لكل بداية نهاية والبقاء لله وحده عز وجل والله هو الذي قضى بقدرته هذه السنة ونؤمن بها كجزء من إيماننا بالله وكتبه ورسله وملائكته واليوم الاخر وبالقضاء خيره وشره، إذًا الآجال مكتوبة والرحيل أمر الهي محتوم لا يقدم ساعة ولا يؤخر وإن تعددت الاسباب ولكنها بنتيجة واحدة مهما عمر الإنسان او حمى نفسه من الموت فإنه يلاقيه ولو كان في بروج مشيدة، فلا المال ينفع ولا الأولاد ولا الجاه والمناصب وكثرة الأحباب والأصدقاء والأطباء مهما بذلوا وحاولوا.
مادام الرحيل أمر نهائي فعلمُ الموت بين عيني كل حيٍ يلوح، فالإنسان يبحث عن أسلوب يطيل بقاءه ويمد من أيام عمره، ولكنها دون جدوى فيحاول ان يبقي أثراً له من بعده ويترك بصمته لإنه يعلم انه لا يملك سوى أيامًا معدودة من ايام الفاتحة والعزاء إذا لم يكن له أثر في الحياة.
ان ما يقدمه كل فرد في المجتمع بما في وسعه ويفرغ ما في جعبته يصب في هذا المضمار، إن الأدباء والشعراء والكتّاب والمثقفين والمفكرين والفنانين والمؤرخين والعلماء والأئمة والقادة والآخرين من أمثالهم عرفوا أكثر من غيرهم ان الحياة ليست سوى أيامًا معدودة ويتطلب الكثير من الجهود والأفكار والبرامج والتنفيذ لذا واصلوا ليل نهار وعملوا لساعات وساعات فأبدعوا واخترعوا ما يصب في صالح الإنسانية وخدموا البشرية وأصبحوا قناديل يضيئون الدرب نحو مستقبل افضل.
على قدر وجود هؤلاء الجنود المجهولين في اي مجتمع يكون افراد ذلك المجتمع واعين ومتعلمين ومستعدين للنمو والتطور أكثر من غيره لان هؤلاء ليسوا ملكًا لأنفسهم بل ثروة المجتمع التي لا تنضب وينابيع صافية ومتدفقة من الأفكار الابداعية التي تصب في صالح مجتمعاتهم ومجتمعات غيرهم، وباسماءهم ونتاجاتهم تعرف المجتمعات، فكم من شعب عرف بقائدها أو احد ادباءها او كتّابها أو فنانيها…الخ لإن الله سبحانه وهبهم ما لم يهب لغيرهم من الفهم والتدبر.
يومًا بعد يوم ويغادر الحياة هؤلاء ويتركون كمًا من النتاج الأدبي او العلمي أو الفكري في صمت سوى نشر صورهم من قبل أحبابهم من الأهل والأصدقاء وكلمات من الرثاء وتقديم العزاء او إصدار بيانات وسرعان ما يصبحون جزءاً من الماضي وكأنهم لم يعيشوا ، صحيح إن هموم الحياة كثيرة ومشاغلها لا نهاية لها خاصةً ونحن نعيش عصر العولمة والتكنولوجيا والسرعة اللامتناهية في نشر الأخبار والمعلومات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ولكن هذا لا يعني بأي شكلٍ من الاشكال ان ندع رحيل الذين خدموا ان تمر كأحداث وأيامًا اعتيادية.
أعتقد ومن الأعماق وفي سبيل الاهتمام بهؤلاء الافراد الذين عقدوا على أنفسهم خدمة الإنسانية أن تبدأ الجهات الرسمية المسؤولة في اي بلدٍ بتقديم الدعم والمساندة اللازمة لهم ومساعدتهم والاهتمام بهم وبنتاجاتهم وتنظيم مراسيم لتكريمهم وتسمية الاماكن العامة باسمائهم ورعايتهم في حال مرضهم وإعانتهم في محناتهم وزيارتهم في أماكن عملهم وفتح المجال لهم ليقدموا ما عندهم، لأنهم الثروة الحقيقية والخزين الممتلئ للبلدان وتنظيم مراسيم مهيبة بحضور الجهات المعنية ودعوة الجماهير في يوم رحيلهم للحضور والمشاركة في عزاء أنسان عاش من أجلهم ولهم احترامًا وتقديرًا له ومواساتا لذويه الذين ينتظرون بلهف هذا الحضور وتشجيعًا للسائرين على دربهم وأن الذي يخدم وطنه وشعبه يبقى حياً في الذاكرة والقلوب وإن رحلوا بأجسادهم فإنهم باقون إلى الأبد شموع من النور، كذلك الاهتمام بما خلفوا من وراءهم من نتاج والاحتفاظ به للقادم من الاجيال لإنه جزء من تاريخ شعبٍ وتراثه.
كلامنا هذا لا يعني بأي شكلٍ نكران ما يقدمه الجهات المسؤولة من خدمات لهؤلاء ولكنه ليس بالمستوى المطلوب ونريد المزيد من الاهتمام والتقدير لمن سخروا أقلامهم وأفكارهم خدمةً لبني البشر وأنهم صهروا كل طموحاتهم وأمنياتهم في بوتقة خدمة الآخرين…
لنجعل من رحيل كل صاحب قلم وفكرة انطلاقة جديدة لتقديرهم وفتح المجال امام غيرهم ليسلكوا طريقهم.
اقف إجلالًا وإكرامًا أمام كل من خدم وطنه وشعبه والبشرية بفكرة جديدة واقول لهم بملء الفم إني أحبكم وان لم أكن منكم بل معجبًا ومتلهفا للحاق بركبكم …وأتمنى الصحة والسلامة للجميع.
