22 نوفمبر، 2024 3:23 م
Search
Close this search box.

الرجل المناسب.. لا مكان له في العراق

الرجل المناسب.. لا مكان له في العراق

لم يسجل تاريخ العراق الجمهوري.. والعراق الديمقراطي الحالي إن “الرجل المناسب أخذ موقعه المناسب”.. وأدناه محطات مرت بيً:
ـ الزميل قيس جمال الدين المتفوق الثالث.. وأنا المتفوق الرابع.. على كليتنا “العلوم السياسية”.. وجميع المتفوقين من الكليات الأخرى.. لم نعين في وزارة الخارجية العام 1970.. في حين عين الطلبة الفاشلون.. حزمً قيس حقائبه إلى فرنسا.. عاد الى العراق.. وهو يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية.. وقدم ثانية للتعين في وزارة الخارجية.. فوجئ إن من يقابله ويختبره كان أفشل الطلبة معنا.. وأقسم قيس ليً انه لم يجري له أي اختبار.. بل سلمً عليه ذلك الشخص ببرود.. وانتهت المقابلة والاختبار الوهمي بالفشل.. وأخيراً عينً تدريسياً في جامعة بغداد.. ولم يستطع قيس رغم المحاولات العديدة الانتقال إلى وزارة الخارجية.. بالرغم من انه يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من فرنسا.. ويتقن ثلاث لغات أجنبية حية.
ـ في العام 1980 استضافني معهد التطوير الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية لإلقاء محاضرات في دورة الكوادر الدبلوماسية.. فوجئتُ إن احد هذه الكوادر كان من الطلبة الفاشلين معنا في العلوم السياسية.. وعين بدل احد المتفوقين الذين رُفضً تعينهم كما أشرت أعلاه.. وينتظر أن ينهي هذه الدورة ليتم ترفيعه لسكرتير أول.. لكنه رسبً في الدورة.. ولم يكن يصلح ليس دبلوماسياً.. بل ولا يصلح حتى موظفاً في وزارة الخارجية.
ـ وزير الثقافة والإعلام في أوائل الثمانينيات كان يردد دائماً في اجتماعاته مع المسؤولين انه أصبح وزيراً للثقافة والإعلام وهو لا يعرف من الثقافة والإعلام سوى (ألاريل) المنصوب فوق بناية الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية…….(يا للمهزلة).
ـ جار لنا لا يعرف من السياسة حتى أحاديث (القائد).. رجاني بإلحاح مساعدته في كتابة تقرير عن حركة عدم الانحياز باعتباري كنتُ مديراً لعدم الانحياز.. وأمام الحاهه أشرتُ له على فقرات من بعض المصادر.. وسجلتُ له بعض الملاحظات ليستعين بها عند كتابته تقريره.. لكنه نقل نص الفقرات فقط.. ولم يأخذ بملاحظاتي.. فكان تقريره مشوهاً.. المهزلة انه كُرمً على تقريره هذا بساعة فيها صورة صدام.. وتمً ترقيته الى مدير عام.. وبعد أشهر عين وزيراً لوزارة مهمة.. كزميله الأول الذي لا يعرف من وزارته سوى (ألاريل).
ـ حزبي عضو فرقة.. كان طالباً فاشلاً معنا.. عين دبلوماسياً في وزارة الخارجية.. أخذ يلح عليً لكتابة بحث له لترفيعه الى درجة سفير مستغلاً موقعه الحزبي.. رفضتُ رفضاً قاطعاً.. ويبدو انه استطاع الضغط على غيري وحصل على مرامه.. كان فاشلاً بعمله الدبلوماسي.. لكنه كان ناجحاً بامتياز في تجارة العملة في السوق السوداء.. وأخذ الرشوة من المراجعين للسفارة.. والكومشن من الشركات التي تتعاقد مع العراق لمشاريع.
هذا الحزبي ظل يكتب عليً التقارير لحزبه.. وكل مدة يجري التحقيق معي عن أمورٍ وهمية.. وأخيراً تم معاقبتي وإنهاء خدماتي من مركز التوثيق الإعلامي لأني غير حزبي كما ورد في تقريره.
