دون شك حين يكتب الباحث والمفكر فانه لا يكتب منتقدا أو متبنيا لراي مسبق يحاول أن يبرهنه وان حوى مقاله نقدا بيد انه ليس تسفيها أو امتداحا وكل سيراه من زاويته لنظر الأمور، وحيث أن الموضوع اقتصاديا فان المقال يأخذ الجانب الفلسفي للأفكار وليس الاختصاص.
تداعيات الأحداث:
الحقيقة لم أك أتوقع أن يحظى ترامب بهذا العدد من المقالات التي كتبتها حوله وهي تنظر له من زوايا متعددة أهمها طريق تفكيره المحددة بسورين هما تلفزيون الحياة والعقلية التجارية، فترامب ليس سياسيا ولا يملك وهو بهذا العمر المطاولة للدفاع والشرح لاي خطوة قد يتحرك بها.
الطاقم الإداري معه والسياسي هم ليسوا بالمستوى المطلوب لسد الفراغات الكبيرة عند الرئيس وبهذا لا نجد سياسة في البيت الأبيض.. ولعل وصف رئيس الوزراء البريطاني ما سيحدثه فرض الرسوم من القضاء على العولمة اقتبس “لم يعد من الممكن اعتبار الافتراضات القديمة أمراً مسلّماً به“. وأضاف كير ستارمر أمرا مهما “العالم كما عرفناه قد انتهى.. والعالم الجديد تحكمه بشكل أقل قواعد راسخة، وبشكل أكبر اتفاقات وتحالفات“.والحقيقة أن العولمة نوع من التطور في امتداد الشركات لرفع الأرباح وتوزيع الصناعات لتكون اقل كلفة وأكثرربحا، والعولمة تتقدم بهذا الاتجاه لكن الحوادث العالمية والحروب التي تدق طبولها وقد ينجر لها العالم تحتاج إلى انكماش في أذرع الأخطبوط وهو جزء من تهيئة لحدوث الفوضى الكبرى أو إعادة انسلاخ الجلد وإبداله بجلد جديد ولا بد من تحمل الألم وعبر الرئيس الأميركي على منصته “ Truth Social ” السبت عن ذلك “إنها ثورة اقتصادية وسنربح”، معترفاً بأن “الأمر لن يكون سهلاً” بالنسبة للأميركيين.
أسس منسية:
الاقتصاد العالمي الحالي والذي تحول إلى العولمة بمخاض صعب وانساب ليكون مقبولا بالمصالح المتبادلة سواء بتحمل نسب متباينة من الرسوم الجمركية أوالتعاون الميداني في تبادل التصدير والاستيراد لبضائع أحيانا تكميلية أو تؤثر على خيار ذوي الدخل المحدود كما في السيارات اليابانية والصينية الآن، وتتبعت الشركات المتعددة الجنسيات والمتعدية الجنسيات فكانت شركات في بلد تعمل لشركة مالكها ليس من أهل البلد، أو تقوم صنعة جهاز ما على عدة فروع بعدة دول تتبع الأيدي العاملة والخامات وارخص قيمة للإنتاج مع بقاء النوعية وفق المواصفات الأصلية، كان ينتج جزء من الجهاز في الصين وجزء في مصر وجزء في ألمانيا ويجمع في دولة أخرى، هذه فرضت حالة من الاتفاقات الدولية على الرسوم الجمركية بحيث يحس الجميع انه ليس خاسرا، وقد تكون هنالك دول من خلال هذه التسهيلات أدخلت بعض بضائعها وفق ذات النمط فكان التأثير على اكبر دول العولمة، وهي بالتأكيد دول معدودة أهمها الولاياتالمتحدة وهنا عند المقارنة الحسابية المجردة سيجد من يقارن أن الولايات المتحدة مغبونة مع اوربا واليابان والصين التي تنتج اغلب التفاصيل لكن هذا الغبن معوّض تماما بالفرق بين سعر الإنتاج وسعر البيع لماركة كــ ِApple مثلا، أمازون مايكروسوفت وغيرها.
حرب الرسوم:
من الواضح أن هنالك خللا ما في فهم أسس إنشاء الرسوم والنظر بتجرد كشركة منفردة إلى واقع الرسوم الجمركية ومن الظاهر دون حيثيات الفكرة.
الولايات المتحدة بعد تغيير الرسوم ستواجه تضخما نتيجة افتراس الرسوم لذاتها، فالرسوم سترفع أسعار صناعة التجزئة لترفع سعر المنتج وما يترتب على ذلك من تعميق للكساد وأسبابه، فما ستأخذه من الرسوم ستفقد أضعافه بارتفاع الأسعار والتضخم الإجباري من القرار ذاته وتحول المستهلك إلى بضائع أكثر رخصا وسنجد أن حرب الرسوم الموجهة بغرض إنصاف الولايات المتحدة ومواجهة الصين ستضر بالولايات المتحدة في أحد قراءات المسارات وتفتح الأسواق للصين حتى داخل الولايات المتحدة.
اوربا لن تسقط في هذا الجرف خصوصا تلك الدول التي عندها ذات الأسلوب في الصناعة والعولمة للإنتاج كبريطانيا واليابان في الشرق مثلا لا حصرا، لهذا نجد أن رد الفعل كان كانفجار فقاعة وظن البعض انه انصياع، لكنه فرصة لاستعادة اوربا الأسواق وملك زمام الأمر عند تراجع أمريكا عن الصدارة.
الخطأ والصواب في المعيار:
عندما أقيس أرباح شركة تلفزيون أو صناعة أجهزة ما وتعاملاتها ضمن تكتيك العمل، فانا أقارن قائمة الخارج والداخل وأرباح وتغيير التكتيك لينتج واردا أكثر كاعتماد ممثل شاب موهوب بدل آخر قديم أجوره عالية، أو إيجاد خيارات تتيح لي خفض الأجور وإبدال العاملين؛ بيد أن هذا غير مؤسسات الدولة القائمة على الإدارة العامة وليس الإدارة الفنية أو التكتيك، فإدارة الدولة تستند إلىتاريخ من القوانين والتفاصيل بلوائح يعرفها من يتعامل معها أو من يجب أن يدخل التفاصيل ويستهلك وقتا لا يحتاجه من يتعامل معها فهو يحفظه ويحفظ مكانه اللي يحتاج لوقت في البحث عنه أو لا يجده إن كان ملفه باسم آخر في الحاسوب، فالحكم على الرسوم التي فيما يبدو بحساب على طريق إدارة الأعمال الخاصة تعتبر مغبونة هو حساب لا ينبغي أن يكون قاعدة قرار بدل قاعدة البيانات التي قامت عليها تلك الرسوم في تبادل المصالح والميزان التجاري ولا أظن قطعا أن القرارات من هذا النوع تاتي بلا دراسة كواليس عميقة، لكن مخرجاتها تشير إلى خلل عند المراقب ما لم تكون الصناعات قد تغيرت كمواقعها الجغرافية وتقبلت الشركات انخفاض الأرباح لكن عند هذا تكون فكرة العولمة قد انتهت وتراجعت عن المقدمة وان استمرت عمليا لزمن ليس بالبعيد، وهذا ربما سيقدم فكرة المشاركات العالمية والمحلية على منضدة الدراسة، أي يصبح الخيار ما بين نظام المشاركات أو التحالفات والتحالفات دوما تكتيكية لا يبنى عليها استراتيجية اقتصادية وهذا هو احد التحديات المنظورة للعولمة وحتى الدولة الحديثة في الاقتصاديات الكبرى.