لم يعد خافيا أن النظام الإيراني محاصر ومحبط ومنهك ويعاني من مصاعب عديدة متنوعة، أهمها الشحة الحقيقية الكبيرة في السيولة النقدية التي جعلته عاجزا عن الوفاء بأهم التزامته الضرورية الداخلية تجاه مواطنيه،وبالكثير من واجباته التمويلية لوكلائه في الخارج، فراكمتعليه نقمةَ شرائح واسعة من الفقراء المتضررين بالعقوبات الأمريكية وكورونا.
والأكثر إثارة لنقمة المواطن الإيراني هو حجمُ الفساد الذي التصق، في قناعة الملايين من الإيرانيين، بالمعممين المنسوبين للقيادات العليا في النظام، إلى حد أن أي معمم، اليوم، حتى وإن لم يكن ضالعا في الاستغلال والاختلاس، صار مكروها وغير محترم وموضع شك وريبة.
الأمر الذي دفع بموالين ومعارضين في الداخل، ومنهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وبأعداء وأصدقاء في الخارج، إلى تحذير المرشد الأعلى من انفجار شعبي مرتقب قد يُهدد وجود النظام كله، هذه المرة، إن لم يسارع إلى اتخاذ إجراءات حقيقية جادة لتفادي هذا الخطر الداهم الكبير.
ويعترف قادة النظام أنفسُهم بتأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى ما أضافه تفشيفايروس كورونا على كاهل الاقتصاد الإيراني من أضرار أشدَّ فداحة من العقوبات، حيث أدى إلى تعثر الحركة التجارية في الداخل، وتراجع العمليات التصديرية إلى دول الجوار.
يضاف إلى كل ذلك الانتفاضاتُ والاحتجاجات الشعبية في العراق ولبنان التي أربكت النظام، ودفعت بشرائح واسعة من الإيرانيين، ومنها مجاميع كانت موالية، إلى استهجانسياسة النظام القائمة على العناد والتحدي، وإلى عدم التعويل على الأحلام التي ظل النظام يدغدغ بها مشاعر الإيرانيين القومية، ويطالبهم بالصبر على الحصار والعوز والفقر مقابل إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، والهيمنة على ثروات الدول الغنية التي أتم النظام احتلالها، أو التي يسعى إلى احتلالها.
خصوصا وأن الهيمنة الاحتلالية على العراق وسوريا ولبنان واليمن لم تعد تُحتمل لا من المواطن الإيراني ولا من النظام نفسه، بعد أن أصبحت نيراناً مرتدةً لا تصيبُه وحده بمقتل، بل المجتمع الإيراني كله، وعلى جميع الأصعدة، وفي جميع الميادين.
وتبعا لذلك فقد أصبح الإيرانيون، وخاصة المعارضين منهم في الداخل الخارج، يشعرون بهشاشة النظام وضعفهوتناقص قدراته على المواجهة، ويتوقعون نهايته التي أصبحت مسألة وقت لا غير.
مناسبة هذا الكلام ما روجه المتفائلون من السياسيين والإعلاميين الإيرانيين والعرب والأجانب الذين التقطواتغريدة المرشد الإيراني، علي خامنئي، على حسابه الفارسي على تويتر، والتي امتدح فيها الصلح الذي عقده الإمام الحسن بن علي مع الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، معتبرين تلك التغريدة ضوءً أخضر للحكومةبضرورة البدء بالتمهيد البطيء المتأني لعملية التفاوض مع إدارة الرئيس الأمريكي ترمب، على أساس (وما حيلة المضطر إلا ركوبها).
ولكن العارفسن ببواطن أمور النظام، وبطبيعة المرشد الأعلى الشخصية المجبولة على التقية والمناورة والمداورة عند تفاقم الأخطار، يؤكدون أنه لن يُحقق لأؤلئك السياسيين والإعلاميين الحالمين أحلامهم.
