10 أبريل، 2024 3:09 ص
Search
Close this search box.

الرقص على اجساد الضحايا

Facebook
Twitter
LinkedIn

في البداية لابد من تقديم أحر التعازي لأنفسنا كعراقيين جميعا بشكل عام ولأهلنا في محافظة نينوى الغالية بكل أطيافهم عرب وكرد وتركمان وأيزيد وكلدان ومسيح ومسلمين ومن أي انتماء آخر فالمصاب لكل الإنسانية في العراق وفي كل مكان لان كارثة العبارة هي شرخ في جبين الإنسانية لا لأنها حالة استثنائية آخذت أرواح النساء والأطفال المحتفلين بمناسبة عزيزة وإنما لأنك تشعر أنها قتل متعمد لأبرياء دون ذنب لتتحول أفراح الناس بأعياد نوروز أو عيد الشجرة أو عيد الربيع إلى عزاء للعديد من العوائل وفاجعة مؤلمة لكل شخص معني باحترام الإنسانية دون أي اعتبار آخر.

حادثة العبارة التي انقلبت في نهر دجلة عند مدينة الموصل كانت نتيجتها صرخة شعبية بوجه الجميع في المجتمع الإنساني والمحلي على حد سواء لما تحمل من معاني أليمة مفادها إن السيل قد بلغ أعلى درجات التحمل وفاق الزبا بكثير ويجب وضع حد لاسترخاص الدم العراقي المتعمد فقد تعددت وسائل قتل الأبرياء الحقيرة والرخيصة من التفجيرات إلى الحروب إلى ما حصل في العبارة التي لا تختلف عن الأيام الدامية أو المناطق الدامية أو الجرائم الوحشية التي لا تعد ولا تحصى فلم نعد نرى فرقا بين جريمة سبايكر أو جريمة الكرادة وجريمة العبارة فمحصلتهما واحدة وآن الأوان للاقتصاص من المسبب.

إن من أهم نتائج حادثة العبارة وان كانت قد شهدت تواجد مختلف العناوين الرسمية العليا في الحكومة العراقية في مدينة الموصل كالسيد عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء والسيد برهم صالح رئيس جمهورية العراق والسيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب والعديد من المسئولين الآخرين بمختلف العناوين وهي بادرة بلا شك تستحق الشكر والثناء لأنها لو حصلت في زمن غيرهم ربما لم يتواجد في مكان الحادث وان كان تواجدهم يمثل مواساة الحكومة الرسمي لذوي الضحايا لكنها لن تعيد لهم الحياة لمن فقدها فهم قد خسروا حياتهم وأهلهم وذويهم قد خسروهم بغض النظر عن صفاتهم في أسرهم أكانوا أباءا أو أمهات أو أبناء ولا يعني عمر الضحية أو جنسها في شيء فلا يختلف الكبير عن الصغير ولا الذكر عن الأنثى ولكن أهم نتائجها إن السيد رئيس مجلس الوزراء قد مارس صلاحياته لأول مرة وطلب إقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب وان البرلمان كان جاهزا ليصوت بهذا الاتجاه وقد حصل هذا بالإضافة إلى إن القضاء قد تحرك لأول مرة أيضا منذ أمد بعيد وأوعز باعتقال عدد من الأشخاص على اعتبار أنهم سبب كلي أو جزئي فيما حصل تمهيدا لمحاكمتهم.

إن ما بدر من الجميع هي مواقف غاية في الأهمية ومطلوبة ولكنها جاءت متأخرة كثيرا لأنها كانت ردود أفعال لما حصل وكان يفترض بهم دفع الضرر وعدم السماح به أصلا قبل أن يقع فنحن كمن ترك أمواله وثروته بغير حراسة وحين سرقها المتربص بنا رحنا نندب حضنا العاثر ونعلن عن استنكارنا لما حدث ونطالب من الآخرين أن يتحملوا المسئولية ويعيدوا لنا ثرواتنا.

