23 ديسمبر، 2024 1:57 ص

الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة

الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة

القسم الأول
حدد الدستور في البند (أولا) من المادة (93) منه ، بأن تختص المحكمة الإتحادية العليا في ( الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ) ، التي ينصرف معنى القصد منها وحسب فهمنا المتواضع ، إلى تحديد مواضع الخطأ في التشريع النافذ ، وليس الملغى أو الذي لم ينشر في الجريدة الرسمية ، لغرض قيام السلطة التشريعية المختصة بمعالجتها ، وليس كما هو معمول به حاليا ، من أن تحل المحكمة الإتحادية محل مجلس النواب في إختصاص إلغاء التشريعات بعد نقضها ، تحت ذريعة إعتبارها من مقترحات القوانين وليس من مشروعات القوانين المحالة إلى مجلس النواب ، من قبل السلطة التنفيذية المكونة من كل من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء فقط ، الذي إعتمدته المحكمة العليا وعملت به شرعة ومنهاجا ، وإذا كان الأمر كذلك ومن الإجراءات الموضوعة تحت مسمى الرقابة القضائية اللاحقة ، فعلى مجلس النواب أن يستأنس برأي المحكمة قبل إصدار أي تشريع وتحت مسمى الرقابة القضائية السابقة ، دفعا للحرج بسبب تقاطع الآراء وإختلافها بشكل عام ، وحرصا على هيبة مجلس النواب من الطعن المؤدي إلى إلغاء دوره وسلب إرادته ، ومنح المحكمة الإتحادية العليا صلاحية فرض قرارها على مصدر التشريع بالتوصية الملزمة على تعديله ، وليس إلغائه بسبب عدم دستوريته ، إستنادا إلى شكلية الإجراءات ومخالفتها للآليات المعتمدة ، أو لوجود خطأ موضوعي يمكن معالجته بالتعديل بالحذف أو بالإضافة قبل تشريعه ، بدلا من تعطيل فاعليته بتأجيل أو تأخير تنفيذ معالجة الأسباب الموجبة لتشريعه ، ومن ثم فتح أبواب التشكيك في عدم حيادية وإستقلال المحكمة الإتحادية العليا ، وإتهامها بالإنحياز أو الإنحراف عن مسار العدالة المؤدي إلى تحقيق رغبات قوى التأثير السياسي ، بسبب ممارستها الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة بشكل مطلق ، ولغرض حل إشكالات عدم الفصل في هذا الموضوع ، فقد أصدرت المحكمة الإتحادية العليا قرارها المرقم (21/إتحادية/2015) ، وموحدتها الدعوى (29/إتحادية/2015) في 14/4/ 2015 ، الذي أصبح القاعدة في حسم الجدل الناشيء بشأن دستورية تشريع القوانين ، حيث وجدت ( المحكمة الإتحادية العليا ، أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، قد كرس في المادة (47) منه ، المبدأ الذي عرفته غالبية دساتير العالم ، وهو مبدأ (الفصل بين السلطات) ، وقد عدد هذه السلطات في المادة ذاتها وحسب ورودها فيه ، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، ورسم لكل منها مهامها وإختصاصاتها بشكل دقيق ، ولكي نكون أمام التطبيق السليم لأحكام هذه المادة والمبدأ الذي تأسست عليه ، يلزم أن تتولى كل سلطة من هذه السلطات القيام بمهامها وممارسة صلاحياتها كاملة وفق لما رسمه الدستور ، فالسلطة التشريعية تمارس مهامها وإختصاصاتها المنصوص عليها في المواد (60 , 61 , 62 , 64 / أولاً ) من الدستور ، وفي مقدمة هذه المهام القيام بتشريع القوانين الإتحادية التي تقتضيها المصلحة العامة ووفقا للسياقات الدستورية . وممارسة هذا الإختصاص والصلاحية يلزم أن يكون مراعيا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي مرت الإشارة إليه ، وأن لايكون من بين القوانين التي يشرعها مجلس النواب مباشرة ما يمس هذا المبدأ ، هي القوانين التي ترتب إلتزامات مالية على السلطة التنفيذية ولم تكن مدرجة في خططها أو موازنتها المالية ، دون التشاور معها وأخذ الموافقة بذلك ، وكذلك القوانين التي تتعارض مع المنهاج الوزاري الذي نالت الوزارة ثقة مجلس النواب على أساسه ، وكذلك أن لا تكون ماسة بمهام السلطة القضائية دون التشاور معها ، لأن في ذلك تعارضا لمبدأ إستقلال القضاء الذي نصت عليه المادة (88) من الدستور ، إضافة لتعارضها مع مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (47) من الدستور التي مر ذكرها ، وفيما عدا ما تقدم ذكره من القوانين ، فإن السلطة التشريعية تمارس إختصاصها الأصيل في تشريع القوانين الإتحادية ، التي تجد فيها تحقيقا للمصلحة العامة وفي نطاق الدستور ، وتجد المحكمة الإتحادية العليا ، أن القانون موضوع الطعن وهو- قانون إستبدال أعضاء مجلس النواب رقم 6 لسنة 2006 – ، ليس من القوانين التي تمس مبدأ الفصل بين السلطات ، لأنه لم يرتب آثارا مالية مضافة على السلطة التنفيذية ، ولا يشكل خلافا مع السياسة العامة للدولة ، ولا يمس مهام السلطة القضائية أو إستقلاليتها ، وقد جاء تشريعه من مجلس النواب مباشرة ، ممارسة لإختصاصه الأصيل المنصوص عليه في المادة (61/أولا) من الدستور وإعمالا لحكم المادة (49/خامسا) منه …) .