ـ في ألعام 1983 شعرتُ أنا بغبن كبير واقع عليً.. فقدمتُ طلباً لنقلي إلى أية دائرة أو أية وزارة كانت.. قابلني الوزير ليقول ليً: أنت أذكى موظف في الوزارة.. وتعادل عشرين مديراً عاماً.. بل أنت أفضل من وكلاء الوزارة.. لكنك غير محظوظ !!….
بربكم هذا كلام مقبول ؟؟.. طلعت المناصب توزع بالحظوظ.. وليست على أساس الكفاءة والخبرة والنجاح.. وبقيت الحال على ما كانت عليه.. ولم تمضي سنة ليحيلني نفس الوزير على التقاعد..وكنتُ في عنفوان نضجي الفكري.. والجسدي.. والصحي.. وإنتاجي العلمي والعملي.. وكان عمري 43 سنة.. ولم تكن ليً سوى 17 سنة خدمة.
ـ بعد العام 2003 لم أعاد الى الوظيفة.. وفي العام 2009 كنت مستشاراً في إحدى المؤسسات الحكومية.. قال ليً أحد المسؤولين المهنيين الكبار: (دكتور.. أنت عالم.. وخبرة مهنية.. وقيادية نادرة.. لكن الزمان غير زمانكً).. قلتُ له: (هذا الزمان غيرُ زماني.. وزمن البعث غير زماني.. فمتى أجد زماني؟).. نظرً إليً بألم.. وأخفض رأسهُ.
لم تمض أشهر حتى أقيل هذا المسؤول من منصبه.. فردً عليهم بشكل علمي وموضوعي.. فأحالوه الى القضاء ليس بدعوى واحدة.. بل بعشرة دعاوى كيدية.. فلم يجد خياراً سوى مغادرة بغداد.. وتم إنهاء عقدي أيضاً.. ومن وقتها أنا بلا عمل ولا أحد يصدق.. ولا احد يستفاد من كفاءتي وخبرتي.
ـ منذ العام 2003 حتى ألان هناك مئات المستشارين.. جيوش من المدراء العامين.. والسفراء.. والصف الأول من الدبلوماسيين.. ورؤساء دوائر وأقسام.. غالبيتهم لا يفقهون شيئاً.. كذلك هناك مئات من أعضاء مجالس المحافظات.. شهاداتهم مزورة .. وجاء لهم الفرج بقانون العفو العام الأخير.. حيث يشملهم العفو ويبقون في وظائفهم وبشهاداتهم المزورة.. عاش العراق.. بلد المستشارين.. والشهادات المزورة.. والمزورين.
ـ الأنكى من ذلك هناك وزراء قضوا أربع سنوات أو أكثر في وزاراتهم.. لا يعرفون حتى الآن ماذا تعمل وزاراتهم.. ومازال هؤلاء جميعاً لم يتعلموا ألف باء أعمالهم.
ـ وزير تخطيط .. لم يدرس التخطيط.. ولا الاقتصاد.. وليس لدية أية خبرة في التخطيط أو الاقتصاد أو الإحصاء.. يعين وزيراً للتخطيط.. لهذا نحن دولة بلا تخطيط.
ـ وزراء المالية.. لم يكونوا جميعاً خريجي المالية.. أو اقتصاد.. أو المحاسبة.. وليس لهم خبرة بالأمور المالية أو التجارية.. لهذا نحن بلا موازنات حقيقية.
ـ وزير خارجيتنا حتى انه لا يعرف ألف باء العلاقات الدولية.. ولا بمقومات السياسة الخارجية.. ولم يدرس حتى الجيبولتكس.. ولا تاريخ الأمم.. ولا القانون الدولي.. ولا يعرف حتى ألف باء الأتكيت والسلوك الدبلوماسي.
ـ وزير عدل.. خريج هندسة .. ولا يعرف ألف باء القانون.. ولا حتى العدل.
ـ وزراء الكهرباء منذ العام 2003 حتى اليوم جميعهم تكنوقراط.. ولهم خبرة.. لكنهم فشلوا بامتياز من توفير حتى 50% من حاجة العراق للطاقة الكهربائية.. بضمنها شراء الكهرباء من الباخرة التركية في مياه الخليج.. وتيار كهربائي من إيران.. ونشتري الكهرباء من إقليم كردستان الى كركوك.. ونشتري الكهرباء من اربيل الى الموصل…. فهؤلاء الوزراء لا يصلحون لقيادة وزارة.. فالرجل المناسب في المكان المناسب.. يتطلب كذلك النزاهة والوطنية.. بعيداً عن المحاصصة والطائفية.
فهل هؤلاء هم (الرجال المناسبون في الأماكن المناسبة).
والمصيبة مازلنا نؤكد على حتى الآن على مبدأ (الرجل المناسب في المكان المناسب).

أحدث المقالات