناصبكم والقابكم .
    شيعة العراق ليسوا فرسا مجوسا وان كان هناك نفر قليل تفرّس (لغاية في نفس يعقوب ) …وهؤلاء يجب تعريتهم وتمييزهم . شيعة العراق من انقى قبائل العرب وهم العمود الفقري للعراق العربي ..وكل من يشكك في ذلك فهو في حلف مع الشيطان …ان لم يكن الشيطان ذاته .
والتشيع العربي معروف بالاعتدال ويجب تنقيته من الشوائب التي داخلته بفعل التاثيرات المستتحدثة المستوردة من الجار الايراني والمرتبطة بالميثالوجيا الفارسية القديمة والتفسير المبتسر لبعض قواعد الفقه الاسلامي والمبالغة بالطقوس والشكلياتالتي تبعد المذهب عن الطريق السوي وحتى عن الدين ذاته  في بعض الامور مما يقوي منطق وحجة التكفيريين والطائفيين في الجانب الاخر.وان تطرف بعضشيعة السلطة ومن والاهم من ايرانيي الهوى والممارسة السياسية  ، ومن يوسوس لهم من جيوش المستشارين الفاشلين لانتهاج حكم يقوم على العزل الطائفي واعادة تجسيد ، وهم ماسكون للسلطة التي لم يكن لهم فضل في استلامها بعد ان نصبهم المحنل ، مظلوميتهم التاريخية في غيرهم من ابناء طائفتهم ومن ابناء السنة والتعميم في اتهام طائفة باكملها وبرموزها وشيطنتها وتكفيرها لا بد وأن تجد ارتدادات معاكسة ، تجعلهم يندفعون في رقصة الموت مع الخليجي والتركي …
من تطرف من اهل السنة طوعا او قسرا …سواء كانوا جهلة او واعين لفعلهم هذا …هم قلة يتبعون الشيطان الذي يوسوس في صدورهم ويدس الاموال في جيوبهم …فتطرفهم يدفع بالمجتمع الى ردة ظلامية تغلق كل كوة للنور يضيئ حياتنا …ويجعلنا اسيري فكر يسحبنا الى الخلف بدلا من ان نمضي الى الامام كما سنّ الله شرعته ، ويجعلنا نغرق متاهات الحرام والحلال بشكل يعطلنا عن اي فعل ايجابي في الحياة ….كما يدفع سلوكهم وتطرفهم وعدوانيتهم بعض الشيعة الى حضن الذئب الايراني والذئب الاميركي للتوقي….
الرقص مع الذئاب الاقليمية مهما تسترت خلف التسميات والطروحات ، لا تعني الا السير في درب الانتحار الذاتي . ومهادنة الذئاب لن تحمينا من عضاتهم المميتة، وحين نترك حبل التطرف على غاربه لعتاة المتطرفين ( شيعة او سنة ) لا يرون الدين أبعد من نصوص جامدة.، نكوم  وقد افرغنا الساحة للشياطين وجلسنا نتابع رقصها مع الذئاب مستسلمين للقدر المحتوم.
رحم الله المؤسسين الاوائل للدولة العراقية الحديثة الذين كانوا اذكى بكثير من سياسيي اليوم واكثر وطنية منهم ..عندما ابعدوا شر الذئبين التركي والايراني اللذين كانا يتربصان بالدولة الجديدة بأن بنوا افضل العلاقات مع الدول الكبرىفكان ذلك حماية للدولة الحديثة ، وهندس المرحوم نوري السعيد حلف بغداد ليحيّد خطر أطماع ايران وتركيا سوية ويعطي العراق الصغير ثقلا في المعادلات الاقليمية تزيد مناعته واستقلاله ( بالرغم عن كل ماقيل عن الحلف المذكور الذي لم يكن الا نتاج الهبة القومية المراهقة  في حينها )،  كما نجحوا في ابعاد العصبية الدينية والقومية والطائفية عن شؤون الحكم وسلوك الدولة … فكانت الدولة العراقية دولة مدنية بحق تراعي حقوق الجميع على قدر المساواة ( المساواة المطلقة حلم لا ينال بطبيعة الحال ) ، دولة قانون حقيقية لا مجال فيها للفتاوي ولا للعمائم ان تتحكم باي شان من شؤونها …ولو قدّر للملكة العراقية الاستمرار من 1958 وحتى الان لكان العراق من ارقى واغنى دول المنطقة واكثرها تطورا ورفاهية  .
نذكّر مرة اخرى …أن كلا المنطقين : الامبراطوري الايراني ، والقبلي الخليجي ، يلحقان الضرر بمصالح العراق  …فليس هناك داع اذن للدخول في جدل بيزنطي حول ايهما اهون …وفي نفس الوقت علينا الاعتراف بالمتغيرات الحاصلة على الارض بواقعية علمية تتمسك بالثوابت لكنها تنفتح على المتغيرات والابتعاد عن الخطاب التحريضي المؤذي …ولنردد ماقاله الجاحظ قبل مئات السنين : “الاعراف تتبدل مع أن الجوهر باق …فالجوهر تحكمه نوازع الانسان الثابتة ، اما الاعراف فتتبدل وظيفتها اذ تشذب الجوهر لكنها لا تلغيه ” .
    لنعترف ان للجميع مصالح يجب ان نراعيها حين لا تصطدم مع مصالحنا  ، واذا ما صطدمت فهناك اجراءات وقواعد للحل والمساومة والتسوية …فقوة العراق اليوم لا تسمح له بالاصطدام لان ذلك يؤذيه اكثر مما ينفعه . ايران دولة كبرى في المنطقة وعلينا التعامل مع هذه الحقيقة وفق اطار المصالح المشتركة دون ان نسلّم بمنطقها الامبراطوري المتعارض مع مصالحنا العليا…في نفس الوقت الذي يجب فيه عدم الانسياق خلف سعير المنطق القبلي الخليجي الذي لا يتاتى منه الا الخراب بعد ان فقدت السعودية وحليفاتها الخليجيات رشدها السياسي السابق وانساقت خلف التحشيد الطائفي المقيت …فالعراق له مصالح حيوية في الخليج يجب تامينها بالطرق المعقولة ولنقيم العلاقة مع هذه الدول على اساس ان العراق اكبر دولة عربية خليجية ( وهو الدور الذي تحاول السعودية والكويت تجريدنا منه بسلوكها خلال السنين الماضية ) ولها دورها الموازن في المنطقة لكن بعيدا عن لعب ادوار البطولة والخطابات والسياسات التحريضية كما في السابق ….
     وبعد استتباب الامن فلا مناص من اعادة بناء القوة الذاتية العراقية المقتدرة فهي الضمان للحفاظ على مصالحنا الحيوية وابعاد قطعان الذئاب ومن استهواهم الرقص معها عن حدودنا والتحكم بمقدراتنا …. وليبتعد الجميع سنة وشيعة عن الطروحات التي لا تصب الا في اضعاف الوطن…فالسعير الطائفي لا يخدم في النهاية الا مقولة ايمن الظواهري الخائبة ” الاسلام شجرة لا ترتوي الا بالدم “…فالعرق بلد الحضارات قادر على اعطاء المثال للاسلام المعتدل المتسامح الخالي من سفك الدماء لا في التطبير العاشورائي ولا في قطع الرقاب تحت صيحات الله اكبر الداعشية ….