وذلك لأنه، قبل غيره، يعلم علم اليقين، بأن أي تنازللأمريكا، حتى لو كان صغيرا، لا بد أن يجرَّ إلى تنازلاتأخرى، ثم أخرى، وحتى نهاية المسلسل الطويل.
ورغم أنه غير متمسك، كثيرا، بالنووي والصواريخ، ويحتفظ بهما للمقايضة في أية مفاوضات محتملة قادمة، إلا أنه لن يغامر بالتخلي عنهما إلا بتعهد أمريكي أوربي قاطع بضمان بقاء نظامه، وعدم مطالبته بالانصياع لباقي شروط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومنها وأهمُها ملف حقوق الإنسان، والتدخل في العراق وسوريا ولبنان واليمن،وتمويل الجماعات التي صنفتها أمريكا إرهابية، ومنها أحزاب وتنظيمات ومليشيات يعتبرها المرشد الأعلى طوقَأمانهِ، وحزامَ حماية نظامه الوحيد.
فقبل شهور، مثلا، سخر المرشد الأعلى من جهود روحاني الرامية إلى البحث عن فرص اتفاقٍ مع الدول الأوروبية الثلاث، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وقال، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية: “لا أثق بهذه البلدان الثلاثة، لا تثقوا بها أنتم أيضا. إذا أردتم عقد اتفاق فلنحصل على ضمانات عمليّة، وإلا فإنَّ هؤلاء سيفعلون ما فعلته أميركا“.
والخلاصة أن خامنئي موديل 2020 هو نفسُه خامنئي موديل 1979، مع فارق وحيد هو اشتداد حاجته للتقية.فبدون تدخلاته في دول المنطقة، وبدون ميليشياته ونفوذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبعودته إلى عقر داره، كما تريد منه أمريكا أن يفعل، سيكون كمن يضع حبل المشنقة حول رقبته شخصيا، وحول رقاب معاونيه ونظامه كله في النهاية.
أما تغريدتُه التي امتدح فيها صلح الإمام الحسن مع عدوه اللدود معاوية، ودعوة المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، لأمريكا إلى تبادل السجناء، وبيانات وتصريحات أنصاره العراقيين المطالِبة بالمساعدة الأمريكية، فليست، كلها، سوى بالونات اختبار فقط لا غير.
والذي لابد أن يُحزن خامنئي ومساعديه ووكلاءه العراقيين هو أن رسائله الموجهة إلى ترمب لم يستلمها المرسَل إليه، وعادت إلى المرسِل دون جواب.
فالظاهر الثابت أن أمريكا لم تشغل نفسها بكل هذه التسريبات الخجولة، وذلك لأنها أصبحت أكثر يقينا بأن نظام الخميني، اليوم، قد بلغ أرذل عمره القصير، وأقصى حدود ضعفه وارتباكه وضيقه وعزلته، وما عليها سوى أن تنتظر موسم الحصاد الأخير.
تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان، مؤخرا، عن قيام تحالف بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل يهدف إلى إنهاء الوجود الإيراني في شرق سوريا، وإغلاق طريق (طهران – بيروت الدولي)، بعد أن فشلت روسيا حتى الآن في إقناع إيران بضرورة سحب قواتها من البادية.
وأفادت مصادر استخباراتية أمريكية وإسرائيلية بأن الإيرانيين قاموا في اليومين الأخيرين بتغيير مواقع قواتهم في سوريا، خشية الغارات الإسرائيلية. فقد تم نقل لواء (فاطميون) من دير الزور إلى تدمر، قرب العاصمة السورية، واللواء 313 من دير الزور إلى منطقة السيدة زينب، قرب دمشق.
وفي الوقت نفسه هددت الولايات المتحدة، علناً، بتفعيل العودة إلى فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران،إذا لم يمدد مجلس الأمن التابع للمنظمة الدولية حظر الأسلحة على طهران المقرر أن ينتهي أجله في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، بموجب اتفاق إيران النووي.
والحبل على الجرار.