وتراه في اضطرابٍ مُرعبِ السِرِّ خطيرْ
ليته يفقه في مسراه أخطارَ المسيرْ
انه يحلم بالكرسيّ والحُلْمُ مثير
لاتسلْ عنهُ كثيراً إنَّه طفلٌ كبيرْ
(من رباعيات السيد حسين الصدر)
-1-
نشهدُ على مسرح الحياة ألوانا من الصور التي قد تكون متضادةً في بعض الأحيان:
فهناك (الصبيّ) الذي لم يَمنَعْهُ صِغَرُ سنّه، وعودهُ الاخضر، ان يكون كالرجال لباقةً ولياقة …
وحين يقفز (الطفلُ) الى مستوى (الكبار) فهذه منقبة فريدة لاشك فيها .
وانها لميزة ومزيةٌ تُدخله في اعداد الأذكياء النابهين ..
وقد نرى الرجل – وقد أصبح جَدّاً – ،
لكنه لم يستطع ان يتجاوز مرحلة الطفولة المغموسة بالسذاجة المتناهية…
وحين يكونُ الرجل طفلا كبيراً، فلا يمكننا الاّ ان نصرخ ونقول :
اننا أمام كارثة ..!!
-2-
وهذه السطور ليست قصةً من نسج الخيال، ولا موضعَ فيها لمبالغةٍ أو تهويل .
أنها معايشة حسيّة لطفلٍ كبير ، حَمَلَتْني على ان أكتب شيئاً من أطواره الغريبة وأحواله العجيبة .
-3-
لم يكن (صاحبنا) بعيداً عن العمل السياسي المعارض قبل سقوط الصنم ، ولكنه أخفق في ان يصل الى ما وصل اليه زملاؤه في العراق الجديد ، وقد جرّب حظه في الزحف نحو البرلمان ولكنه مُني بالخيبة والخسران …
-4-
ان الفشل رافقه أكثر من مرّة في سعيه للحصول على عضوية مجلس النواب ، رغم ما بذل من جهد كبير ، وما أنفق من مال كثير ..!!
-5-
ان شهوة الحصول على منصب مرموق لم تفارقه على الاطلاق .
ولقد جاءنا يوماً ، يطلب منّا ان ندعم مساعيه للحصول على حقيبة وزارية أمنيّة …!!! ،
وهو أبعد عن الناس عن ان يكون مؤهلاً لها ..!!
وكان يُبرَرُ مسعاه بالقول :
انهم قالوا ان الحقائب الأمنية سيتولاها المستقلون ، وهو منهم ..!!
ثم انه (استخار) الله تعالى في ان يتجه للحصول على تلك الحقيبة ، فكانت النتيجة ايجابية !!
وهنا تستطيع ان تقرأ بكل وضوح مدى السذاجة التي ينطوي عليها هذا الطفل الكبير .
لقد طاف على المهاجرين والانصار يطلب دعمهم، فَقَابَلَهُ الكثيرون منهم بمراوغةٍ فَهِمَ منها – لشدة بساطته :
أنها وعود ايجابيّة ، بينما كانت في حقيقتها ضحكاً على ذقنه …!!
-6-
ولم نترددْ لحظةً في مصارحته يوماً بمرّ الحقيقة .
قلنا له :
إنّ ما تطلبه لن يكون ، ولسنا على استعداد لِمَنْحِكَ أيَّ وعد في هذا الخصوص وفي الأمثال :
( أخوك مَنْ صَدَقَكَ لا مَنْ صدّقكَ )
ثم انكشف له – ولو بعد حين – صحة ما بيّناه له .
-7-
ولقد فاجأنا مؤخراً بما هو من الغرائب أيضاً ، فقد زارنا وأخبرنا بأنه قد رشحّ نفسه في احدى القوائم الانتخابية التي التي لا تربطه بها رابطة ، وليس ثمة من قاسم مشترك بَيْنه وبينها ..
لقد أخفى رغبته عنّا ،ولم يُخبرنا الاّ بعد تمام الأمر ، ربما لأنه يعلم بأننا سوف ننهاه عن المضي في اتمام الصفقة .
وهنا أيضا :
لم نلتزم الصمت ، وانما صارحناه بأنه لم يكن موفقاً في انخراطه الجديد .
-8-
ان هذا الطفل الكبير ، يحلو له ان يتمظهر بمظهر الحوزويين ،وهو يستسيغ الانخراط في صفوف من لا تجمعهم بالحوزويين أية آصرة أو رابطة ؟
ولعّل الطفولة الكبيرة تحول بينه وبين ان يفهم التضاد ما بين المسارين .
-9-
ولمحض الطرافة نذّكر هنا :
انه كرّر تبرير خطوته الجديدة بالاستخارة .
وهكذا صارت (الاستخارة) العكّاز الذي يتوكأ عليه …
مع ان الاستخارة مَوْرِدُها (الحَيْرَة) .
ولم يكن هو في أمر مُحيّر على الاطلاق .
انه مال الى هوىً نفسي، دَفَعَهُ للمغامرة بعيداً عن الحسابات الدقيقة التي لايحسنها الأطفال الكبار .
-10-
ومن الممتع ان نتخم المقالة بقصة (طفلٍ) لامس الرجولة الذكية باقتدار :
في أواسط سبعينيات القرن الماضي ، عدتُ من احدى سفراتي الى الخارج ، ولم أكن أتوقع ان ارى هذا (الصغير العزيز)، ساعة وصولي .
فانتظرني هنيهة لعليّ أُقدّمُ له هديةً يرضاها، وحين طال الانتظار ، ولم تُقدّمُ له الهدية ، توّجه نحوي وقال :
لعلك لم تجد شيئاً يناسبني تَجْلِبهُ أليّ معك ..؟!
فأخجلني ..!!
ان كلامه على اختصاره – جمع بين أمرين :
الاول – الاحتجاج بلباقة على عدم تقديم الهدية له دون خرق لقواعد الأدب.
الثاني – التمس لنا عُذراً، ولم يوصد كل الأبواب، وليت صاحبنا يحمل ما حمله ذلك الغصنُ اليانعُ من فطنة ولباقة .
اننا على يقين من أنَّ الأطفال الكبار لن يستطيعوا ان يعيشوا الاّ على هامش الحياة ..!!
وشتان ما بيْن مَنْ يعيشُ في قلب الحياة وبين من يعيش على هامشها .