23 ديسمبر، 2024 5:05 ص

الرجل الميت الجزء الثاني من قصص الخيال القريبة من الواقع العراقي

الرجل الميت الجزء الثاني من قصص الخيال القريبة من الواقع العراقي

الرجل الميت رقم 13
الجزء الثاني
وفي نهاية عام 1980اعلنت الحرب ودقت اجراسها ليلتحق كل ابناء العراق الذين تجاوزت اعمارهم الثامنة عشر سنة الى صفوف القوات المسلحة.. وكونه كان طالب دراسات عليا واستاذ جامعي كان مؤجل من الخدمة الإلزامية… ولكن اعلان البلاد حالة الحرب وحالة التأهب القصوى معناها اشتراك الجميع…
نعم انها الحرب التي لأتعرف الصغير والكبير ولا تميز بين المتعلم وغير المتعلم الحرب التي تشنها الدول فيما بينها ويجني ثمارها الشعوب وينتشر معها التخلف والفساد والجهل ولتحصد مئات الالاف من الارواح الطاهرة ارواح خيره شباب تلك الدول وكم من ام مفجوعة فقدت كل ابنائها في هذه الحرب وكم من فتاة خسرت زواجها وهي مازالت عروس…
وعودة على أحداث القصة فقد تم استدعاء السيد طلال لأداء الخدمة الالزامية وتم التحاقه الى احد مراكز التدريب القريبة من منزلهم في معسكر الرشيد ليتم توزيعهم بعدها الى الوحدات العسكرية وصدرت الاوامر بعدها وتم نقله الى وحدته الجديدة في قاطع شرق البصرة قيادة عمليات الفيلق الثالث…عاد الى منزله القريب من المعسكر مدة ساعتين ليودع اهله واطفاله الصغار وكان الوداع ممزوجا بدموع الحزن والخوف… وداع الامهات وداع الزوجات اللاتي لا يأمنن مصائب الحرب ومفاجأتها ولكنها اراده الله قبل كل شيء وسياسة الحكام والملوك والرؤساء…
وكان لا بد ان يكون من الملتحقين كونه من عائله معروفه و يحمل شهاده جامعيه عليا ولا يحق له التغيب او الهروب من الخدمة العسكرية وعند التحاقه ووصوله الا وحدته العسكرية الجديدة اراد ان يقول لآمريه انه يحمل معه شهاده ماجستير لغة انجليزيه الا انه لغة العسكر كانت تختلف عن لغة الحياة المدنية فالحياة العسكرية لها طابع خشن وفيها كل المشقات والمخاطر.. حياة لا يبعدها عن الموت سوى لحظات ربما وأيام قليلة خاصة وان المعارك بدأت تأخذ منحنى خطير بعد تشدد اطراف الدول المتناحرة وكل دولة تعلن فوزها بمعركة وبعدها تعلن خسارتها في المعركة الاخرى وفعلا اصبحت في هذه الفترة كل المعارك شرسة وكل معركة تخلف خلفها الاف الضحايا من الطرفين…
وما ان وصل وحدته الجديدة والتي كانت من ضمن الوية المشاة المقاتلة ضمن الصفوف القتالية المتقدمة في جبهات القتال التقى بالجنود الموجودين معه هناك وتعارف عليهم وكان احدهم من نفس المنطقة التي يسكن فيها والذي عرف والده الحاج عبدالله الجابي كونه معروف في مصلحة نقل الركاب في تلك المناطق.. والذي استقبله وطلب من آمر سريته ان يكون معه في نفس الملجأ اومايسمى موضع القتال وفعلا بقيا جنبا الى جنب داخل هذا الملجأ. وبينما الليل ينسج خطوطه العميقة وحالة الخوف والتعب تخيم على الجميع والمقاتل طلال مستلقياً في فراشه داخل ملجأ لاتعدوا مساحته الصغيرة لجلوس شخص ثالث غيره وغير زميله..
هنا تذكر السيد طلال مسيرة حياته كشريط سينمائي يمر من امامه.. اين انتم الان يا امي العزيزة واين انت يا ابي الغالي ايها المكافح البطل.. يامن سهرت الليالي من اجلنا وكافحت العوز والفقر حتى نحصل على تعليمنا الدراسي وبعد ان انهينا دراستنا ما زلت سند لنا وانا متأكد الآن انك سند لزوجتي واطفالي عند حاجتهم اليك
تذكر الطفولة واصدقائها والمدارس وزملاءه تذكر الحياة الجامعية.. وتذكر زواجه من ام سرمد وكيف كانت حياتهم السعيدة في السنوات السابقة رغم قصرها….
بقي عائشاً في احلامه الوردية مع الذكريات لدقائق اوربما لساعة واحدة ليسمع صوت صديقه وهوا يصيحه على القيام باستلام واجبه في الحراسة ومراقبة تحركات العدو والمقرر لمدة ثلاث ساعات مقابل ستة ساعات استراحة..
وفي احد الايام وعند الصباح ابلغه آمر فصيله الملازم حيدر بان يذهب الى مقر السرية لمقابلة آمر السرية النقيب عناد جاسم والذي طلب مقابلته.. توجه الى مقر السرية الذي يبعد عنه حوالي كيلومتر واحد وهناك التقى السيد امر السرية الذي سأله عن شهادته وعنوان سكن عائلته وابلغه انه محتاجه ان يكون كاتب قلم السرية كونه خريج جامعي ويحمل شهاده أكاديمية وانه سوف يعفيه من جميع واجبات الحراسة ويتفرغ للعمل الاداري فقط.. وبدون تردد وافق على الفور كونه سوف يحظى بملجأ خاص له ومقر اداري يستطيع ممارسة حياة اخرى مع القلم والاوراق.. استلم المهمة في قلم السرية من نائب ضابط كان يقوم بذلك وهو منقول الى وحدة عسكرية اخرى والذي علمه عن كيفية عمله والتعامل مع البريد العسكري وكل الامور المعلقة بذلك من تنظيم اجازات مراتب السرية وغيرها…واستمر بمهمته في قلم السرية.. وبعد اسبوعين من استلامه مهمة مكتب قلم السرية ابلغه الآمر بأن نزوله الى اهله اجازة دورية سوف يكون بعد يومين عند التحاق زملاءه من اجازتهم الاعتيادية وحسب الموعد المقرر تهيأ مع منتسبين وحدته للنزول في اجازة متوجهين الى المقرات الخلفية للقطعات ليتوجهوا بعدها الى باصات النقل التي تنتظرهم وتقلهم الى العاصمة بغداد. وعند ركوبه الباص الذي كان ممتلأ بالجنود اخذ احد المقاعد الموجود في الخلف ليتحرك الباص بعدها الى العاصمة بغداد مرورا بمحافظة ميسان ووحداتها الادارية ومحافظة واسط واقضيتها ونواحيها… وبعد ستة ساعات من السفر حط الباص رحلته في كراج النهضة في منطقة الرصافة.. داخل بغداد. وكانت الساعة تشير الى الواحدة بعد منتصف الليل نزل المقاتل طلال واوقف سيارة صغيرة لتوصله الى منزله في منطقة بغداد الجديدة ونزل من السيارة على بعد امتار من منزله وعند وصول باب الشقة طرق الباب ليسمع صوت والده وهو يقول من الطارق ولم يتمالك نفسه من الفرح وعيونه غارقةً في الدموع.. لحظات واذا هو وجهاً لوجه مع والده الذي صاح بأعلى صوته طلال ما معقولة… يالها من مفاجأة طيبة وعلى صوته جلست زوجته ام سرمد مفزوعة من منامها لا تصدق عيناها رؤية زوجها وحبيبها ابو سرمد وهو يرتدي البدلة العسكرية وحالته لا تسر الناظرين…