23 ديسمبر، 2024 2:14 م

الرقص على صفيح ساخن

الرقص على صفيح ساخن

نسمة باردة عذبة استنشقتها بملء رئتيي , كانت تلك افتتاحية المهرجان الثقافي , لوحة راقصة رائعة الجمال استذكر فيها حضارات العراق المتعاقبة , دجلة والفرات وهما يفيضان الخير والعطاء من الشمال متجهة الى الجنوب ويصحبهما عزف موسيقي رائع ومبدع , ونحن نسمع خريريهما , تتراقص على انغامهما فراشات عراقيات يتراقصن بهيبة وجمال أخاذ , لقد عشت ساعة من السعادة التي نفتقدها او افتقدناها منذ سنين , تلك اللوحة الجميلة وانا ارقبها كان امران يقلقاني , اولهما خوفي ان يحدث ماينغص هذه السعادة كأن يحدث تفجير ارهابي يقتل هذا الفرح الجميل , وثانيهما هو الراقص الرئيسي في هذه اللوحة فلقد كان يبدو متعبا مرتجفاً وهو صاحب كرش كبير وكنت اقول ليت القائمين على المهرجان وجدوا شخص اكثر رشاقة منه
وأنا اراقب هذا الحدث , كانت يداي وقدماي تتحرك مع كل حركة جميلة كنت فرحا وكانت تنسال دمعه بدون وعي مني دمعه فرح واشتياق الى الايام الخوالي من الزمن الجميل الذي مضى . تتراقص الفراشات العراقيات وينقلن أقدامهن  نقلات سريعة بعد ان يضربن الارض بخفة ورشاقة , تخيلت ان ارض العراق ساخنة تلسع اقدام فراشاتنا الزاهية , كأنهن يرقصن على صفيح ساخن  وأرض ملتهبة تغلي ولكن هذا لم يمنعهن من الرقص بل زادهن بهاء وآلق

نعم نعيش ظروف صعبة نعيش عراك سياسي وفتنة طائفية وتدخلات اقليمية وفساد ودمار ولكن كل هذا لم يمنع من قيام هذا الحدث الكبير , ولم يمنع ايضا دعوة السيد نوري المالكي للمثقفين العراقيين بالمساهمة  ببناء عراق ديمقراطي موحد , والتثقيف بالوطنية والابتعاد عن التطرف الديني ووأد الفتنة الطائفية , هذه الفئة التي حاربها السيد المالكي واتهمها اتهامات عديدة  يدعوها اليوم للمساهمة ببناء الوطن و بنشر الوعي الثقافي والتربوي على حب الوطن والمواطنة الحقة بعيداً عن التطرف الديني

السؤال الكبير هو ماذا قدم السيد نوري المالكي للمثقفين واصحاب الكفاءات , لو ذهبنا الى اتحاد الادباء في بغداد  المقر الرسمي للمثقفين العراقيين لوجدناه مبنى بائس ببنائه وبأثاثه ولكنه غني برجاله المبدعين , هل تخصيص مبنى يليق بهم هو بالامر الصعب وبغداد تزخر بالابنية الراقية وبالاثاث الجميل تلك الابنية التي أعطيت لرجال اتهموا بالسرقة والطائفية وحرم منها مثقفي العراق !! , المثقفون الذين يحجون كل يوم جمعه شارع المتنبي لما يحويه من كتب نادرة ورجال يؤمنون بالخير وحب الوطن ويعقدون اجتماعات ثقافية يستذكرون فيها تأريخ العراق ورجالاته الابطال  , ماذا قدم لهم السيد المالكي ؟       
واين اصحاب الكفاءات العلمية والثقافية من عملية بناء الوطن التي دعاهم السيد المالكي وماذا عمل بشأنهم , اقرب حدث لنا هو وفاة المؤرخ العراقي وهو شيخ المؤرخين المرحوم حسين امين لقد توفى خارج الوطن , وغيره الكثير ممن توفوا خارج الوطن مهملين من قبل الحكومة , ومنهم مرضى الان  بعيدين عن اهلهم ووطنهم ويعانون من عسر الحال المادي ولم يسأل عنهم احد من المسؤولين

نعم مثل ماشاهدت الفراشات يرقصن على صفيح ساخن وجدت دعوة السيد نوري المالكي دعوة خجولة لاتنسجم مع اهتمامات السيد المالكي من يوم توليه رئاسة الحكومة , فلقد كانوا جميعا منسين من قبل الحكومة اذا لم نقل محاربين او مهمشين قصدا , وجدت ايضا ان السيد نوري المالكي يرقص ايضا على صفيح ساخن  فدعوته هذه لاتنسجم  مع الكثير من مؤيدي الطائفية المقيته والذين هم مقربين من السيد المالكي  , نتمنى من السيد المالكي ان تكون دعوته جديه وثابته ويدعم المثقفون دعما حقيقيا وان يضعهم في المقدمة وسيجدهم خير معين له في بناء الوطن على اسس صحيحة  بعيدا عن الفتنة الطائفية