إن أجهزة الحكومة العراقية تضم بين جنباتها وفق القانون والدستور المعمول به الكثير من الجهات التي تمنع وقوع الجرائم ولكنها غير مفعلة بإرادتنا أو غصبا عنا أو بعلمنا أو بجهلنا مغيبة عن أداء دورها الرقابي والحسابي الرادع كالأجهزة الأمنية بكل صنوفها وهيئات النزاهة في البرلمان والحكومة وديوان الرقابة المالية والمفتشين العموميين في كل الوزارات ودوائرها بالإضافة إلى دور البرلمان ودور المواطن في الرقابة وآخرها ما اقره مجلس الوزراء الموقر بتشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد وفوقهم جميعا القضاء العراقي الذي يعتبر أهم الأجهزة في مكافحة الفساد في كل مكان وإصدار الأحكام الرادعة التي ينبغي لها أن تكون قبل وقوع الجريمة وان حصلت فان القضاء هو من يعيد الأمور إلى نصابها لان هذا واجبه وإلا ما الفائدة من وجوده.

إن حادثة العبارة وما رافقها من كشف الكثير من التقصير بحق أبناء المدينة وتصعيد المواقف والمطالبات المتعددة من كل الجهات بإجراءات لا تتعدى العقوبات الإدارية وتبديل الأشخاص لا تعني حرصا على المجتمع الموصلي بشكل من الأشكال لان الحريص لا ينبغي له السكوت على أي تقصير حينما يتم تشخيصه وإنما هذا الذي جرى هو رقص على المطلب الشعبي وركوب موجة المد العالية حاليا وامتصاص للغضب الشعبي فأين كنتم من يوم تحررت المدينة وتطهرت من دنس عصابات داعش القذرة لحد الآن لماذا سكت الجميع عن تقصير المحافظ وغيره من المسئولين ولماذا لازالت العوائل المهجرة تسكن في المخيمات ولماذا لازالت الجثث تحت الأنقاض وأين ذهبت المليارات التي على أساس أنها أنفقت في المدينة وأين ما قيل انه عمران فيها وأسئلة أخرى مهمة كثيرة تحتاج إلى إجابات يسد الجميع آذانهم عن سماعها.

يا سادة يا كرام إن ما يحصل في العراق اليوم هو تكرار لحوادث القتل الجماعي ولكن بطرق مختلفة في التسميات نتيجتها واحدة تحصد بأرواحنا وتسترخص حياتنا أمام مرأى ومسمع الجميع محليا وإقليميا وعالميا وإثراء للبعض من مال السحت الحرام فنحن نجوع وأطفالنا تبحث في نفايات وفضلات بيوتهم لينعمون ويترفهون هم وعائلاتهم خارج البلد ولسنا بحاجة أن نذكر بحال المستشفيات البائس ولا بحال الماء الذي يضخ إلى بيوت البصرة ولا حال المدارس في كل العراق ولا يغيب عن بال احد أعداد مئات الآلاف من الشباب العاطل الذي يبحث عن فرصة عمل وغيرها مما يدفع الناس إلى التظاهر كل يوم.

انتم تنتظرون أن تحدث الكارثة لتعلنوا عن تضامنكم مع المنكوب تتحدثون عن سيئات بعضكم في وسائل الإعلام وتتظاهرون بالحرص والوطنية وانتم لا تملكون منها أدنى درجاتها والنتيجة تغير الفاسد ومنحه فرصة الهرب بما حمل من أموال العراق بأفسد منه ولو كنتم حريصين على العراق وشعبه لبادرتم أصلا إلى معالجة الواقع المرير الذي يعيشه الشعب ومنعتم وقوع الكوارث أصلا قبل أن تحدث ولحاسبتم المقصر منذ أول تقصير بل ومنعه أصلا من التقصير ودفعه إلى السير باتجاه خدمة الشعب من خلال تفعيل دور أجهزة الرقابة التي باتت هي الأخرى عبئ على كاهل المواطن وباب آخر لاستنزاف أمواله فالمسئول أيها السادة اليوم يمارس دوره بشده على المواطن البسيط حين يطالب باستحقاقه ويحابي ويجامل زميله وإلا فان طرق الحساب واضحة ومعروفة والقضاء فيصل بين الجميع ومنع وقوع الضرر أفضل من معالجة نتائجه والوقاية خير من العلاج حفظ الله العراق وشعبه وكفانا شر الفساد والفاسدين.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب