لا شك إنّ الدولة العراقية بحاجة إلى إصلاح ممارسة، وإصلاح إداري واسع يصل لدرجة “الثورة الإدارية”. غير إنّ المطالبات بتغيير نظام أو تجميد دستور، دعوات لا يمكن إخراجها من دائرة الشك والريبة، فدولة دستورية كالعراق يمكنها الفخر بإطارها الدستوري المدني العصري، مع وجود بعض الملاحظات، والممارسة في كثير من الأحيان تكون شاذة عن روح الدستور ومبادئه.
تلك الممارسة هي محور النقد السياسي للطبقة الحاكمة منذ وضوح بوادر تراجع الدولة على الصعد السياسية والأمنية والخدمية..المرجعية الدينية لم تخرج عن هذا المحور -الممارسة- وكل توجيهاتها تتلمس عمق المشكلة المُختزلة في الأداء السياسي للسلطة، وليس البعد النظري للدولة (من قوانين ودستور ومؤسسات أولها البرلمان). من هنا حدث شرخ بين الحكومة السابقة برئاسة السيد المالكي وبين المرجعية العليا، إنتهى بإزاحة المالكي عن دفة الحكم مرة ثالثة.
البديل ينتمي لنفسه المنظومة الحكومية المدافعة عن تلك الحقبة التي شهدت مواجهة بين المرجعية والحكومة، ورغم مجيئه على أثر زوال المالكي بواسطة النجف والقوى السياسية الأخرى، غير أنه ليس بأفضل حالاً من بدايات سلفه الذي بدأ مشواره ضعيفاً لا وجود له في الشارع. وربما هذا التحوّل من الضعف إلى القوة النسبية، يغري السيد العبادي ويدعوه لإستثمار الفرصة!..
قد تكون حالة الإحتجاجات في البلد، هي الفرصة، سيما إنّ المرجعية دعت رئيس السلطة التنفيذية إلى أخذ دوره كمسؤول تنفيذي لا أكثر ولا أقل. يبدو إنّ العبادي قرأ الدعوة على نحو مغاير أو ربما بلغة أخرى؛ وهذا ما يتضح من خلال طلبه الغريب بما أسماه “تفويض شعبي مليوني لحل البرلمان وإسقاط الدستور”!.
المرجعية أجابت بشكل مباشر على هذا التوجه الخطير، إذ دعت إلى تعاضد السلطات جميعها في عملية الإصلاح سيما البرلمان الذي يعد الحاضنة الأولى والرحم الأم للحكومة وتفرعات الدولة الأخرى. رسالة المرجعية هذه، تحمل إنذاراً مبكراً يمكن تحوّله إلى تحذير مباشر في حال أصر رئيس الحكومة على طلبه.
إن الإصلاح يبدأ من الخطاب السياسي، وللأسف الشديد لم يتجاوز السيد العبادي مرحلة الشكوى وخطاب التبريرات، ولعل لجوءه إلى طريقة مستحدثة (المقايضة من أجل الإصلاح)، نابعة من الشعور بضرورة مخاطبة مشاعر الناس، لكسب نقطة قوة جديدة من جهة، ولإلقاء اللوم في الأخطاء والمشاكل على الآخرين من جهة ثانية. المعنى الوحيد لهذا التوجه، هو إستعداد العبادي لخوض صراع سياسي جديد لا طائل منه سوى رفع رصيده الشخصي ورصيد الحزب مقابل القوى الأخرى. أي إننا نعود لذات المفسدة التي تأسست عليها كوارثنا!.
السؤال البارز من تلك المعطيات: هل سيدفع الشعب ثمن هذا الصراع سنوات جديدة من عمره، أم إنّ العبادي فهِم الرسالة؟!.