البرامج الإنتخابية التي يتبناها مرشحوا العالم المتقدم والمجتمعات المرفهة لا تتكلم إلا بقدر قليل عن سياساتهم الخارجية أو منح الشعب حقوقه الدستورية أو تحقيق إحتياجاته الفطرية أو تأمين الحريات المختلفة له حيث إن كل ذلك وأكثر متحقق للشعب فعلاً بفعل الدساتير والقوانين والأعراف السائدة والتي لا يستطيع أحد القفز عليها أو مخالفتها أو إستغلالها أو تجاهلها وإلا كان السقوط والفضيحة مصيره ولن يستطيع البقاء في مركزه مهما علا ساعة واحدة بل إن حسابه أكبر إذا كان في منصب أكبر ! حتى إن كانت تلك المخالفات لا تجر عليه منفعة شخصية كما حدث لريكان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في (فضيحة إيران كونترا) أو تصرف شخصي بحت لا يضر بالشعب كما حصل بفضيحة (مونيكا كلنتون) أوفضيحة إنتخابية تكون عقوبتها صارمة كما حدث في فضيحة (التنصت) الذي أطاحت برئيس الولايات المتحدة الأمريكية (نكسون) فكل ذلك وكل ما ذكر بالدستور أو القوانين المرعية هو أمر بديهي التحقق وخلافه جريمة يعاقب عليها لقانون وتحاسب الدولة عن عدم تحققها ولكن مرشحوا الإنتخابات يتحدثون في برامجهم الإنتخابية بما يهم الناخبين وما يمكن تحقيقه للمواطن عدا ما إستقر عليه المجتمع بموجب القوانين السائدة والمتحققة إصلاً ولكنها تتكلم عن زيادة الرفاهية ومتعلقاتها و تحسين البيئة ومؤثراتها والرعاية الصحية المتطورة وتوابعها وتطوير التعليم ومستلزماته الحضارية وهكذا خصوصا في الدول المتطورة إقتصادياً ومعاشياً متجاوزةً تحسين (المستوى المعاشي) للمواطن إلى (مستوى الرفاهية) بأنماطها التي يمكن تحقيقها للمواطن! (وقد تجاوز هذا الحق الإنساني إلى حقوق الحيوان والنباتات ونظافة البيئة) وهناك مستوىً معاشي مكفول بديهياً من الدولة وأصبح الإنجاز هو تحسين مستوى الرفاهية وليس مستوى المعيشة فما هو الفرق بين مستوى المعيشة ومستوى الرفاهية؟
يكفل الدستور العراقي (على سبيل المثال) بنصوصه الصريحة { لكل مواطن وللمجتمع الحق في الحياة والأمن والحرية، و تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. وكذلك العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة. وتكفل الدولة للفرد وللاسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم. و تكفل الدولة الضمان الاجتماعي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتم او البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، و لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية، وتعنى الدولة بالصحة العامة، وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف انواع المستشفيات والمؤسسات الصحية. ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع .وينص الدستور إيضاً لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة. و تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما. و كذلك التعليم عامل اساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة، وهو الزامي في المرحلة الابتدائية، وتكفل الدولة مكافحة الامية و التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله.} كل ذلك منصوص عليه في الدستور العراقي إضافة إلى أشياء أخرى أكثر (تتعلق بالأمور المعنوية والحريات ليس مجالها هنا )
إذن توفير الضروريات الحياتية ( المأكل والملبس والمسكن والأمن والكرامة “العيش الكريم” ) بمستويات كافية ومدروسة (مستوى المعيشة) هي متعلقات ومحددات مستوى المعيشة الإنسانية وهي من ما يكفلها الدستور والدولة مكلفة بتحقيقها بنص الدستور وتحاسب الدولة إن لم توفرها أو عجزت عن توفير بعضها فتلك مسألة دستورية كما هي بقية مواد الدستور الأخرى بل أن إلزاميتها تمتد إلى رئاسة الجمهورية والبرلمان وكل المؤسسات التي تشرف وتراقب الإلتزام بالدستور ودونها ينهار العقد الإجتماعي بين السلطة (الدولة) وبين المجتمع ويخرج المجتمع بكليته وبكافة تكويناته وسلطاته عن مستوى الإنسانية المقرر وفق الدستور.
أما (مستوى الرفاهية) فيكون بعد تحقيق الضروريات وتحقيق كافة المتطلبات المنصوص عليها دستورياً بإعتبارها الحد لأدنى لمستوى المعيشة المطلوب من الدولة توفيرها لكل مواطن ومن ما قد يستدعي تشريع قوانين جديدة مكملة للدستور في موضوع الإرتقاء بمستوى المعيشة والإنتقال الى تحسين الكماليات وبمعنى أدق كفالة بعض الكماليات وجعلها من مكملات الضروريات الإجتماعية.
