23 مايو، 2024 12:06 م
Search
Close this search box.

الرجل – الطفل

Facebook
Twitter
LinkedIn

وتراه في اضطرابٍ          مُرعبِ السِرِّ خطيرْ
ليته يفقه في مسراه           أخطارَ المسيرْ
انه يحلم بالكرسيّ              والحُلْمُ  مثير
لاتسلْ عنهُ كثيراً                إنَّه طفلٌ كبيرْ
(من رباعيات السيد حسين الصدر)
-1-
نشهدُ على مسرح الحياة ألوانا من الصور التي قد تكون متضادةً في بعض الأحيان:
فهناك (الصبيّ) الذي لم يَمنَعْهُ صِغَرُ سنّه، وعودهُ الاخضر، ان يكون كالرجال لباقةً ولياقة …
وحين يقفز (الطفلُ) الى مستوى (الكبار) فهذه منقبة فريدة لاشك فيها .
وانها لميزة ومزيةٌ تُدخله في اعداد الأذكياء النابهين ..
وقد نرى الرجل – وقد أصبح جَدّاً – ،
لكنه لم يستطع ان يتجاوز مرحلة الطفولة المغموسة بالسذاجة المتناهية…
وحين يكونُ الرجل طفلا كبيراً، فلا يمكننا الاّ ان نصرخ ونقول :
اننا أمام كارثة ..!!
-2-
وهذه السطور ليست قصةً من نسج الخيال، ولا موضعَ فيها لمبالغةٍ أو تهويل .
أنها معايشة حسيّة لطفلٍ كبير ، حَمَلَتْني على ان أكتب شيئاً من أطواره الغريبة وأحواله العجيبة .
-3-
لم يكن (صاحبنا) بعيداً عن العمل السياسي المعارض قبل سقوط الصنم ، ولكنه أخفق في ان يصل الى ما وصل اليه زملاؤه في العراق الجديد ، وقد جرّب حظه في الزحف نحو البرلمان ولكنه مُني بالخيبة والخسران …
-4-
ان الفشل رافقه أكثر من مرّة في سعيه للحصول على عضوية مجلس النواب ، رغم ما بذل من جهد كبير ، وما أنفق من مال كثير ..!!
-5-
ان شهوة الحصول على منصب مرموق لم تفارقه على الاطلاق .
ولقد جاءنا يوماً ، يطلب منّا ان ندعم مساعيه للحصول على حقيبة وزارية أمنيّة …!!! ،
وهو أبعد عن الناس عن ان يكون مؤهلاً لها ..!!
وكان يُبرَرُ مسعاه بالقول :
انهم قالوا ان الحقائب الأمنية سيتولاها المستقلون ، وهو منهم ..!!
ثم انه (استخار) الله تعالى في ان يتجه للحصول على تلك الحقيبة ، فكانت النتيجة ايجابية !!
وهنا تستطيع ان تقرأ بكل وضوح مدى السذاجة التي ينطوي عليها هذا الطفل الكبير .
لقد طاف على المهاجرين والانصار يطلب دعمهم، فَقَابَلَهُ الكثيرون منهم بمراوغةٍ فَهِمَ منها – لشدة بساطته :
أنها وعود ايجابيّة ، بينما كانت في حقيقتها ضحكاً على ذقنه …!!
-6-
ولم نترددْ لحظةً في مصارحته يوماً بمرّ الحقيقة .
قلنا له :
إنّ ما تطلبه لن يكون ، ولسنا على استعداد لِمَنْحِكَ أيَّ وعد في هذا الخصوص وفي الأمثال :
( أخوك مَنْ صَدَقَكَ لا مَنْ صدّقكَ )
ثم انكشف له – ولو بعد حين – صحة ما بيّناه له .
-7-
ولقد فاجأنا مؤخراً بما هو من الغرائب أيضاً ، فقد زارنا وأخبرنا بأنه قد رشحّ نفسه في احدى القوائم الانتخابية التي التي لا تربطه بها رابطة ، وليس ثمة من قاسم مشترك بَيْنه وبينها ..
لقد أخفى رغبته عنّا ،ولم يُخبرنا الاّ بعد تمام الأمر ، ربما لأنه يعلم بأننا سوف ننهاه عن المضي في اتمام الصفقة .
وهنا أيضا :
لم نلتزم الصمت ، وانما صارحناه بأنه لم يكن موفقاً في انخراطه الجديد .
-8-
ان هذا الطفل الكبير ، يحلو له ان يتمظهر بمظهر الحوزويين ،وهو يستسيغ الانخراط في صفوف من لا تجمعهم بالحوزويين أية آصرة أو رابطة ؟
ولعّل الطفولة الكبيرة تحول بينه وبين ان يفهم التضاد ما بين المسارين .
-9-
ولمحض الطرافة نذّكر هنا :
انه كرّر تبرير خطوته الجديدة بالاستخارة .
وهكذا صارت (الاستخارة) العكّاز الذي يتوكأ عليه …
مع ان الاستخارة مَوْرِدُها (الحَيْرَة) .
ولم يكن هو في أمر مُحيّر على الاطلاق .
انه مال الى هوىً نفسي، دَفَعَهُ للمغامرة بعيداً عن الحسابات الدقيقة التي لايحسنها الأطفال الكبار .
-10-
ومن الممتع ان نتخم المقالة بقصة (طفلٍ) لامس الرجولة الذكية باقتدار :
في أواسط سبعينيات القرن الماضي ، عدتُ من احدى سفراتي الى الخارج ، ولم أكن أتوقع ان ارى هذا (الصغير العزيز)، ساعة وصولي .
فانتظرني هنيهة لعليّ أُقدّمُ له هديةً يرضاها، وحين طال الانتظار ، ولم تُقدّمُ له الهدية ، توّجه نحوي وقال :
لعلك لم تجد شيئاً يناسبني تَجْلِبهُ أليّ معك ..؟!
فأخجلني ..!!
ان كلامه على اختصاره – جمع بين أمرين :
الاول – الاحتجاج بلباقة على عدم تقديم الهدية له دون خرق لقواعد الأدب.
الثاني – التمس لنا عُذراً، ولم يوصد كل الأبواب، وليت صاحبنا يحمل ما حمله ذلك الغصنُ اليانعُ من فطنة ولباقة .
اننا على يقين من أنَّ الأطفال الكبار لن يستطيعوا ان يعيشوا الاّ على هامش الحياة ..!!
وشتان ما بيْن مَنْ يعيشُ في قلب الحياة وبين من يعيش على هامشها .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب