كانت وصية الرسول الاكرم (صلى اله عليه واله) التي اراد ان يكتبها قبل رحيله ملتحقاً ببارئه عز وجل ليست مجرد وصية شخصية تعنى بميراث مادي او نحوه من متعلقات الوصية الشرعية التي تجب على كل انسان ان يدونها لابراء ذمته استعدادا لرحيله الابدي عن عالم الدنيا ، بل أن وصية النبي (صلى اله عليه واله) التي اراد تدوينها وهو في ساعات احتضاره الاخيرة كانت تهدف الى ان يصون الامة من الانحراف القادم عن الشريعة والتي تجسدت بواكيرها في تخلف القوم عن طاعة الرسول (صلى اله عليه واله) في الالتحاق بجيش اسامة وكان ذاك التمرد وما اعقبه من تحركات مريبة لبعض قادة الانقلاب على الرسول والرسالة وهي أسباب لا شك انها مدعاة لان يتخذ القائد موقفا حاسما لقطع الطريق امام المتربصين وتهديم مخططات الانقلابيين .
ولذلك كان رسول الله (صلى اله عليه واله) واضحا وصريحا في بيان أهمية وخصوصية الكتاب الذي اراد ان يكتبه وهو في ساعات عمره الشريف الأخيرة بقوله (أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا) ، إذن كان الكتاب هو عصمة للأمة من الجهالة وحبل للنجاة من تيه الضلالة ولذلك اتجهت أذهان الانقلابيين الحاضرين في محضر النبي الأكرم (صلى اله عليه واله) فورا الى غدير خم وعهد الولاية الذي عقده الرسول للوصي المرتضى وقرن الالتزام والتمسك به بالهداية والاستقامة والنجاة من الضلالة .
الحسد والأنانية والعقد النفسية للانقلابيين كانت حاضرة في نفوسهم المريضة بحب الجاه والقيادة والتسلط ولذلك لم يتورعوا عن الانزلاق في فخاخ الوقاحة والصلافة والجاهلية لتصل الى حد اتهام الرسول الأكرم (صلى اله عليه واله) بالكذب والهذيان والعياذ بالله وذلك بقول كبير الانقلابيين ( أنه ليهجر) .. هذا التعدي والجرم العظيم الذي صدر من هؤلاء المنافقين كان لخاتم الرسل وسيد الأنبياء محمد (صلى اله عليه واله) الذي كرمه ونزه الله تعالى تنزيها عظيما { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ }.
كان منع النبي الاكرم (صلى اله عليه واله) من كتابة تلك الوصية هو بداية الانقلاب للامة على وصيته وعهده في يوم غدير خم لخليفته ووصيه الامام علي (عليه السلام) ، وكذلك إيذانا ببداية سلسلة الرزايا على الاسلام عموما واهل بيت رسول الله (صلى اله عليه واله) خصوصا ، وكذلك مثل رفض تلك الوصية الشرعية اعلانا لمنهاج الحاكمين والمتسلطين في رفض احكام الشريعة الاسلامية في حياة المسلمين ، تلك الشريعة التي كانت نتاج التنزيل ( القرآن الكريم) والتأويل ( العترة النبوية) وهما اللذان قال وصفهما الرسول بأنهما حبل الله الذي ما خاب ولا ضل ولا غوى من أوى وتمسك بهما ، وهكذا سميت تلك الواقعة والانقلاب على الشريعة برزية يوم الخميس ولذلك كان عبد الله بن عباس لا يسعه الا البكاء والاسى وهو يذكر تلك الرزية وأرخها بمرارة قوله المشهور (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ( …
واليوم بعد الف واربعمائة ونيف من السنين تتعرض شريعة الله مرة اخرى الى القمع والمنع من ان تمارس دورها الحقيقي في حياة الافراد المؤمنين بها وينتج لنا المنافقون والصنميين رزية اخرى تضاف الى سلسلة رزايا الاسلام وهي ( رزية الثلاثاء) : وهي الرزية التي وقعت في جلسة مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء 3/12/2013 الموافق 29 محرم الحرام 1435 هـ بعد تداول تشريع قانون الاحوال الشخصية الجعفري الشرعي في مجلس الوزراء العراقي والمقترح من وزير العدل العراقي وتم خلالها أجهاض القانون بتوجيه من مكتب المرجعية “العليا” بحجج ودواع ما انزل الله بها من سلطان وبذريعة عدم مناسبة الزمان والمكان لتشريع مثل هذا القانون ، ولقد أنضم عدد من الوزراء الشيعة في الحزب الحاكم الى الرافضين للقانون بينما صوت الوزير المسيحي الوحيد في الجلسة ( وزير البيئة) لصالح تشريع القانون الجعفري .
ان المضحك المبكي هو وقوف هذه الجهة وأجندتها ضد تشريع قوانين الشريعة من جهة ومن جهة أخرى تجد صمتهم المطبق وسكوتهم المريب امام تشريع قوانين لمنح الامتيازات لفدائيي صدام واجهزته الامنية القمعية وحزبه الفاشي وبالطبع فان سكوتهم هو علامة رضا وتأييد لهذه القوانين الاستفزازية لمشاعر الملايين من ضحايا حكم صدام وبعثه المشؤوم.
ولعل التبريرات التي انطلقت من بعض الابواق الصنمية في الحكومة والمؤسسات الدينية التقليدية هي دليل أخر على تورط الجهات الدينية العليا وتوابعها من الاذناب والذيول في وأد مشروع قانون الاحوال الشخصية الجعفرية عن عمد وقصد ، وعلى كل حال فأن تلك التبريرات الواهية والتي تنم عن الحسد والانانية والعقد النفسية تجاه الآخر من قبل هؤلاء سوف تشكل عنصر أدانة لجريمتهم النكراء والمتطرفة في الوقوف مع الاتجاهات المعادية للدين وللشريعة ضد التشريعات الاسلامية .
وازاء انفضاح أمرهم وانكشاف مؤامراتهم فقد هؤلاء الصنميون كل معاني الدين والاخلاق ليبادروا الى حرب الكترونية ضد اهم المواقع الالكترونية لاتباع المرجعية الرشيدة الرسالية في محاولة لاسكات وخنق صوت الحقيقة من خلال تسخير الاموال الطائلة في سبيل تهكير تلك المواقع الالكترونية او اغلاقها او حجبها لتتكشف بهذا الفعل الدكتاتوري الاستبدادي السلطوي كل اوراق التوت الساترة لقبح تلك المؤسسة وملحقياتها الخاوية سوى من التصريحات الجوفاء ، المخدرة ، المسمومة .
ان الوقوف ضد الشريعة والتشريعات الالهية أنبعث من رزية الخميس ليكون منهاجاً وتقليداً راسخاً للقيادات المنحرفة عن خط الشريعة في محاولة لتأطير وتحجيم نفس الشريعة بما يتلائم مع مصلحة الطبقة المستبدة والطامحة دوما بالاستيلاء على مقاليد الامور بالانقلابات والصفقات وسلب القيادة الحقيقية من مقومات بناء المجتمع الواعي الرسالي عبر محاولة عزلها وتهميش اي دور لها في حياة الامة وذلك لاخضاعها الى الاستسلام والركون والانعزال وبالتالي ترك الساحة امام المتقمصين لثوب القيادة والزعامة ومن يلوذ بكنفها من الانتهازيين والطامعين للتلاعب بمقدرات الامة على كافة الاصعدة والنواحي .