وإذ تكفل (الدساتير) المتقدمة تحقيق مستوى معاشي كريم مضمون ومصان ويلزم الدولة تحقيقه فإن (القوانين) تكفل تحقيق اعلى قدر من الرفاهية وبموجب ما يسمح به الرقي الإقتصادي لتلك البلدان وبموجب إجمالي الإنتاج و عدالة التوزيع فلا تصرف الميزانيات إلى زيادة المنتج المحلي وتطويره فقط بل يجب أن يخصص جزء من الناتج القومي في زيادة رفاهية المواطن وتحضر المجتمع حتى بدأت الكثير من الأنظمة وكثير من البرامج الإنتخابية في العالم المتقدم تدعوا إلى تقليص ساعات العمل خصوصا بعد ما تحقق لهم ريع إجتماعي وأكتفاء ذاتي ورفاهية معقولة ومقنعة . ولقد تجاوزت اغلب الدول الراقية والمتقدمة الحقوق العامة أو الحقوق السياسية وأصبحت من البديهات والأعراف التي لم تعد مدار نقاش وليست منحة او منة إنتخابية . وأصبح الهم الأكبر الهموم البيئية وتحسين الظرؤف الحياتية والإرتقاء الثقافي وتطوير وتحسين البيئية والحفاظ على مستوى إقتصادي متقدم وناجح . وليس السبيل للتطور الإقتصادي وتحسنه هو زيادة الإنتاج فقط بل زيادة قيمة المنتج فأن تنتج برميلاً من النفط الخام هو أمر حسن ولكن الأحسن أن تصنع هذا البرميل من النفط فقد تصدره بمائة دولاراً وتستورد منتجه بما يزيد عن الثلاث مائة دولاراً وبذا تفقد جزءا كبيراً من سعر البيع وتنفقه مرة أخرى على شرائه من جديد وبهذا يختل الميزان التجاري ويؤثر بالتالي على مستوى المعاشي للمواطن الذي من حقه في دولة نفطية دخلها السنوي يربوا على مائة مليار دولار من صادرات النفط فقط (على سبيل المثال) وإقتصاد مثل إقتصاد العراقي بثرواته وإمكانياته المتعددة (النفطية وغير النفطية) وبعدد سكان لا يزيد عن الثلاثون مليون أن يعيش بمستوى معيشة مرفهة ومن حقه شعبه إن يتجاوز حدود مستوى المعيشة الإنسانية إلى عصر الرفاهية وتعين حدود للرفاهية تتكفل الدولة تحقيقها بعد أن تضمن للشعب العراقي تحقيق مستوى المعيشة التي أقرها الدستور منذ أول يوم صدوره والذي يفترض أنه أخذ بعين الإعتبار إمكانيات العراق الإقتصادية ليس بالإنتاج النفطي الذي يحق اكثر من مائة مليار دولاراً سنوياً فقط بل بالتصنيع النفطي والبتروكيمائيات وليس بالزراعة فقط وهي ثروة العراق الأولى ولكن في تصنيع التمور وهي من افخر تمور الدنيا وفي الثروة السياحية وبالخصوص السياحة الدينية لمختلف الأديان وكل تلك الثروات وثروات أخرى تهيئ العراق أن يكون في طليعة الدول النامية على ضوء ضخامة وتعدد ثرواته الطبيعية ؛ ولأهله الحق في مستوى من الرفاهية يناسب ضخامة وتعدد موارده
ويجب أن ترسم الخطط المالية والإستثمارية والإقتصادية ويرسم التخطيط الإقتصادي للبلد على تحقيق مستوى من الرفاهية وعلينا أن ننتهي من تطوير العمل في البطاقة التموينية و وضعها في إطارها العلمي وكذلك تجاوز توفير السكن المناسب لكل مواطن والتعليم لكل طالب وراتب لكل عاطل أو عاجز وكل ما هو مكفول من قبل الدولة بالدستور والإنتقال إلى إلى مجتمع الرفاهية والتأمين الصحي والبيئة النظيفة والإجازات الترفيهية مدفوعة الثمن …. وكل ذلك يجب أن يتحقق لسبب بسيط أن الأرقام وظروف الإنتاج ومستلزماته في العراق تتيح ذلك وأكثر إذا إستبعدنا العناصر الطارئة والشاذة بل إن من الطبيعي أن يكون الشعب العراقي شعب مرفه .
[email protected]