حدث التعارف بينهما من دون لقاء مباشر، كانت معرفتهما سطحية في البداية، ولم يكن يعلم أن تلك المحادثات العابرة سيكون لها أثر كبير على قلبه. وبعد عدة جلسات على فيسبوك تعمق معها أكثر، حتى دخلت إلى قلبه وسيطرت على مشاعره دون أن تدرك ذلك.
حاول بكل الطرق أن يستثمر هذه العلاقة ولو بلقاء واحد، لكنها امتنعت عن ذلك لظروفها الخاصة. لم يكن يعرف كيفية الوصول إليها إلا عبر الكتابة، فكتب لها ما يريد وأرسل لها رسالة، ثم كررها بأخرى عبّر فيها عن مشاعره التي ربما لم تدركها أو ربما تجاهلتها.
كتب يقول:
رسالة منذ الصباح الباكر من محب… لقد تعلقت بشخص لا أعرفه ولا أعرف ظروفه، ولا أعلم لماذا جذبني قلبي إليه بهذه القوة. هكذا جرت الأمور وهكذا كانت. ربما تعلمت منك دروساً كثيرة؛ أولها الصبر، وثانيها الحب الصادق رغم أنه من طرف واحد. وفي النهاية، كيف يفشل الإنسان بقرار لم يتخذه بإرادته أو بعد دراسة مسبقة؟
هكذا هي الحياة، لا نؤمَنُ مكايدها. ربما لم تذوقي بعد تجربة محبة الكبار بكل وقارهم ونقاء قلوبهم ومبادئهم الصادقة. محبة الكبار ليست كسلاح المراهقين، بل هي نابعة من قلوب طاهرة لا تعرف الكذب ولا المراوغة. فاقرئي كلماتي وتأملي معاني رسائلي…”
استمرت رسائله بلا توقف، يكتب فيها ما يريد، دون أن يتلقى جواباً أو يعرف سبب الصمت. ومع ذلك، لم يقبل أن يرضخ للأمر الواقع، فكبرياء الفرسان الذي يحمله وقلبه العاشق لا يسمحان له بالفراق بسهولة.
ما أصعبها الحياة حين نعيشها بين العاشق والمعشوق، بين المسموح والممنوع، بين القلب الضعيف والقلب القاسي.
آه أيتها الحياة المأساوية، متى تكونين كما نريد؟ أما يكفي أننا قضينا العمر كما تريدين أنت؟
ختم رسالته قائلاً:
لقد تعلمت من قطيعتكم أن الدنيا لم تكن يوماً بخير ولن تكون، وتعلمت أن الصدق قد اختفى من جوانب الحياة، خاصة حين لا تجد من يصدقك. فاكتب يا قلمي ما تشاء، فضفض ما في القلب الجريح، دوّن مقالاتك وقصائدك وأبيات العتابة الحزينة، لكن دون جدوى…
في النهاية ستبقى نيران القلب متقدة في الجسد، ولن يطفئها إلا لقاء من أحب، وهيهات أن يحدث ذلك. فقد كتبت رسالتي الأخيرة، وخاطبتهم أن يكونوا معي في كل شيء أو يتركوني لعاديات الزمان. والزمن وحده كفيل بمداواة الجراح.
حتى إن اخترت القطيعة إلى الأبد، فأنت الخاسر الوحيد، لأنك استنفدت كل أسلحتك الدفاعية والهجومية، فغلبك خصمك. وسيسجل التاريخ اسمك في صفحة منسية: عاشق مبتلى، وعاشقة لا ترحم ولا تعرف معنى العشق الحقيقي لأنها مثقلة بالعادات والتقاليد التي تقيدنا وتضعنا دائماً في مأزق الحياة الضيق.”
هذه كانت رسالته الأخيرة، كتبها في أحد الصباحات لتقرأها قلوب أنهكتها مأساة الحياة، وختمها بكلمة:
وداعاً… وداعاً… ومع الأمل قال: “إلى أقرب موعد إن شاء الله.”