إلا إن المحكمة الإتحادية لم تمارس الرقابة الدستورية التلقائية ولا الرقابة القضائية السابقة ، مكتفية باللاحقة منها عن طريق تقدم ذوي الشأن بطلب الطعن ، وذوي الشأن لدينا إما مستفيد أو متضرر من الحزبيين أو السياسيين ، الذين لا علاقة لهم بحماية حقوق الوطن والمواطن من العبث . كما إن ( الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الإتحادية ، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الإتحادية ، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة ) ، حسب نص البند (ثالثا) من ذات المادة ، يعني الإحتراز من عدم صحة وسلامة تطبيق القوانين وما سيصدر عن السلطة الإتحادية من إجراءات منحرفة عن جادة الصواب ، باللجوء إلى الطعن المباشر لدى أعلى محكمة عراقية ، للفصل فيما أصابهم من ضرر أو فيما شجر بينهم من خلافات ، حيث تكون القرارات فيها باتة وملزمة للسلطات كافة ، إلا إن شرط أن لا تكون تلك القرارات على وفق قوة تأثير تلك الجهات على القضاء ، كما هو معلن من نتائج الفصل القضائي الذي صرح به أكثر من متنازع ، مسألة تحتاج إلى إثبات حسن نوايا القضاء ، الذي يعتبره الفرقاء السياسيين منحازا لصالح السلطة التنفيذية الإتحادية في حل المنازعات ، خاصة ما يتعلق منها بشخص رئيس مجلس الوزراء السابق ( نوري المالكي ) على وجه التحديد والخصوص ، وتأثيره على سلطة إصدار القرار القضائي لصالح تحقيق توجهاته وما يراه مناسبا لتثبيت سلطته حينها ، وإن كانت في الإتجاه المعاكس لمصالح الشعب العامة ، وهو الذي كان وعسى أن لا يكون في مستقبل بناء الدولة . إضافة إلى أن ( الفصل في الإتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء ) ، حسب نص البند (سادسا) من المادة المذكورة ، يؤكد بأن المشرع السياسي قد إحتاط من إحتمال إستخدام أطراف العملية السياسية للإتهامات المتبادلة والمعدة أو الجاهزة سلفا ، من أجل إسقاط الخصوم السياسيين في شراك وفخاخ بعضهم البعض الآخر بأي شكل كان ، بسبب إنعدام الثقة المتبادلة بين أركان السلطات كافة ، وكأن الإتهام من الوسائل المشروعة التي تلقى كل هذا الإهتمام الدستوري وتشجع عليه ، بدلا من التشديد على تحريمه وعدم السماح بحصوله إلا بدليل ثابت وحقيقي موثق لا لبس فيه أو غموض .