في مشهد لكوميديا الحياة السياسية التي ترافقنا لأكثر من عقدين، سجلت كاميرا المخرج صراعا خاصا أبطالها من أصحاب الكراسي المتخاصمين على وليمة السلطة التشريعية، لتتحول لحظة من عمر مجلس النواب لحلبة مواجهة يتراقص فيها الباحثون عن مطرقة رئيسه، بعد نحو سبعة اشهر على فقدانها، لتكون النتائج خسائر بدنية طفيفة نتائجها، إصابات بالراس بعد دخول “شاحنة” الهاتف النقال ضمن ادوات حسم المواجهة.
نعم.. فالحكمة القديمة تقول “اصدقاء السياسة اعداء عند الرئاسة”، وهي كلمات بسيطة اختصرت ماحصل بين القوى السنية وخلافهم على رئاسة مجلس النواب الذي تطور “لشجار” واشتباك بالأيدي تحت قبة برلمان الشعب كما يحلوا للبعض تسميته، ليرسم من يدعي تمثيله للمكون السني الصورة الحقيقية لواقع “مرير” تعيشه العملية السياسة بفضلهم، وتكشف حجم المصالح التي تتحكم بنوابهم بعيدا عن حقوق من يمثلونهم، فكرسي رئاسة البرلمان اصبح اغلى ثمنا وافضل من التصويت على القوانين المعطلة التي تخدم “عباد الله”، والدليل الذي لا يحتاج لتفسير من قبل “المنجمين” ان مشاجرتهم في مجلس النواب لم تكن على القوانين المعطلة وليس لاقرار الموازنة المتأخرة او لانصاف محافظاتهم المتضررة، بل على العكس انما سجلت السبق في التنازع على حجز مقعد الرئاسة وامتيازاتهم في تحقيق الزعامة على جمهورهم.
وعلى الرغم من فشلهم في اكثر من مرة بالاتفاق على مرشح “وحيد” ينهي الازمة المستمرة، لكنهم يحاولون “جر” الاخرين لساحة المواجهة وتحميلهم المسؤولية، ليجعلوا القوى الشيعية التي يمثلها الاطار التنسيقي في خانة الاتهام باعتبارهم المعطلين لاختيار رئيس مجلس النواب، وقد يتفق معي الكثير او يختلف، باعتبار ان بعض اطراف القوى الشيعية “مستفيدة” من تأخير تسليم كرسي الرئاسة لصاحبه بحسب “المحاصصة”، لكن تلك الجهات وسياستها لا تمثل السبب الرئيسي بعملية التعطيل، لانه وببساطة لا يمكن منافسة القوى السنية على “صدارتهم” في عرقلة تسمية الرئيس الجديد، لاسباب عديدة يمكن تقسيمها بحسب اضلاع القوى السنية، فرئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي صاحب “اعلى” الامنيات ببقاء كرسي البرلمان بدون رئيس اصيل، حتى لا تنتزع منه صفة “الزعيم” وتذهب لمنافس اخر من محافظة الانبار ذاتها وبالتالي تضيع الزعامة والجمهور، فتجده يدفع باتجاه منحها لمرشح بعيد عن محافظته حتى لو كان ضعيفا ولا يمثل حزب تقدم، في وقت تتمسك الاضلاع الثلاثة في البيت السني (السيادة ، الحسم ، العزم) بفرض مرشح من الانبار حتى يسلب الحلبوسي جميع امتيازاته ويفضلون بقاء المنصب شاغرا، وعدم منحه لمرشح لا يوجه الضربة القاضية لتقدم ورئيسه.
لكن.. بعض اركان القوى السنية التي تعتبر من المساهمين بالتعطيل، وجهت بوصلة الاتهامات لرئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي واطلقت حملة ضده تحت شعار “المعطل”، وجعلته المسؤول الاول عن ضياع الكرسي من مرشحها سالم العيساوي بعد حصوله على 158 صوتا مقابل 137 صوتا لمنافسه محمود المشهداني في الجلسة الاخيرة، التي رفعها المندلاوي حينما تحولت “لسوگ هرج” بعد المناوشات بين نواب تقدم والعزم والسيادة، والحصيلة كانت “ضربة على الراس” تلقاها النائب هيبت الحلبوسي من مواطنه احمد الجبوري بشاحنة تلفونه النقال، في تدخل حسم “حفلة السب والشتم” بين هيبت ورئيس تحالف العزم مثنى السامرائي، لنشاهد بعدها ومن خلال مقاطع الفيديو المسربة عن الجلسة كيف ارتفعت اصوات ممثلي الشعب بانواع الشتائم والتوصيفات، لتلتحق كواليس الجلسة بارشيف الحوادث التاريخية ضمن صفحات السلطة التشريعية، في حين ستعجل تلك الاتهامات التي يسوقها تحالف السيادة ضد المندلاوي، بضياع كرسي الرئاسة من العيساوي وتدفع جميع المصوتين للالتحاق بمرشح الحلبوسي وحينها سيكون العذر، غياب الثقة بخميس الخنجر.
الخلاصة.. إن المسرحية الهزلية التي شاهدناها عبر شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي لجلسة اختيار رئيس البرلمان ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، فاغلبنا يتذكر ماحصل خلال جلسة اختيار رئيس السلطة التشريعية بعد انتخابات العام 2021، وكيف “اعتدى” نواب الكتلة الصدرية قبل انسحابهم على “كبير السن” حينها محمود المشهداني، وبالتالي فان استمرار القوى السنية بعدم الاتفاق وتحميل الاخرين مسؤولية “فشلهم” سيجعلنا نشاهد المزيد من حفلات الرقص على منصة مجلس النواب وسيثبت بانهم اسوء “نموذج” للقوى السنية منذ تشكيل العملية السياسية.. ولعل مافعله رئيس البرلمان بالانابة، برفضه عقد جلسة اخرى لحين الاتفاق على مرشح واحد افضل الحلول رغم تاخرها.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل سيعود الجمهور لانتخاب ذات الطبقة المتصارعة على كرسي الزعامة.