وتعضيدا للبحث ، ننقل وبتصرف (2) غير مخل بالمعنى (( أن السبب الرئيس في ظهور الرقابة على دستورية القوانين هو إعتماد مبدأ ( سمو الدستور ) ، الذي يقضي بأن تتوافق كافة القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية مع الدستور شكلا ومضمونا ، لأن مسألة دستورية القوانين لا تثار إلا في ظل الدساتير الجامدة ، لحاجتها عند تعديلها إلى إجراءات أشد من الإجراءات التي يتطلبها تعديل القوانين ، القائمة على التدرج التشريعي من حيث القوة ، بمعنى خضوع القاعدة الأدنى في الهرم التشريعي إلى القاعدة الأعلى ( الدستور ) التي هي من عمل السلطة التأسيسية ، ثم يأت من بعده القانون الذي من صنع السلطة التشريعية ، وبسبب إختلافهما وظهور إشكالات في التطبيق ، ظهرت فكرة دستورية القوانين ، إلا إنها إختلفت من حيث تنظيم هذه الرقابة .
فالرقابة السياسية لدستورية القوانين ، تعني أن يوكل إلى هيئة سياسية مهمة تولي الرقابة ، ويرجع ظهور هذا الأسلوب الرقابي إلى فرنسا ، ولكن أغلب الدساتير المعاصرة تميل إلى الرقابة القضائية ، نظرا لفقدان الثقة في المجالس المنتخبة أو الهيئات السياسية ، مقابل زيادة الثقة في الجهاز القضائي ، وذلك لإستقلاله ونزاهته التي بدأ هو الآخر بفقدان بعض منها ، لتأثره بأعمال السلطة التنفيذة وسطوتها في إتخاذ القرار الإداري والتنظيمي للتشكيلات ، كما إن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ابتكرت هذا الأسلوب ، وسميت بالرقابة القضائية لمباشرتها في إصدار الحكم بمدى توافق أو عدم توافق تشريع معين مع الدستور ، حيث يقدم الدستوري لأنه الأعلى ويستبعد القانوني لأنه الأدنى ، وليس معنى الإستبعاد إلغاء القانون المطعون في دستوريته ، وإنما عدم الأخذ به إلى حين إستيفائه لشروط إصداره شكلا أو مضمونا .
وعلى الرغم من النجاح النسبي الذي تحقق عن طريق الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، إلا إنها لم تسلم من النقد ، فقد إعترض جانب من الفقهاء على هذه الرقابة وأعتبرها غير ديمقراطية ، لأن القضاء غير المنتخب يمارس رقابته على السلطة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب والمعبرة عن إرادته ، وهناك من يرى أن السلطة القضائية مكلفة من الشعب بمقتضى أحكام الدستور ، والقضاء في هذه الحالة لا يباشر أي إعتداء على السلطة التشريعية ، وبذلك فإن هذا الدور القضائي لا يتعارض مع قواعد الديموقراطية كما قد يوحي به ظاهر الحال ، ويعتبر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القــــوانين من أخطر ما إبتكرته الولايات المتحدة في عالم القانون الدستوري ، وذلك لسعة الصلاحية التي خولت بها المحاكم عامة والمحكمة العليا خاصة ، ومن هنا ثار الخلاف حول جواز أن تمارس المحاكم الإتحادية الرقابة الدستورية على تلك القوانين ، أو الإمتناع عن تطبيقها إذا كانت غير دستورية ، فرأى بعض الفقهاء أن رقابة الإمتناع ، لا تخل بمبدأ الفصل بين السلطات ، حيث يمتنع القاضي عن تطبيق القانون في الواقعة المعروضة عليه ، دون أن يلغيه ، فهو بذلك لا يشكل أي تعدي على السلطة التشريعية ، ولكن العمل بخلافه قبل تعديله يمثل الإعتداء بعينه ، ومن هنا برز جانب من الفقه يرى ، أن نظام السوابق القضائية في الولايات المتحدة ، يؤدي إلى إلغاء القانون من الناحية الفعلية ، خاصة عند صدور قرار من المحكمة الإتحادية العليا بالإمتناع عن تطبيقه ، مما يؤدي إلى إمتناع المحاكم الأقل درجة عن تطبيقه أيضا ، أما الرأي الآخر المتمثل في أن حق الرقابة القضائية ناشئ عن إتحاد فكرتين هما ، سلطان القضاء ومبدأ سيادة الدستور ، فإذا عرض خصمين نص قانوني ونص دستوري مخالف للنص القانوني ، فعلى المحكمة أن تتحقق من وجود التناقض الحقيقي بينهما ، فإن وجد التناقض ، أخذت بالنص الدستوري الأعلى واجب التطبيق ، وبذلك صارت الرقابة القضائية مقبولة قانونيا وسياسيا ، وبذلك ضمن مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، ولكن المحكمة العليا عملت على تأكيد حقها في تفسير الدستور ، بل وتوسعت إلى حد رقابة السياسة التشريعية من ناحية الحكم على مدى ملاءمتها أو معقوليتها ، فالملاءمة تعني تحقق نوع من التوازن بين ما يفرضه القانون على الأفراد من واجبات وما يوفره لهم من حقوق ، أما المعقولية فمعناها ألا يتجاوز القانون فيما يفرضه مـن تــنظيم لحقــوق الأفــراد الـــحــدود المعــقولــة ، وإلا كــان إجــراءا تــعسفــيـا ، كما يعني معيار اليقين ، أن يكون القانون واضحا كل الوضوح فيما يقرره من أحكام ، بحيث لا يتوارى أي شك حول ما يجيزه أو يحظره ، ومن البديهي أن هذه المعايير تخرج كثيرا عن المعنى العام لدستورية القوانين ، وهو ما جعل وصف البعض لحكومة الولايات المتحدة بحكومة القضاء . )) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4432) في 23/1/2017 .
2- نقلا بتصرف عن موقع منتديات ستار تايمز القانونية .