23 ديسمبر، 2024 9:05 ص

بدرالدين السوافيري
اعتاد اهل غزة، كسائر البلدان العربية على مشاهدة باعة الارصفة والشراء منهم، او كما يحلوا للبعض تسميتهم ببائعي البسطات وكذلك الامر، فلا تخلو دولة عربية او اسلامية من الاسواق الشعبية والتي غالبا ما تحدد لها ايام معلومة موزعة على عدد المدن وايام الاسبوع، ويأتي غرام الشعوب بهذه الاسواق لكثرة التنوع في البضائع وقلة الاسعار وروح التنافس الجميلة بين التجار، بالإضافة لسبب جوهري اخر هو قربها من مناطق سكناهم.

ولكن الصورة بغزة هاشم، لم تعد كذلك، فقد باتت سوداء ومختلفة كليا، بعد تعدي موظفي البلدية على البسطات في اماكن مختلفة وازالتها ومصادرتها وتكبيد البائعين خسائر البحث عنها في مخازن البلدية وبعضهم قد يدفع غرامات لا تتناسب وطبيعة الجرم ان اعتبرنا البحث عن الأرزاق جريمة يعاقب عليها قانون البلديات!

لا أحد ضد ان تصبح غزة سنغافورة العرب او حتى تتفوق على سنغافورة الاصلية، ولا اظن كائن من كان ضد تنظيم الاسواق والشوارع والحرص على نظافة المدينة، ولكن من زاوية اخرى فلا يجب ان نقف ضد ارزاق العباد، فالبائع صاحب البسطة المتواضعة، قد يشقى نهار بأكمله ليعود لمنزله ولا يحمل في جيوبه، الا قروش قليلة لا تكفيه لشراء خبز لأولاده او اهله، وربما عاد ايضا خالي الوفاض من اية نقود، خاصة وان المواطن هو الاخر لم تعد جيوبه تحمل شيئا سوى الهواء مع هذا الفقر المدقع والبئس والحصار الذي يعيشه اهل القطاع!

لقد زرنا ارقى بلدان العالم وشاهدنا الباعة الذين يصطفون ببضاعتهم على الارصفة طالبين الرزق ، فالامر ليس اذن اختراع نووي غزاوي ، واذا كانت البلدية والقائمين على الامر لا يعجبهم المشهد ولا يسر كحلة عيونهم ، فليفعلوا بهؤلاء الباعة ما هو ادمي ومنطقي وليوفروا لهم سبل الرزق بدلا من تطبيق قوانين جامدة لا رحمة فيها ، والتعالي والتعدي عليهم وعلى بضائعهم ، فلا منطق في ان يخصصوا لهم قطعة ارض بعيدة عن البشر ، ليقام عليها سوق شعبي يمارسون فيه عملهم و يقتاتون منه ، فمثل هذه الاسواق البعيدة لا يصلها الا من امتلك سيارة وبالمنطق هذه الشريحة من المجتمع يتسوقون من المحلات العادية أو الفخمة لان لديهم المال المطلوب لذلك !

نظموا ما شئتم من الشوارع ولكن كونوا بعقول مستنيرة وافئدة رقيقة وايدي حانية، واشعروا بحاجة هؤلاء البشر لاسباب الرزق، وليكن التخطيط لهذا الامر بوجه انساني وعلمي واقتصادي وراعوا ان شعبكم اغلبه بلا مصدر للدخل وان اصحاب البسطات هم من أفقر فئات مجتمعنا، ولتتذكروا المقولة القديمة والتي صلحت لكل زمان (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)!