ربما لم يتصور احد من الخلق ان الرصيف معلم سياحي .. وانه احد معالم المدن الحديثة ، كما ان الرموز والمقاصد الدينية ليست وحدها المقدسة .. وإنما هناك أمور أخرى تعتبر مقدسة عرفاً على أقل تقدير .. فالوطن مقدس ، والعلم مقدس ، ومصالح الشعب مقدسة ، ومنافع الناس مقدسة ، وهكذا يمكن أن ندرج ضمن هذه القائمة مجموعة عناوين أخرى . الذي يهمنا من كل هذا .. هو الرصيف .. كونه وللاعتبارات نفسها يُعد مقدساً , إلا أن قدسيته تنتهك كل يوم وبشتى الوسائل .. فمع أن أمانة بغداد لا هم لها إلا الأرصفة ، وقد رصدت لإعمار وتأهيل الأرصفة مبالغ طائلة .. وفعلا لقد لاحظنا ان كثيرا من أرصفة بغداد والمحافظات أصبحت أجمل وأكثر رونقاً , إلا أن كثيرا من الأرصفة طالتها الحفر مرة أخرى .. فجهة تبني وأخرى تخرب , وهذه الازدواجية التي نعاني منها منذ سبعينيات القرن الماضي ، ما زالت مترسخة ، فلا أحد يعلم ما الذي تخطط له هذه المؤسسة أو تلك ، وهم جميعاً ينتظرون إعمار الأرصفة ليعودوا إلى تخريبها ثانية .. وهذا ما يؤلم العراقيين , لأن جهودهم واموالهم تذهب سدى .. فالمتجول اليوم في شوارع بغداد يلمس عن قرب التخريب الذي بدأ يطالها بعد تأهيلها .. إضافة إلى أن الأسيجة المعدنية للطريق السريع محمد القاسم الذي تم تأهيله واستبدال عوارضه قبل عامين من الآن خربت مجددا.. فالمارين بهذه الطريق يشعرون بالأسى لما أصاب هذه العوارض ، وكيف أنها حطمت في مواضع عديدة . إن الأذى الذي يسلط على الأرصفة يمس قدسيتها ، وينتهك حرمتها ، فهذه الممرات الآمنة , هي الطريق الذي يسلكه الناس للتنقل بعيداً عن مخاطر الشوارع .. كما أن التجاوز الحاصل على الأرصفة من قبل الباعة وأصحاب المحلات ، ينتهك جانباً آخر مهما من قدسيتها ، وخدماتها التي تقدم للناس .
في كل مدن العالم هناك احترام للأرصفة من قبل السلطات والناس على حد سواء .. فلا يتم التجاوز عليها ، واذا حدثت فيها تخسفات أو أية أعمال صيانة لشبكات الماء والمجاري والكهرباء والاتصالات ، فإنها سرعان ما تعود إلى وضعها السابق ، حيث تقوم المؤسسة نفسها بإعادة تأهيلها أو تقوم بدفع مبالغ إلى الدوائر البلدية في المدن لإعادة التأهيل ..
إن الأرصفة واجهات حضارية مهمة للشوارع الكبرى في أية مدينة .. وتقوم البلديات عادة أو ادارات المدن بتأثيثها بأعمدة الإنارة ، ومظلات الانتظار ، ومصاطب الراحة ، وسلات النفايات , وكابينات الاتصال , وأية تجهيزات أخرى يمكن أن تقدم خدمات ، بما في ذلك لوائح الاعلانات . إن تخريب الأرصفة والتجاوز عليها ، يعد تجاوزاً على حقوق الناس .. وهو انتهاك صارخ لهذه الحقوق .. فالأرصفة ملكية عامة ، وليس لأحد الحق في مصادرتها او الامتداد عليها .. أو الارتزاق فيها , أو حتى إيقاف العجلات عليها بإستخدامها (باركات) شخصية لسياراتهم .. لذلك علينا جميعاً أن نطالب بحقنا بالرصيف ، وأن نعتبر هذا الحق مقدساً كبقية الحقوق .. ولابد للجهات المعنية في الدولة أن تضمن حق المواطن ، وتمنع التجاوز على الأرصفة ، مهما كانت الاسباب .. كذلك لابد ان توجه الجهات التي تقوم بأعمال صيانة لشبكاتها أن تعيد تأهيل الأرصفة ثانية .. لضمان انسيابية المرور عليها ، كذلك على منظمات المجتمع المدني والصحافة العراقية أن تبادر إلى تنظيم حملات توعوية للحفاظ على الأرصفة ، وإشاعة ثقافة “الرصيف المقدس ” .. وانتظام جماعات تحت عنوان “اصدقاء الرصيف”
واعتبار “الرصيف معلما سياحيا “